القول في تأويل قوله تعالى : ( كل من عليها فان ( 26 ) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ( 27 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 28 ) يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ( 29 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 30 ) )
يقول - تعالى ذكره - : كل من على ظهر الأرض من جن وإنس فإنه هالك ، ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والإكرام وذو الجلال والإكرام من نعت الوجه فلذلك رفع "ذو" . وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله بالياء " ذي الجلال والإكرام " على أنه من نعت الرب وصفته .
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذبان .
وقوله : ( يسأله من في السماوات والأرض ) يقول - تعالى ذكره - : إليه يفزع بمسألة الحاجات كل من في السماوات والأرض ، من ملك وإنس وجن وغيرهم ، لا غنى بأحد منهم عنه .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض ، يحيي حيا ، ويميت ميتا ، ويربي صغيرا ، ويذل [ ص: 39 ] كبيرا ، وهو مسأل حاجات الصالحين ، ومنتهى شكواهم ، وصريخ الأخيار .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) قال : يعني مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة ، كل يوم هو في ذلك .
وقوله ( كل يوم هو في شأن ) يقول - تعالى ذكره - : هو كل يوم في شأن خلقه ، فيفرج كرب ذي كرب ، ويرفع قوما ، ويخفض آخرين ، وغير ذلك من شئون خلقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ، يونس بن خباب عن والأعمش مجاهد ، عن ، ( عبيد بن عمير كل يوم هو في شأن ) قال : يجيب داعيا ، ويعطي سائلا أو يفك عانيا ، أو يشفي سقيما .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن في قوله : ( عبيد بن عمير كل يوم هو في شأن ) قال : يفك عانيا ، ويشفي سقيما ، ويجيب داعيا .
وحدثني إسماعيل بن إسرائيل اللآل قال : ثنا أيوب بن سويد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد في قوله : ( كل يوم هو في شأن ) قال : من شأنه أن يعطي سائلا ويفك عانيا ، ويجيب داعيا ، ويشفي سقيما .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( كل يوم هو في شأن ) قال : كل يوم هو يجيب داعيا ، ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ، ويغفر ذنبا . [ ص: 40 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ( عبيد بن عمير كل يوم هو في شأن ) يجيب داعيا ، ويعطي سائلا ويفك عانيا ، ويتوب على قوم ، ويغفر .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) قال : يخلق مخلقا ، ويميت ميتا ، ويحدث أمرا .
حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي قال : ثنا عمرو بن بكر السكسكي قال : ثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ، عن أبيه عبدة بن رباح ، عن منيب بن عبد الله الأزدي ، عن أبيه قال : كل يوم هو في شأن ) فقلنا : يا رسول الله ، وما ذلك الشأن ؟ قال : " يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع أقواما ، ويضع آخرين . " تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية (
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ، عن عبيد الله بن موسى أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، عرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق بكل نظرة ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء .
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس - التي أنعم عليكم من صرفه إياكم في مصالحكم ، وما هو أعلم به منكم من تقليبه إياكم فيما هو أنفع لكم - تكذبان .