القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ( 53 ) هدى وذكرى لأولي الألباب ( 54 ) فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ( 55 ) ) [ ص: 403 ]
يقول - تعالى ذكره - ( ولقد آتينا موسى ) البيان للحق الذي بعثناه به كما آتينا ذلك محمدا فكذب به فرعون وقومه ، كما كذبت قريش محمدا ( وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ) يقول : وأورثنا بني إسرائيل التوراة ، فعلمناهموها ، وأنزلنا إليهم ( هدى ) يعني بيانا لأمر دينهم ، وما ألزمناهم من فرائضها ، ( وذكرى لأولي الألباب ) يقول : وتذكيرا منا لأهل الحجا والعقول منهم بها .
وقوله : ( فاصبر إن وعد الله حق ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فاصبر يا محمد لأمر ربك ، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة ، وبلغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك ، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك ، ونصرة من صدقك وآمن بك ، على من كذبك ، وأنكر ما جئته به من عند ربك ، وإن وعد الله حق لا خلف له وهو منجز له ( واستغفر لذنبك ) يقول : وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه ( وسبح بحمد ربك ) يقول : وصل بالشكر منك لربك ( بالعشي ) وذلك من زوال الشمس إلى الليل ( والإبكار ) وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى ، وخروج وقت الضحى ، والمعروف عند العرب القول الأول .
واختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار والباء غير حسن دخولها فيه على العشي ، والباء تحسن فيه ، فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : وسبح بحمد ربك بالعشي وفي الإبكار . وقال : قد يقال : بالدار زيد ، يراد : فى الدار زيد ، وقال غيره : إنما قيل ذلك كذلك ، لأن معنى الكلام : صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين ، فإدخال الباء في واحد فيهما .