القول في تأويل قوله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين    ( 52 ) ) 
قال أبو جعفر   : ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين ، قال المشركون له : لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك ! 
ذكر الرواية بذلك : 
13255 - حدثنا  هناد بن السري  قال : حدثنا أبو زبيد  ، عن أشعث  ، عن كردوس الثعلبي  ، عن ابن مسعود  قال : مر الملأ من قريش  بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده صهيب  وعمار  وبلال  وخباب ،  ونحوهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد ،  أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ هؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا ؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء ؟ اطردهم عنك ! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ! فنزلت  [ ص: 375 ] هذه الآية : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " " وكذلك فتنا بعضهم ببعض   " إلى آخر الآية  . 
13256 - . . . . . . . . . حدثنا جرير ،  عن أشعث  ، عن كردوس الثعلبي  ، عن عبد الله  قال : مر الملأ من قريش  على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ذكر نحوه . 
13257 - حدثني أبو السائب  قال : حدثنا  حفص بن غياث  ، عن أشعث  ، عن كردوس  ، عن ابن عباس  قال : مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملأ من قريش  ، ثم ذكر نحوه .  [ ص: 376 ] 
13258 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي  قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي  ، عن أبي سعد الأزدي  وكان قارئ الأزد  ، عن أبي الكنود  ، عن خباب ،  في قول الله - تعالى ذكره - : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " إلى قوله : " فتكون من الظالمين   " قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي ،  وعيينة بن حصن الفزاري  ، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدا مع بلال  وصهيب  وعمار  وخباب  ، في أناس من الضعفاء من المؤمنين . فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ! قال : نعم ! قالوا : فاكتب لنا عليك بذلك كتابا . قال : فدعا بالصحيفة ، ودعا عليا ليكتب . قال : ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل  بهذه الآية : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين   " ثم قال : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين   " ثم قال : " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة   " فألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول : " سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة   " ! فكنا نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا  ، [ سورة الكهف : 28 ] . قال : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد معنا بعد ،  [ ص: 377 ] فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها ، قمنا وتركناه حتى يقوم  . 
13259 - حدثني محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي  ، عن أبي سعيد الأزدي  ، عن أبي الكنود  ، عن  خباب بن الأرت  بنحو حديث الحسين بن عمرو ،  إلا أنه قال في حديثه : فلما رأوهم حوله نفروهم ، فأتوه فخلوا به . وقال أيضا : " فتكون من الظالمين   " ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض   " الآية . وقال أيضا : فدعانا فأتيناه وهو يقول : " سلام عليكم   " فدنونا منه يومئذ حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه وسائر الحديث نحوه .  [ ص: 378 ] 
13260 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  ، عن قتادة  وحدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  والكلبي   : أن ناسا من كفار قريش  قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن سرك أن نتبعك ، فاطرد عنا فلانا وفلانا ، ناسا من ضعفاء المسلمين ! فقال الله - تعالى ذكره - : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " . 
13261 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " إلى قوله : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض   " الآية ، قال : وقد قال قائلون من الناس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ،  إن سرك أن نتبعك فاطرد عنا فلانا وفلانا لأناس كانوا دونهم في الدنيا ، ازدراهم المشركون ، فأنزل الله - تعالى ذكره - هذه الآية إلى آخرها  . 
13262 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " بلال  وابن أم عبد ،  كانا يجالسان محمدا   - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت قريش  محقرتهما : لولاهما وأمثالهما لجالسناه ! فنهي عن طردهم ، حتى قوله : " أليس الله بأعلم بالشاكرين   " قال : " قل سلام عليكم " فيما بين ذلك في هذا  . 
13263 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا سفيان  ، عن المقدام بن شريح  ، عن أبيه قال قال سعد   : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منهم ابن مسعود ،  قال : كنا نسبق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وندنو منه ونسمع منه ، فقالت قريش   : يدني هؤلاء دوننا ! فنزلت : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " .  [ ص: 379 ] 
13264 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن عكرمة  في قوله : " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم   " الآية ، قال : جاء عتبة بن ربيعة ،  وشيبة بن ربيعة ،  ومطعم بن عدي ،  والحارث بن نوفل ،  وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل ،  في أشراف من بني عبد مناف  من الكفار إلى أبي طالب  فقالوا : يا أبا طالب ،  لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءنا ، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا ، كان أعظم في صدورنا ، وأطوع له عندنا ، وأدنى لاتباعنا إياه ، وتصديقنا له ! قال : فأتى أبو طالب  النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بالذي كلموه به ، فقال  عمر بن الخطاب   : لو فعلت ذلك ، حتى تنظر ما الذي يريدون ، وإلام يصيرون من قولهم ؟ فأنزل الله - تعالى ذكره - هذه الآية : " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " إلى قوله : " أليس الله بأعلم بالشاكرين   " قال : وكانوا : بلال ،   وعمار بن ياسر ،   وسالم مولى أبي حذيفة ،  وصبيح مولى أسيد  ومن الحلفاء : ابن  [ ص: 380 ] مسعود  ،  والمقداد بن عمرو  ، ومسعود بن القاري  ، وواقد بن عبد الله الحنظلي  ، وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين  ، ومرثد بن أبي مرثد   - وأبو مرثد  ، من غني ، حليف حمزة بن عبد المطلب  وأشباههم من الحلفاء . ونزلت في أئمة الكفر من قريش  والموالي والحلفاء : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا   " الآية . فلما نزلت ، أقبل  عمر بن الخطاب  فاعتذر من مقالته ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم   " الآية  . 
