[ ص: 198 ] ( مسألة يسأل عنها أهل الإلحاد الطاعنون في القرآن )
إن سألنا منهم سائل فقال : إنك قد قدمت في أول كتابك هذا في وصف البيان : بأن أعلاه درجة وأشرفه مرتبة ، أبلغه في الإبانة عن حاجة المبين به عن نفسه ، وأبينه عن مراد قائله ، وأقربه من فهم سامعه . وقلت ، مع ذلك : إن أولى البيان بأن يكون كذلك ، كلام الله جل ثناؤه ، لفضله على سائر الكلام وبارتفاع درجته على أعلى درجات البيان ، فما الوجه - إذ كان الأمر على ما وصفت - في إطالة الكلام بمثل سورة أم القرآن بسبع آيات ؟ وقد حوت معاني جميعها منها آيتان ، وذلك قوله : ( مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ) ، إذ كان لا شك أن من عرف : ملك يوم الدين ، فقد عرفه بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى . وأن من كان لله مطيعا ، فلا شك أنه لسبيل من أنعم الله عليه في دينه متبع ، وعن سبيل من غضب عليه وضل منعدل . فما في زيادة الآيات الخمس الباقية ، من الحكمة التي لم تحوها الآيتان اللتان ذكرنا ؟
قيل له : إن الله تعالى ذكره جمع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته - بما أنزل إليه من كتابه - معاني لم يجمعهن بكتاب أنزله إلى نبي قبله ، ولا لأمة من الأمم قبلهم . وذلك أن كل كتاب أنزله جل ذكره على نبي من أنبيائه قبله ، فإنما أنزل ببعض المعاني التي يحوي جميعها كتابه الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . كالتوراة التي هي مواعظ وتفصيل ، والزبور الذي هو تحميد وتمجيد ، والإنجيل الذي هو مواعظ وتذكير - لا معجزة في واحد منها تشهد لمن أنزل إليه بالتصديق . والكتاب الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يحوي معاني ذلك كله ، ويزيد عليه كثيرا من المعاني التي سائر الكتب غيره منها خال . [ ص: 199 ] وقد قدمنا ذكرها فيما مضى من هذا الكتاب .
وتأليفه البديع; الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الخطباء ، وكلت عن وصف شكل بعضه البلغاء ، وتحيرت في تأليفه الشعراء ، وتبلدت - قصورا عن أن تأتي بمثله - لديه أفهام الفهماء ، فلم يجدوا له إلا التسليم والإقرار بأنه من عند الواحد القهار . مع ما يحوي ، مع ذلك ، من المعاني التي هي ترغيب وترهيب ، وأمر وزجر ، وقصص وجدل ومثل ، وما أشبه ذلك من المعاني التي لم تجتمع في كتاب أنزل إلى الأرض من السماء . ومن أشرف تلك المعاني التي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله ، نظمه العجيب ورصفه الغريب
فمهما يكن فيه من إطالة ، على نحو ما في أم القرآن ، فلما وصفت قبل من أن الله جل ذكره أراد أن يجمع - برصفه العجيب ونظمه الغريب ، المنعدل عن أوزان الأشعار ، وسجع الكهان وخطب الخطباء ورسائل البلغاء ، العاجز عن رصف مثله جميع الأنام ، وعن نظم نظيره كل العباد - الدلالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم; وبما فيه من تحميد وتمجيد وثناء عليه ، تنبيه العباد على عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مملكته ، ليذكروه بآلائه ، ويحمدوه على نعمائه ، فيستحقوا به منه المزيد ، ويستوجبوا عليه الثواب الجزيل; وبما فيه من نعت من أنعم عليه بمعرفته ، وتفضل عليه بتوفيقه لطاعته ، تعريف عباده أن كل ما بهم من نعمة ، في دينهم ودنياهم ، فمنه ، ليصرفوا رغبتهم إليه ، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والأنداد ، وبما فيه من ذكره ما أحل بمن عصاه من مثلاته ، وأنزل بمن خالف أمره من عقوباته - ترهيب عباده عن ركوب [ ص: 200 ] معاصيه ، والتعرض لما لا قبل لهم به من سخطه ، فيسلك بهم في النكال والنقمات سبيل من ركب ذلك من الهلاك .
فذلك وجه إطالة البيان في سورة أم القرآن ، وفيما كان نظيرا لها من سائر سور الفرقان . وذلك هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة .
221 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبي السائب مولى زهرة ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، إذا قال العبد : "الحمد لله رب العالمين " ، قال الله : "حمدني عبدي " . وإذا قال : "الرحمن الرحيم " ، قال : "أثنى علي عبدي " . وإذا قال : "مالك يوم الدين " ، قال : "مجدني عبدي . فهذا لي " . وإذا قال : "إياك نعبد وإياك نستعين " إلى أن يختم السورة ، قال : "فذاك له .
222 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبدة ، عن ابن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي السائب ، عن قال : إذا قال العبد : "الحمد لله " ، فذكر نحوه ، ولم يرفعه . أبي هريرة ،
223 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا الوليد بن كثير ، قال : حدثني عن العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة ، أبي السائب ، عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله . أبي هريرة
224 - حدثني صالح بن مسمار المروزي ، قال : حدثنا [ ص: 201 ] قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن قال : جابر بن عبد الله الأنصاري ، . "آخر تفسير سورة فاتحة الكتاب " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وله ما سأل " . فإذا قال العبد : "الحمد لله رب العالمين " قال الله : "حمدني عبدي " ، وإذا قال : "الرحمن الرحيم " ، قال : "أثنى علي عبدي " ، وإذا قال : "مالك يوم الدين " قال : "مجدني عبدي " قال : "هذا لي ، وما بقي "