[ ص: 117 ] القول في واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين ( 148 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واتخذ بنو إسرائيل قوم موسى ، من بعد ما فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لمناجاته ، ووفاء للوعد الذي كان ربه وعده " من حليهم عجلا " ، وهو ولد البقرة ، فعبدوه . ثم بين تعالى ذكره ما ذلك العجل فقال : "جسدا له خوار" و"الخوار" : صوت البقر . يخبر جل ذكره عنهم أنهم ضلوا بما لا يضل بمثله أهل العقل . وذلك أن الرب جل جلاله الذي له ملك السماوات والأرض ، ومدبر ذلك ، لا يجوز أن يكون جسدا له خوار ، لا يكلم أحدا ولا يرشد إلى خير . وقال هؤلاء الذين قص الله قصصهم لذلك : "هذا إلهنا وإله موسى" ، فعكفوا عليه يعبدونه ، جهلا منهم ، وذهابا عن الله وضلالا .
وقد بينا سبب عبادتهم إياه ، وكيف كان اتخاذ من اتخذ منهم العجل ، فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
وفي "الحلي" لغتان : ضم "الحاء" وهو الأصل وكسرها ، وكذلك ذلك في كل ما شاكله من مثل "صلي" و"جثي" و"عتي" ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب ، لاستفاضة القراءة بهما في القرأة ، ولاتفاق معنييهما . [ ص: 118 ]
وقوله : " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " ، يقول : ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه ، أن العجل لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا؟ يقول : ولا يرشدهم إلى طريق؟ وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقا ، بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله ، ويرشد خلقه إلى سبيل الخير ، وينهاهم عن سبيل المهالك والردى . يقول الله جل ثناؤه : "اتخذوه" ، أي : اتخذوا العجل إلها ، وكانوا باتخاذهم إياه ربا معبودا ظالمين لأنفسهم ، لعبادتهم غير من له العبادة ، وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة .
وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى بما أغنى عن إعادته .