يعني تعالى بقوله ( هم ) أصحاب الجنة ( وأزواجهم ) من أهل الجنة في الجنة .
[ ص: 538 ] كما حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( هم وأزواجهم في ظلال ) قال : حلائلهم في ظلل .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : ( في ظلل ) بمعنى : جمع ظلة ، كما تجمع الحلة حللا . وقرأه آخرون ( في ظلال ) ; وإذا قرئ ذلك كذلك كان له وجهان : أحدهما أن يكون مرادا به جمع الظلل الذي هو بمعنى الكن ، فيكون معنى الكلمة حينئذ : هم وأزواجهم في كن لا يضحون لشمس كما يضحى لها أهل الدنيا ، لأنه لا شمس فيها . والآخر : أن يكون مرادا به جمع ظلة ، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة في الكثرة : الخلال ، والقلة : قلال .
وقوله ( على الأرائك متكئون ) والأرائك : هي الحجال فيها السرر والفرش : واحدتها أريكة ، وكان بعضهم يزعم أن كل فراش أريكة ، ويستشهد لقوله ذلك بقول : ذي الرمة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كأنما يباشرن بالمعزاء مس الأرائك
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله ( على الأرائك متكئون ) قال : هي السرر في الحجال .
[ ص: 539 ] حدثنا هناد قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن مجاهد في قول الله ( على الأرائك متكئون ) قال : الأرائك : السرر عليها الحجال .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان قال : ثنا حصين ، عن مجاهد في قوله ( متكئين فيها على الأرائك ) قال : الأرائك : السرر في الحجال .
حدثنا أبو السائب قال : ثنا ابن إدريس قال : أخبرنا حصين ، عن مجاهد في قوله ( على الأرائك ) قال : سرر عليها الحجال .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه قال : زعم محمد أن عكرمة قال : الأرائك : السرر في الحجال .
حدثني يعقوب قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء قال : سمعت الحسن ، وسأله رجل عن الأرائك قال : هي الحجال . أهل اليمن يقولون : أريكة فلان . وسمعت عكرمة وسئل عنها فقال : هي الحجال على السرر .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( على الأرائك متكئون ) قال : هي الحجال فيها السرر .
وقوله ( لهم فيها فاكهة ) يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة ( ولهم ما يدعون ) يقول : ولهم فيها ما يتمنون . وذكر عن العرب أنها تقول : دع علي ما شئت أي : تمن علي ما شئت .
وقوله ( سلام قولا من رب رحيم ) في رفع " سلام " وجهان في قول بعض نحويي الكوفة ; أحدهما : أن يكون خبرا لما يدعون ، فيكون معنى الكلام : ولهم ما يدعون مسلم لهم خالص . وإذا وجه معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذ منصوبا توكيدا خارجا من السلام ، كأنه قيل : ولهم فيها ما يدعون مسلم خالص حقا ، كأنه قيل : قاله قولا . والوجه الثاني : أن يكون قوله ( سلام ) مرفوعا على المدح ، بمعنى : هو سلام لهم قولا من الله . وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله : [ ص: 540 ] ( سلاما قولا ) على أن الخبر متناه عند قوله ( ولهم ما يدعون ) ثم نصب سلاما على التوكيد ، بمعنى : مسلما قولا . وكان بعض نحويي البصرة يقول : انتصب قولا على البدل من اللفظ بالفعل ، كأنه قال : أقول ذلك قولا . قال : ومن نصبها نصبها على خبر المعرفة على قوله ( ولهم ) فيها ( ما يدعون ) .
والذي هو أولى بالصواب على ما جاء به الخبر عن أن يكون ( سلام ) خبرا لقوله ( محمد بن كعب القرظي ، ولهم ما يدعون ) فيكون معنى ذلك : ولهم فيها ما يدعون ، وذلك هو سلام من الله عليهم ، بمعنى : تسليم من الله ، ويكون قولا ترجمة ما يدعون ، ويكون القول خارجا من قوله : سلام .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لما حدثنا به إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : ثنا عن أبو عبد الرحمن المقري ، حرملة ، عن سليمان بن حميد قال : سمعت محمد بن كعب ، يحدث عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل يمشي في ظلل من الغمام والملائكة ، فيقف على أول أهل درجة ، فيسلم عليهم ، فيردون عليه السلام ، وهو في القرآن ( سلام قولا من رب رحيم ) فيقول : سلوا ، فيقولون : ما نسألك وعزتك وجلالك ، لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثقلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم ، فيقول : سلوا ، فيقولون : نسألك رضاك ، فيقول : رضائي أحلكم دار كرامتي ، فيفعل ذلك بأهل كل درجة حتى ينتهي قال : ولو أن امرأة من الحور العين طلعت لأطفأ ضوء سواريها الشمس والقمر ، فكيف بالمسورة " .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثنا حرملة ، عن سليمان بن حميد قال : سمعت يحدث محمد بن كعب القرظي عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل في ظلل من الغمام والملائكة قال : فيسلم على أهل الجنة ، فيردون عليه السلام ، قال القرظي : وهذا في كتاب الله ( سلام قولا من رب رحيم ) ؟ فيقول : سلوني ، فيقولون : ماذا نسألك ، أي رب؟ قال : بل سلوني قالوا : نسألك أي رب رضاك قال : رضائي أحلكم [ ص: 541 ] دار كرامتي ، قالوا : يا رب وما الذي نسألك! فوعزتك وجلالك ، وارتفاع مكانك ، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ، ولأسقيناهم ، ولألبسناهم ولأخدمناهم ، لا ينقصنا ذلك شيئا قال : إن لدي مزيدا قال : فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه قال : ثم تأتيهم التحف من الله تحملها إليهم الملائكة . ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن سنان القزاز قال : ثنا أبو عبد الرحمن قال : ثنا حرملة قال : ثنا سليمان بن حميد ، أنه سمع يحدث محمد بن كعب القرظي عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار ، أقبل يمشي في ظلل من الغمام ويقف قال : ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : فيقولون : فماذا نسألك يا رب ، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك ، لو أنك قسمت علينا أرزاق الثقلين ، الجن والإنس ، لأطعمناهم ، ولسقيناهم ، ولأخدمناهم ، من غير أن ينتقص ذلك شيئا مما عندنا قال : بلى فسلوني ، قالوا : نسألك رضاك قال : رضائي أحلكم دار كرامتي ، فيفعل هذا بأهل كل درجة ، حتى ينتهي إلى مجلسه . وسائر الحديث مثله " . فهذا القول الذي قاله محمد بن كعب ، ينبئ عن أن " سلام " بيان عن قوله ( ما يدعون ) ، وأن القول خارج من السلام . وقوله ( من رب رحيم ) يعني : رحيم بهم إذ لم يعاقبهم بما سلف لهم من جرم في الدنيا .