قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها ، وهو أن أعداء الله في النار : والله لقد جاءتنا في الدنيا ، وهؤلاء الذين في النار ، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله ، ووعيده أهل معاصيه والكفر به .
وأما قوله : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، فإن معناه : ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم ، وأخبر عما أعد لهم من كرامته : أن يا هؤلاء ، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها ، أورثكموها الله عن الذين كذبوا رسله ، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم . وذلك هو معنى قوله : ( بما كنتم تعملون ) .
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 443 ]
14667 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : ( السدي ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، قال : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ودخلوا منازلهم ، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها ، فقيل لهم : " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله " ، ثم يقال : " يا أهل الجنة ، رثوهم بما كنتم تعملون " ، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم .
14668 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري ، [ عن سعيد بن بكير ] ، عن ، عن سفيان الثوري أبي إسحاق ، عن الأغر : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، قال : نودوا أن صحوا فلا تسقموا ، واخلدوا فلا تموتوا ، وانعموا فلا تبأسوا .
14669 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر ، عن أبي سعيد : ( ونودوا أن تلكم الجنة ) ، الآية ، قال : ينادي مناد : أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا .
واختلف أهل العربية في " أن " التي مع " تلكم " . [ ص: 444 ]
فقال بعض نحويي البصرة : هي " أن " الثقيلة ، خففت وأضمر فيها ، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة ، لأن بعدها اسما ، والخفيفة لا تليها الأسماء ، وقد قال الشاعر :
في فتية كسيوف الهند ، قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقال آخر :
أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص
قال : فمعناه : أنه كلانا . قال : ويكون كقوله : ( أن قد وجدنا ) ، في موضع " أي " ; وقوله : ( أن أقيموا ) ، [ سورة الشورى : 13 ] ، ولا تكون " أن " التي تعمل [ ص: 445 ] في الأفعال ، لأنك تقول : " غاظني أن قام " ، و " أن ذهب " ، فتقع على الأفعال ، وإن كانت لا تعمل فيها . وفي كتاب الله : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا ) [ سورة ص : 6 ] ، أي : امشوا .
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة ، فقال : غير جائز أن يكون مع " أن " في هذا الموضع " هاء " مضمرة ، لأن " أن " دخلت في الكلام لتقي ما بعدها . قال : " وأن " هذه التي مع " تلكم " هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية ، وليس بلفظ الحكاية ، نحو : " ناديت أنك قائم ، " و " أن زيدا قائم " و " أن قمت " ، فتلي كل الكلام ، وجعلت " أن " وقاية ، لأن النداء يقع على ما بعده ، وسلم ما بعد " أن " كما سلم ما بعد " القول " . ألا ترى أنك تقول : " قلت : زيد قائم ؟ ، و " قلت : قام " ، فتليها ما شئت من الكلام ، فلما كان النداء بمعنى " الظن " وما أشبهه من " القول " سلم ما بعد " أن " ، ودخلت " أن " وقاية . قال : وأما " أي " ، فإنها لا تكون على " أن " ، لا يكون " أي " جواب الكلام ، و " أن " تكفي من الاسم .