القول في تأويل قوله ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ( 103 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني ب " الذين كفروا " في هذا الموضع ، والمراد بقوله : " وأكثرهم لا يعقلون " .
فقال بعضهم : المعني ب " الذين كفروا " اليهود ، وب " الذين لا يعقلون " أهل الأوثان . [ ص: 135 ]
ذكر من قال ذلك :
12845 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن ، عن داود بن أبي هند محمد بن أبي موسى : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " قال : أهل الكتاب " وأكثرهم لا يعقلون " قال : أهل الأوثان .
وقال آخرون : بل هم أهل ملة واحدة ، ولكن " المفترين " المتبوعون و " الذين لا يعقلون " الأتباع .
ذكر من قال ذلك :
12846 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا خارجة ، عن ، عن داود بن أبي هند الشعبي في قوله : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون " هم الأتباع وأما " الذين افتروا " فعقلوا أنهم افتروا .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن المعنيين بقوله : " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " الذين بحروا البحائر ، وسيبوا السوائب ، ووصلوا الوصائل ، وحموا الحوامي ، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سن لأهل الشرك السنن الرديئة ، وغير دين الله دين الحق ، وأضافوا إلى الله - تعالى ذكره - : أنه هو الذي حرم ما حرموا ، وأحل ما أحلوا ، افتراء على الله الكذب وهم يعلمون ، واختلاقا عليه الإفك وهم يفهمون ، فكذبهم الله - تعالى ذكره - في [ ص: 136 ] قيلهم ذلك ، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا ، فقال - تعالى ذكره - : ما جعلت من بحيرة ولا سائبة ، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك ، ويفترون على الله الكذب .
وأن يقال : إن المعنيين بقوله : " وأكثرهم لا يعقلون " هم أتباع من سن لهم هذه السنن من جهلة المشركين ، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين سنوا ذلك لهم ، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون ، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله ، كذبة في إخبارهم ، أفكة ، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقون ، وفي إخبارهم صادقون . وإنما معنى الكلام : وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله - تعالى ذكره - كذب وباطل . وهذا القول الذي قلنا في ذلك ، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبل . ولا معنى لقول من قال : " عني بالذي كفروا أهل الكتاب " وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله - تعالى ذكره - على مشركي العرب ، فالختم بهم أولى من غيرهم ، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلى غيرهم .
وبنحو ذلك كان يقول قتادة :
12847 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأكثرهم لا يعقلون " يقول : تحريم الشيطان الذي حرم عليهم ، إنما كان من الشيطان ، ولا يعقلون .