القول في تأويل قوله تعالى : ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ( 38 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ما كان على النبي من حرج : من إثم فيما أحل الله له من نكاح امرأة من تبناه بعد فراقه إياها .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ) : أي أحل الله له .
وقوله : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) يقول : لم يكن الله تعالى ليؤثم نبيه فيما أحل له مثال فعله بمن قبله من الرسل الذين مضوا قبله في أنه لم يؤثمهم بما أحل لهم ، لم يكن لنبيه أن يخشى الناس فيما أمره به أو أحله له ، ونصب قوله ( سنة الله ) على معنى : حقا من الله ، كأنه قال : فعلنا ذلك سنة منا .
وقوله : ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) يقول : وكان أمر الله قضاء مقضيا .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) : إن الله كان علمه معه قبل أن يخلق الأشياء كلها ، فأتم في علمه أن يخلق خلقا ، ويأمرهم وينهاهم ، [ ص: 277 ] ويجعل ثوابا لأهل طاعته ، وعقابا لأهل معصيته ، فلما ائتمر ذلك الأمر قدره ، فلما قدره كتب وغاب عليه ؛ فسماه الغيب وأم الكتاب ، وخلق الخلق على ذلك الكتاب أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم ، وما يصيبهم من الأشياء من الرخاء والشدة من الكتاب الذي كتبه أنه يصيبهم ، وقرأ ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا ) نفد ذلك ( جاءتهم رسلنا يتوفونهم ) وأمر الله الذي ائتمر قدره حين قدره مقدرا ، فلا يكون إلا ما في ذلك ، وما في ذلك الكتاب ، وفي ذلك التقدير ، ائتمر أمرا ثم قدره ، ثم خلق عليه فقال : كان أمر الله الذي مضى وفرغ منه ، وخلق عليه الخلق ( قدرا مقدورا ) شاء أمرا ليمضي به أمره وقدره ، وشاء أمرا يرضاه من عباده في طاعته ، فلما أن كان الذي شاء من طاعته لعباده رضيه لهم ، ولما أن كان الذي شاء أراد أن ينفذ فيه أمره وتدبيره وقدره ، وقرأ ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) فشاء أن يكون هؤلاء من أهل النار ، وشاء أن تكون أعمالهم أعمال أهل النار ، فقال ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ) وقال ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ) هذه أعمال أهل النار ( ولو شاء الله ما فعلوه ) قال ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين ) إلى قوله ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) وقرأ ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) إلى ( كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ) أن يؤمنوا بذلك ، قال : فأخرجوه من اسمه الذي تسمى به ، قال : هو الفعال لما يريد ، فزعموا أنه ما أراد .