13265 - حدثني  يونس بن عبد الأعلى  قال : أخبرنا ابن وهب  قال قال ابن زيد ،  قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني أستحيي من الله أن يراني مع سلمان  وبلال  وذويهم ، فاطردهم عنك ، وجالس فلانا وفلانا ! قال فنزل القرآن : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " فقرأ ، حتى بلغ : " فتكون من الظالمين   " ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلا أن تطردهم . ثم قال : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين   " . ثم قال : وهؤلاء الذين أمروك أن تطردهم ، فأبلغهم مني السلام ، وبشرهم وأخبرهم أني قد غفرت لهم ! وقرأ : " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة   "  [ ص: 381 ] فقرأ حتى بلغ : " وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين   " قال : لتعرفها  . 
واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرهط ، الذين نهى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن طردهم ، يدعون ربهم به . 
فقال بعضهم : هي الصلوات الخمس . 
ذكر من قال ذلك : 
13266 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال حدثني معاوية بن صالح  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " يعني : يعبدون ربهم " بالغداة والعشي " يعني : الصلوات المكتوبة  . 
13267 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا الحجاج بن المنهال  قال : حدثنا حماد  ، عن أبي حمزة  ، عن إبراهيم  في قوله : " يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " قال : هي الصلوات الخمس الفرائض . ولو كان ما يقول القصاص ، هلك من لم يجلس إليهم  . 
13268 - حدثنا  هناد بن السري   وابن وكيع  قالا : حدثنا ابن فضيل  ،  [ ص: 382 ] عن الأعمش  ، عن إبراهيم   : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " قال : هي الصلاة  . 
13269 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " الصلاة المفروضة ، الصبح والعصر  . 
13270 - حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن الكندي  قال : حدثنا  حسين الجعفي  قال أخبرني حمزة بن المغيرة  ، عن حمزة بن عيسى  قال : دخلت على الحسن  فسألته فقلت : يا أبا سعيد  ، أرأيت قول الله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   [ سورة الكهف : 28 ] ، أهم هؤلاء القصاص ؟ قال : لا ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة  . 
13271 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قول الله : " الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : الصلاة المكتوبة  . 
13272 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال سمعت أبا معاذ  قال : أخبرنا عبيد  قال سمعت الضحاك  يقول في قوله : " يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : يعبدون ربهم " بالغداة والعشي " يعني الصلاة المفروضة  . 
13273 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن  [ ص: 383 ] قتادة  قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   [ سورة الكهف : 28 ] ، هما الصلاتان : صلاة الصبح وصلاة العصر  . 
13274 - حدثني ابن البرقي  قال : حدثنا ابن أبي مريم  قال : حدثنا يحيى بن أيوب  قال : حدثنا محمد بن عجلان  ، عن نافع  ، عن عبد الله بن عمر  في هذه الآية : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي  الآية ، أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة  . 
13275 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان  ، عن منصور  ، عن مجاهد  وإبراهيم   : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي  ، قالا : الصلوات الخمس  . 
13276 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا يحيى  ، عن سفيان  ، عن منصور  ، عن مجاهد  ، مثله . 
13277 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد   : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : المصلين المؤمنين : بلال  وابن أم عبد  قال  ابن جريج ،  وأخبرني عبد الله بن كثير  ، عن مجاهد  قال : صليت الصبح مع  سعيد بن المسيب  ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد   : ما أسرع بهم إلى هذا المجلس ! قال مجاهد   : فقلت يتأولون ما قال الله - تعالى ذكره - . قال : وما قال ؟ قلت : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : وفي هذا ذا ؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، إنما ذاك في الصلاة  .  [ ص: 384 ] 
13278 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا  وكيع  ، عن أبيه ، عن منصور  ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة  قال : الصلاة المكتوبة . 
