قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يسألك هؤلاء القوم عن الساعة ، كأنك حفي عنها .
[ واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( حفي عنها ) ] .
فقال بعضهم : يسألونك عنها كأنك حفي بهم . وقالوا : معنى قوله : "عنها" التقديم ، وإن كان مؤخرا . [ ص: 298 ]
ذكر من قال ذلك :
15480 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : كأن بينك وبينهم مودة ، كأنك صديق لهم . قال ابن عباس : لما سأل الناس محمدا صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده ، استأثر بعلمها ، فلم يطلع عليها ملكا ولا رسولا .
15481 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : قال قتادة : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسر إلينا متى الساعة ! فقال الله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) .
15482 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، : أي حفي بهم . قال : قالت قريش : يا محمد ، أسر إلينا علم الساعة ، لما بيننا وبينك من القرابة لقرابتنا منك .
15483 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، وهانئ بن سعيد ، عن حجاج ، عن خصيف ، عن مجاهد وعكرمة : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : حفي بهم حين يسألونك .
15484 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : قريب منهم ، وتحفى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفي بهم . قال : قريب منهم ، وتحفى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفي بهم ، فتحدثهم .
15485 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : [ ص: 299 ] حدثنا أسباط ، عن : ( السدي يسألونك كأنك حفي عنها ) ، كأنك صديق لهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : كأنك قد استحفيت المسألة عنها فعلمتها .
ذكر من قال ذلك :
15486 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كأنك حفي عنها ) ، استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .
15487 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد في قوله : ( كأنك حفي عنها ) قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها .
15488 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : كأنك عالم بها .
15489 - . . . قال : حدثنا حامد بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : كأنك تعلمها .
15490 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثني عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : يسألونك عن الساعة ، كأنك عندك علما منها ( قل إنما علمها عند ربي ) .
15491 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن بعضهم : ( كأنك حفي عنها ) ، : كأنك عالم بها .
15492 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كأنك حفي عنها ) قال : كأنك عالم بها . وقال : أخفى علمها على [ ص: 300 ] خلقه . وقرأ : ( إن الله عنده علم الساعة ) ، [ سورة لقمان : 34 ] حتى ختم السورة .
15493 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : كأنك يعجبك سؤالهم إياك ( قل إنما علمها عند الله ) .
وقوله : ( كأنك حفي عنها ) ، يقول : لطيف بها .
فوجه هؤلاء تأويل قوله : ( كأنك حفي عنها ) ، إلى حفي بها ، وقالوا : تقول العرب : "تحفيت له في المسألة" ، و"تحفيت عنه" . قالوا : ولذلك قيل : "أتينا فلانا نسأل به" ، بمعنى نسأل عنه .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : كأنك حفي بالمسألة عنها فتعلمها .
فإن قال قائل : وكيف قيل : ( حفي عنها ) ، ولم يقل : "حفي بها" ، إن كان ذلك تأويل الكلام؟
قيل : إن ذلك قيل كذلك ، لأن الحفاوة إنما تكون في المسألة ، وهي البشاشة للمسئول عند المسألة ، والإكثار من السؤال عنه ، والسؤال يوصل ب "عن" مرة ، وب "الباء" مرة . فيقال : "سألت عنه" ، و"سألت به" . فلما وضع قوله : "حفي" موضع السؤال ، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما "السؤال" ، وهو "عن" ، كما قال الشاعر : [ ص: 301 ]
سؤال حفي عن أخيه كأنه بذكرته وسنان أو متواسن
وأما قوله : ( قل إنما علمها عند الله ) ، فإن معناه : قل ، يا محمد ، لسائليك عن : لا علم لي بذلك ، ولا علم به إلا [ عند ] الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض ( وقت الساعة وحين مجيئها ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول : ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله ، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه .