القول في تأويل قوله تعالى : ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ( 2 ) )
يقول تعالى ذكره : الله الذي بعث في الأميين رسولا منهم ، فقوله : هو كناية من اسم الله ، والأميون : هم العرب . وقد بينا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأمي أمي .
وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل . [ ص: 372 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) قال : العرب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت يحدث - لا أعلمه إلا عن سفيان الثوري مجاهد - أنه قال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ) : العرب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) قال : كان هذا الحي من العرب أمة أمية ، ليس فيها كتاب يقرءونه ، فبعث الله نبيه محمدا رحمة وهدى يهديهم به .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) قال : كانت هذه الأمة أمية لا يقرءون كتابا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) قال : إنما سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأميين ، لأنه لم ينزل عليهم كتابا; وقال جل ثناؤه ( رسولا منهم ) يعني من الأميين وإنما قال : منهم لأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا ، وظهر من العرب .
وقوله : ( يتلو عليهم آياته ) يقول جل ثناؤه : يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه ( ويزكيهم ) يقول : ويطهرهم من دنس الكفر .
وقوله : ( ويعلمهم الكتاب ) يقول : ويعلمهم كتاب الله ، وما فيه من أمر الله ونهيه ، وشرائع دينه ( والحكمة ) يعني بالحكمة : السنن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 373 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) أي السنة .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : ( ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) أيضا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة ، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأولين ، وقرأ قول الله عز وجل : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة ، قال : وقد جعل الله فيهم سابقين ، وقرأ قول الله عز وجل : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) وقال : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) فثلة من الأولين سابقون ، وقليل السابقون من الآخرين ، وقرأ : ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) حتى بلغ ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) أيضا ، قال : والسابقون من الأولين أكثر ، وهم من الآخرين قليل ، وقرأ ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) الآية ، قال : هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة .
وقوله : ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) يقول تعالى ذكره : وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولا منهم في جور عن قصد السبيل ، وأخذ على غير هدى .
مبين يقول : يبين لمن تأمله أنه ضلال وجور عن الحق وطريق الرشد .