القول في تأويل قوله ( وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين ( 119 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإن كثيرا من الناس - [ الذين ] يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم ، أيها المؤمنون بالله ، من الميتة - ليضلون أتباعهم بأهوائهم من غير علم منهم بصحة ما يقولون ، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون ، إلا ركوبا منهم لأهوائهم ، واتباعا منهم لدواعي نفوسهم ، اعتداء وخلافا لأمر الله ونهيه ، وطاعة للشياطين ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) ، يقول : إن ربك ، يا محمد ، الذي أحل لك ما أحل وحرم عليك ما حرم ، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها ، وهو لهم بالمرصاد .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( ليضلون ) .
فقرأته عامة أهل الكوفة : ( ليضلون ) ، بمعنى : أنهم يضلون غيرهم .
وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين : " ليضلون " ، بمعنى : أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه . [ ص: 72 ]
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ : ( وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم ) ، بمعنى : أنهم يضلون غيرهم . وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عن إضلالهم من تبعهم ، ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه ، فقال : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) ، ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم ، ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الذي نهاه عنه ، فقال لهم : وإن كثيرا منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم نظير الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) .