يقول - تعالى ذكره - : ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات ، يعني بالواضحات من الأدلة . وقيل : عنى بالبينات : الإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولما جاء عيسى بالبينات ) أي بالإنجيل . وقوله : ( قال قد جئتكم بالحكمة ) قيل : عنى بالحكمة في هذا الموضع : النبوة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي قال قد جئتكم بالحكمة ) قال : النبوة .
وقد بينت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده ، وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله ، فأغنى ذلك عن إعادته .
وقوله : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) يقول : ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة .
كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 635 ] عن مجاهد قوله : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) قال : من تبديل التوراة .
وقد قيل : معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكل ، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد ؟
تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها
قالوا : الموت لا يعتلق بعض النفوس ، وإنما المعنى : أو يعتلق النفوس حمامها ، وليس لما قال هذا القائل كبير معنى ، لأن عيسى إنما قال لهم : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) ، لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم ، فقال لهم : أبين لكم بعض ذلك ، وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم ، فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم . وأما قول لبيد : " أو يعتلق بعض النفوس " فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك ، لأنه أراد : أو يعتلق نفسه حمامها ، فنفسه من بين النفوس لا شك أنها بعض لا كل .
وقوله : ( فاتقوا الله وأطيعون ) يقول : فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته ، وخافوه باجتناب معاصيه ، وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره ، وقبول نصيحتي لكم .
وقوله : ( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ) يقول : إن الله الذي يستوجب [ ص: 636 ] علينا إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له ، ربي وربكم جميعا ، فاعبدوه وحده ، لا تشركوا معه في عبادته شيئا ، فإنه لا يصلح ، ولا ينبغي أن يعبد شيء سواه .
وقوله : ( هذا صراط مستقيم ) يقول : هذا الذي أمرتكم به من اتقاء الله وطاعتي ، وإفراد الله بالألوهة ، هو الطريق المستقيم ، وهو دين الله الذي لا يقبل من أحد من عباده غيره .