القول في تأويل قوله ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ( 42 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : متوعدا لهؤلاء العادلين به الأصنام ومحذرهم أن يسلك بهم إن هم تمادوا في ضلالهم سبيل من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم ، في تعجيل الله عقوبته لهم في الدنيا ومخبرا نبيه عن سنته في الذين خلوا قبلهم من الأمم على منهاجهم في تكذيب الرسل : " لقد أرسلنا " يا محمد ، " إلى أمم " يعني : إلى جماعات وقرون " من قبلك فأخذناهم بالبأساء " يقول : فأمرناهم ونهيناهم ، فكذبوا رسلنا ، وخالفوا أمرنا ونهينا ، فامتحناهم بالابتلاء " بالبأساء " وهي شدة الفقر والضيق في المعيشة " والضراء " وهي [ ص: 355 ] الأسقام والعلل العارضة في الأجسام .
وقد بينا ذلك بشواهده ووجوه إعرابه في " سورة البقرة " بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : " لعلهم يتضرعون " يقول : فعلنا ذلك بهم ليتضرعوا إلي ، ويخلصوا لي العبادة ، ويفردوا رغبتهم إلي دون غيري ، بالتذلل منهم لي بالطاعة ، والاستكانة منهم إلي بالإنابة .
وفي الكلام محذوف قد استغني بما دل عليه الظاهر من إظهاره دون قوله : " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم " وإنما كان سبب أخذه إياهم ، تكذيبهم الرسل وخلافهم أمره لا إرسال الرسل إليهم . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن معنى الكلام : " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك " رسلا فكذبوهم ، " فأخذناهم بالبأساء " .
و " التضرع " : هو " التفعل " من " الضراعة " وهي الذلة والاستكانة .