قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره ، كما : -
14147 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، قال : التجارة فيه .
14148 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، فليثمر ماله .
14149 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا فضيل بن مرزوق العنزي ، عن سليط بن بلال ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، قال : يبتغي له فيه ، ولا يأخذ من ربحه شيئا . [ ص: 222 ]
14150 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، قال : " التي هي أحسن " ، أن يأكل بالمعروف إن افتقر ، وإن استغنى فلا يأكل . قال الله : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) ، [ سورة النساء : 6 ] . قال : وسئل عن الكسوة ، فقال : لم يذكر الله الكسوة ، إنما ذكر الأكل .
وأما قوله : ( حتى يبلغ أشده ) ، فإن " الأشد " جمع " شد " ، كما " الأضر " جمع " ضر " ، وكما " الأشر " جمع " شر " ، و " الشد " القوة ، وهو استحكام قوة شبابه وسنه ، كما " شد النهار " ارتفاعه وامتداده . يقال : " أتيته شد النهار ومد النهار " ، وذلك حين امتداده وارتفاعه; وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة :
عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلم
ومنه قول الآخر :
تطيف به شد النهار ظعينة طويلة أنقاء اليدين سحوق
[ ص: 223 ] وكان بعض البصريين يزعم أن " الأشد " مثل " الآنك " .
فأما أهل التأويل ، فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل : " بلغ أشده " .
فقال بعضهم : يقال ذلك له إذا بلغ الحلم .
ذكر من قال ذلك :
14151 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا عمي قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عمرو بن الحارث ، عن ربيعة في قوله : ( حتى يبلغ أشده ) ، قال : الحلم .
14152 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا عمي قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، مثله قال ابن وهب : وقال لي مالك مثله .
14153 - حدثت عن الحماني قال : حدثنا هشيم ، عن مجاهد ، عن عامر : ( حتى يبلغ أشده ) ، قال : " الأشد " ، الحلم ، حيث تكتب له الحسنات ، وتكتب عليه السيئات .
وقال آخرون : إنما يقال ذلك له ، إذا بلغ ثلاثين سنة .
ذكر من قال ذلك :
14154 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( حتى يبلغ أشده ) ، قال : أما " أشده " ، فثلاثون [ ص: 224 ] سنة ، ثم جاء بعدها : ( حتى إذا بلغوا النكاح ) . [ سورة النساء : 6 ] . السدي
وفي الكلام محذوف ، ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر عما حذف . وذلك أن معنى الكلام : " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده " ، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدا ، فادفعوا إليه ماله لأنه جل ثناؤه لم ينه أن يقرب مال اليتيم في حال يتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ، ليحل لوليه بعد بلوغه أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ ، ولكنه نهاهم أن يقربوه حياطة منه له ، وحفظا عليه ، ليسلموه إليه إذا بلغ أشده .