قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "ويقول الذين آمنوا" . فقرأتها قرأة أهل المدينة : ( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله ) بغير"واو" .
وتأويل الكلام على هذه القراءة : فيصبح المنافقون إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده ، على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، يقول المؤمنون تعجبا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله : أهؤلاء الذين أقسموا لنا بالله إنهم لمعنا ، وهم كاذبون في أيمانهم لنا؟ وهذا المعنى قصد مجاهد في تأويله ، ذلك الذي : -
12176 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد : " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " ، حينئذ ، "يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين" .
[ ص: 408 ] وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير"واو" .
وقرأ ذلك بعض البصريين : ( ويقول الذين آمنوا ) بالواو ، ونصب "يقول " عطفا به على" فعسى الله أن يأتي بالفتح " . وذكر قارئ ذلك أنه كان يقول : إنما أريد بذلك : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وعسى أن يقول الذين آمنوا ومحال غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يقال : "وعسى الله أن يقول الذين آمنوا " ، وكان يقول : ذلك نحو قولهم : "أكلت خبزا ولبنا " ، كقول الشاعر :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
فتأويل الكلام على هذه القراءة : فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين ، أو أمر من عنده يديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم ، فيصبح المنافقون على ما أسروا في أنفسهم نادمين وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذ : أهؤلاء الذين أقسموا بالله كذبا جهد أيمانهم إنهم لمعكم؟
وهي في مصاحف أهل العراق بالواو : ( ويقول الذين آمنوا )
وقرأ ذلك قرأة الكوفيين ( ويقول الذين آمنوا ) بالواو ، ورفع "يقول " ، بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب .
وتأويل من قرأ ذلك كذلك : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم يندمون ، ويقول الذين آمنوا ، فيبتدئ "يقول " فيرفعها .
قال أبو جعفر : وقراءتنا التي نحن عليها " ويقول " بإثبات "الواو " في [ ص: 409 ] "ويقول " ، لأنها كذلك هي في مصاحفنا مصاحف أهل المشرق بالواو ، وبرفع "يقول " على الابتداء .
فتأويل الكلام إذ كانت القراءة عندنا على ما وصفنا : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، ويقول المؤمنون : أهؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا؟
يقول الله تعالى ذكره ، مخبرا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم "حبطت أعمالهم " ، يقول : ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلا لا ثواب لها ولا أجر ، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجب ، ولا على صحة إيمان بالله ورسوله ، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، فأحبط الله أجرها ، إذ لم تكن له "فأصبحوا خاسرين " ، يقول : فأصبح هؤلاء المنافقون ، عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر ، قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة ، وخابت صفقتهم وهلكوا .