[ ص: 444 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ( 34 ) )
يقول تعالى ذكره : وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل ، إسرافا وبدارا إلى أن يكبروا ، ولكن اقربوه بالفعلة التي هي أحسن ، والخلة التي هي أجمل ، وذلك أن تتصرفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة .
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) لما نزلت هذه الآية ، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره ، فأنزل الله تبارك وتعالى ( وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ) فكانت هذه لهم فيها رخصة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب ، حتى نزلت ( وإن تخالطوهم فإخوانكم ) .
وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) قال : الأكل بالمعروف ، أن تأكل معه إذا احتجت إليه ، كان أبي يقول ذلك .
وقوله ( حتى يبلغ أشده ) يقول : حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل ، وتدبير ماله ، وصلاح حاله في دينه ( وأوفوا بالعهد ) يقول : وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام ، وفيما بينكم أيضا ، والبيوع والأشربة والإجارات ، وغير ذلك من العقود ( إن العهد كان مسئولا ) يقول : إن الله جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه ، يقول : فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم ، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه ، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك . وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا ، يقال في الكلام : ليسئلن فلان عهد فلان .