13279 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا  وكيع  ، عن إسرائيل ،  عن جابر  ، عن عامر  قال : هي الصلاة . 
13280 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا  وكيع  ، عن أبيه ، عن إسرائيل ،  عن عامر  قال : هي الصلاة . 
13281 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه   " يقول : صلاة الصبح وصلاة العصر  . 
13282 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا جرير ،  عن منصور  ، عن مجاهد  قال : صلى عبد الرحمن بن أبي عمرة  في مسجد الرسول ، فلما صلى قام فاستند إلى حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فانثال الناس عليه ، فقال : يا أيها الناس ، إليكم ! فقيل : يرحمك الله ، إنما جاءوا يريدون هذه الآية : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   [ سورة الكهف : 28 ] . فقال : وهذا عني بهذا ! إنما هو في الصلاة  .  [ ص: 385 ] 
وقال آخرون : هي الصلاة ، ولكن القوم لم يسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرد هؤلاء الضعفاء عن مجلسه ، ولا تأخيرهم عن مجلسه ، وإنما سألوه تأخيرهم عن الصف الأول ، حتى يكونوا وراءهم في الصف . 
ذكر من قال ذلك : 
13283 - حدثني محمد بن سعد  ، حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض   " الآية ، فهم أناس كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفقراء ، فقال أناس من أشراف الناس : نؤمن لك ، وإذا صلينا فأخر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا ! 
وقال آخرون : بل معنى " دعائهم " كان ، ذكرهم الله - تعالى ذكره - . 
ذكر من قال ذلك : 
13284 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي وحدثنا هناد  قال : حدثنا  وكيع  عن سفيان  ، عن منصور  ، عن إبراهيم  قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : أهل الذكر  . 
13285 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا جرير ،  عن منصور   : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : هم أهل الذكر  . 
13286 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا جرير ،  عن منصور  ، عن إبراهيم   : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : لا تطردهم عن الذكر  . 
وقال آخرون : بل كان ذلك تعلمهم القرآن وقراءته . 
ذكر من قال ذلك :  [ ص: 386 ] 
13287 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا  وكيع  ، عن إسرائيل ،  عن جابر  ، عن أبي جعفر  قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   [ سورة الكهف : 28 ] ، قال : كان يقرئهم القرآن ، من الذي يقص على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! 
وقال آخرون : بل عنى بدعائهم ربهم ، عبادتهم إياه . 
ذكر من قال ذلك : 
13288 - حدثت عن الحسين  قال سمعت أبا معاذ  قال : حدثنا عبيد بن سليمان  قال سمعت الضحاك  يقول في قوله : " يدعون ربهم بالغداة والعشي   " قال : يعني : يعبدون ، ألا ترى أنه قال : لا جرم أنما تدعونني إليه   [ سورة غافر : 43 ] ، يعني : تعبدون  .  [ ص: 387 ] 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - نهى نبيه محمدا   - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد قوما كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي ، و " الدعاء لله " يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلاما وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال التي كان عليهم فرضها ، وغيرها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابده بما هو عامل له . وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها ، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي ، لأن الله قد سمى " العبادة " " دعاء " فقال - تعالى ذكره - : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين  ، [ سورة غافر : 60 ] . وقد يجوز أن يكون ذلك على خاص من الدعاء . 
ولا قول أولى بذلك بالصحة ، من وصف القوم بما وصفهم الله به : من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي ، فيعمون بالصفة التي وصفهم بها ربهم ، ولا يخصون منها بشيء دون شيء . 
فتأويل الكلام إذا : يا محمد ،  أنذر بالقرآن الذي أنزلته إليك ، الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير ، في العمل له دائبون إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذبون بالله واليوم الآخر من قومك ، استكبارا على الله ، ولا تطردهم ولا تقصهم ، فتكون ممن وضع الإقصاء في غير موضعه ، فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه ، وقرب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناؤه ، فإن الذين نهيتك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألونه عفوه ومغفرته بصالح أعمالهم ، وأداء ما ألزمهم من فرائضه ، ونوافل تطوعهم ، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة  [ ص: 388 ] والعشي ، يلتمسون بذلك القربة إلى الله ، والدنو من رضاه " ما عليك من حسابهم من شيء   " يقول : ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من شيء وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء " فتطردهم " حذار محاسبتي إياك بما خولتهم في الدنيا من الرزق . 
وقوله : " فتطردهم " جواب لقوله : " ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء " . 
وقوله : " فتكون من الظالمين   " جواب لقوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					