يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم ، وعظهم بنعم الله عندهم ( فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) يقول فلست بنعمة الله عليك بكاهن تتكهن ، ولا مجنون له رئي يخبر عنه قومه ما أخبره به ، ولكنك رسول الله ، والله لا يخذلك ، ولكنه ينصرك 478 . [ ص: 478 ]
وقوله : ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) يقول جل ثناؤه : بل يقول المشركون يا محمد لك : هو شاعر نتربص به حوادث الدهر ، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه ، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا . وقال بعضهم : هو الموت .
ذكر من قال : عنى بقوله : ( ريب المنون ) : حوادث الدهر :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ريب المنون ) قال : حوادث الدهر .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان قال : قال مجاهد ( ريب المنون ) حوادث الدهر .
ذكر من قال : عنى به الموت : حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( ريب المنون ) يقول : الموت .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( نتربص به ريب المنون ) قال : يتربصون به الموت .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) قال : قال ذلك قائلون من الناس : تربصوا بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموت يكفيكموه ، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( ريب المنون ) قال : هو الموت ، نتربص به الموت ، كما مات شاعر بني فلان ، وشاعر بني فلان . [ ص: 479 ]
وحدثني سعيد بن يحيى الأموي قال : ثني أبي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( نتربص به ريب المنون ) الموت ، وقال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها سيهلك عنها بعلها أو " تسرح "
وقال آخرون : معنى ذلك : ريب الدنيا ، وقالوا : المنون : الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ( ريب المنون ) قال : ريب الدنيا ، والمنون : الموت .
وقوله : ( قل تربصوا ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك : إنك شاعر نتربص بك ريب المنون ، تربصوا : أي انتظروا وتمهلوا في ريب المنون ، فإني معكم من المتربصين بكم ، حتى يأتي أمر الله فيكم .