القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28988ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ( 36 ) )
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ) فقال بعضهم : معناه : ولا تقل ما ليس لك به علم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي بن داود ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ) يقول : لا تقل .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع ، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله .
[ ص: 447 ]
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ) قال : لا تقل رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم .
حدثت عن
محمد بن ربيعة ، عن
إسماعيل الأزرق ، عن
أبى عمر البزار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية قال : شهادة الزور .
وقال آخرون : بل معناه : ولا ترم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ) يقول : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( ولا تقف ) ولا ترم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
وهذان التأويلان متقاربا المعنى ، لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور ، ورمي الناس بالباطل ، وادعاء سماع ما لم يسمعه ، ورؤية ما لم يره . وأصل القفو : العضه والبهت ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810751نحن بن ] النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا " ، وكان بعض البصريين ينشد في ذلك بيتا :
ومثل الدمى شم العرانين ساكن بهن الحياء لا يشعن التقافيا
[ ص: 448 ]
يعني بالتقافي : التقاذف . ويزعم أن معنى قوله ( لا تقف ) لا تتبع ما لا تعلم ، ولا يعنيك . وكان بعض أهل العربية من أهل
الكوفة ، يزعم أن أصله القيافة ، وهي اتباع الأثر ، وإذ كان كما ذكروا وجب أن تكون القراءة ( ولا تقف ) بضم القاف وسكون الفاء ، مثل : ولا تقل . قال : والعرب تقول : قفوت أثره ، وقفت أثره ، فتقدم أحيانا الواو على الفاء وتؤخرها أحيانا بعدها ، كما قيل : قاع الجمل الناقة : إذا ركبها وقعا وعاث وعثى; وأنشد سماعا من العرب :
ولو أني رميتك من قريب لعاقك من دعاء الذئب عاق
يعني : عائق ، ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : لا تقل للناس وفيهم ما لا علم لك به ، فترميهم بالباطل ، وتشهد عليهم بغير الحق ، فذلك هو القفو .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب ، لأن ذلك هو الغالب من استعمال العرب القفو فيه .
وأما قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) فإن
[ ص: 449 ] معناه : إن الله سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها ، من أنه سمع أو أبصر أو علم ، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحق ، وقال أولئك ، ولم يقل تلك ، كما قال الشاعر :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام
وإنما قيل : أولئك ، لأن أولئك وهؤلاء للجمع القليل الذي يقع للتذكير والتأنيث ، وهذه وتلك للجمع الكثير ، فالتذكير للقليل من باب أن كان التذكير في الأسماء قبل التأنيث لك التذكير للجمع الأول ، والتأنيث للجمع الثاني ، وهو الجمع الكثير ، لأن العرب تجعل الجمع على مثال الأسماء .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28988وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( 36 ) )
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ : وَلَا تَقُلْ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) يَقُولُ : لَا تَقُلْ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) لَا تَقُلْ رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ وَسَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ .
[ ص: 447 ]
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) قَالَ : لَا تَقُلْ رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ ، وَسَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ ، وَعَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْ .
حُدِّثْتُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ ، عَنْ
أَبَى عُمَرَ الْبَزَّارَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : شَهَادَةُ الزُّورِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَلَا تَرْمِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ ثَنْيَ عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) يَقُولُ : لَا تَرْمِ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى; وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ ، جَمِيعًا ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ( وَلَا تَقْفُ ) وَلَا تَرْمِ .
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
وَهَذَانَ التَّأْوِيلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى ، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِمَا لَا يُعْلَمُهُ الْقَائِلُ يَدْخُلُ فِيهِ شَهَادَةُ الزُّورِ ، وَرَمْيُ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، وَادِّعَاءُ سَمَاعِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ ، وَرُؤْيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ . وَأَصِلُ الْقَفْوِ : الْعِضَهُ وَالْبَهْتُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810751نَحْنُ بَنِ ] النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةٍ لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا " ، وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يُنْشِدُ فِي ذَلِكَ بَيْتًا :
وَمِثْلُ الدُّمَى شُمُّ الْعَرَانِينِ سَاكِنٌ بِهِنَّ الْحَيَاءُ لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا
[ ص: 448 ]
يَعْنِي بِالتَّقَافِي : التَّقَاذُفَ . وَيَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ( لَا تَقْفُ ) لَا تَتْبَعُ مَا لَا تَعْلَمُ ، وَلَا يَعْنِيكَ . وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ ، يَزْعُمُ أَنْ أَصَّلَهُ الْقِيَافَةِ ، وَهِيَ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ ، وَإِذْ كَانَ كَمَا ذَكَّرُوا وَجَبَّ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ ( وَلَا تَقُفْ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ ، مِثْلُ : وَلَا تَقُلْ . قَالَ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ : قَفَوْتُ أَثَرَهُ ، وَقُفْتُ أَثَرَهُ ، فَتُقَدِّمُ أَحْيَانًا الْوَاوَ عَلَى الْفَاءِ وَتُؤَخِّرُهَا أَحْيَانًا بَعْدَهَا ، كَمَا قِيلَ : قَاعَ الْجُمَلُ النَّاقَةَ : إِذَا رَكِبَهَا وَقَعَا وَعَاثَ وَعَثَى; وَأَنْشَدَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ :
وَلَوْ أَنِّي رَمَيْتُكَ مِنْ قَرِيبٍ لَعَاقَكَ مِنْ دُعَاءِ الذِّئْبِ عَاقِ
يَعْنِي : عَائِقِ ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَقُلْ لِلنَّاسِ وَفِيهِمْ مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ ، فَتَرْمِيهِمْ بِالْبَاطِلِ ، وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، فَذَلِكَ هُوَ الْقَفْوُ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِيهِ بِالصَّوَابِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ الْقَفْوَ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) فَإِنَّ
[ ص: 449 ] مَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ عَمَّا قَالَ صَاحِبُهَا ، مِنْ أَنَّهُ سَمِعَ أَوْ أَبْصَرَ أَوْ عَلِمَ ، تَشْهَدُ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْحَقِّ ، وَقَالَ أُولَئِكَ ، وَلَمْ يَقُلْ تِلْكَ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللَّوَى وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ
وَإِنَّمَا قِيلَ : أُولَئِكَ ، لِأَنَّ أُولَئِكَ وَهَؤُلَاءِ لِلْجَمْعِ الْقَلِيلِ الَّذِي يَقَعُ لِلتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ ، وَهَذِهِ وَتِلْكَ لِلْجَمْعِ الْكَثِيرِ ، فَالتَّذْكِيرُ لِلْقَلِيلِ مِنْ بَابِ أَنْ كَانَ التَّذْكِيرُ فِي الْأَسْمَاءِ قَبْلَ التَّأْنِيثِ لَكَ التَّذْكِيرُ لِلْجَمْعِ الْأَوَّلِ ، وَالتَّأْنِيثُ لِلْجَمْعِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْجَمْعَ عَلَى مِثَالِ الْأَسْمَاءِ .