قال أبو جعفر : يعني بقوله : " فالق الإصباح " شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده .
و " الإصباح " مصدر من قول القائل : " أصبحنا إصباحا " . [ ص: 555 ]
وبنحو ما قلنا في ذلك قال عامة أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
13595 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : " فالق الإصباح " قال : إضاءة الصبح .
13596 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فالق الإصباح " قال : إضاءة الفجر .
13597 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
13598 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فالق الإصباح " قال : فالق الصبح .
13599 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " فالق الإصباح " يعني بالإصباح ، ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل .
13600 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : " فالق الإصباح " قال : فالق الصبح .
13601 - حدثنا به ابن حميد مرة بهذا الإسناد ، عن مجاهد فقال في قوله : " فالق الإصباح " قال : إضاءة الصبح .
13602 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد ، في قوله : " فالق الإصباح " قال : فلق الإصباح عن الليل .
13603 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " فالق الإصباح " يقول : خالق النور ، نور النهار . [ ص: 556 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : خالق الليل والنهار .
ذكر من قال ذلك :
13604 - حدثنا محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : ( فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ) ، يقول : خلق الليل والنهار .
وذكر عن أنه كان يقرأ : ( الحسن البصري فالق الأصباح ) ، بفتح الألف ، كأنه تأول ذلك بمعنى جمع " صبح " كأنه أراد صبح كل يوم ، فجعله " أصباحا " ولم يبلغنا عن أحد سواه أنه قرأ كذلك . والقراءة التي لا نستجيز تعديها ، بكسر الألف : ( فالق الإصباح ) ، لإجماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحة ذلك ورفض خلافه .
وأما قوله : " وجاعل الليل سكنا " فإن القرأة اختلفت في قراءته .
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض البصريين : ( وجاعل الليل ) بالألف على لفظ الاسم ، ورفعه عطفا على " فالق " وخفض " الليل " بإضافة " جاعل " إليه ، ونصب " الشمس والقمر " عطفا على موضع " الليل " لأن " الليل " وإن كان مخفوضا في اللفظ ، فإنه في موضع النصب ، لأنه مفعول " جاعل " . وحسن عطف ذلك على معنى " الليل " لا على لفظه ، لدخول قوله : " سكنا " بينه وبين " الليل " قال الشاعر :
قعودا لدى الأبواب طلاب حاجة عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
[ ص: 557 ]فنصب " الحاجة " الثانية ، عطفا بها على معنى " الحاجة " الأولى ، لا على لفظها ، لأن معناها النصب ، وإن كانت في اللفظ خفضا . وقد يجيء مثل هذا أيضا معطوفا بالثاني على معنى الذي قبله لا على لفظه ، وإن لم يكن بينهما حائل ، كما قال بعضهم :
بينا نحن ننظره أتانا معلق شكوة وزناد راع
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( وجعل الليل سكنا والشمس ) ، على " فعل " بمعنى الفعل الماضي ، ونصب " الليل " .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، متفقتا المعنى ، غير مختلفتيه ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في الإعراب والمعنى .
وأخبر جل ثناؤه أنه جعل الليل سكنا ، لأنه يسكن فيه كل متحرك بالنهار ، ويهدأ فيه ، فيستقر في مسكنه ومأواه .