القول في القارعة ( 1 ) تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( ما القارعة ( 2 ) وما أدراك ما القارعة ( 3 ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( 4 ) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( 5 ) فأما من ثقلت موازينه ( 6 ) فهو في عيشة راضية ( 7 ) وأما من خفت موازينه ( 8 ) فأمه هاوية ( 9 ) وما أدراك ما هيه ( 10 ) نار حامية ( 11 ) ) .
يقول تعالى ذكره : ( القارعة ) : الساعة التي يقرع قلوب الناس هولها ، وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها ، وذلك صبيحة لا ليل بعدها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( القارعة ) من ، عظمه الله وحذره عباده . أسماء يوم القيامة
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله ( القارعة ما القارعة ) قال : هي الساعة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( القارعة ما القارعة ) قال : هي الساعة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا قال : سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة : القيامة . وكيع ،
وقوله : ( ما القارعة ) يقول تعالى ذكره معظما شأن القيامة والساعة التي يقرع [ ص: 574 ] العباد هولها ؛ أي شيء القارعة ، يعني بذلك : أي شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها ؛ أي : ما أعظمها وأفظعها وأهولها .
وقوله : ( وما أدراك ما القارعة ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة .
وقوله : ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) يقول تعالى ذكره : القارعة يوم يكون الناس كالفراش ، وهو الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس ببعوض ولا ذباب ، ويعني بالمبثوث : المفرق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) قال : هذا شبه شبهه الله ، وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك : كغوغاء الجراد ، يركب بعضه بعضا ، كذلك الناس يومئذ ، يجول بعضهم في بعض .
وقوله : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) يقول تعالى ذكره : ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش ; والعهن : هو الألوان من الصوف .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) قال : الصوف المنفوش .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هو الصوف . وذكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء .
وقوله : ( فأما من ثقلت موازينه ) يقول : فأما من ثقلت موازين حسناته ، يعني بالموازين : الوزن ، والعرب تقول : لك عندي درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون : داري بميزان دارك ووزن دارك ، يراد : حذاء دارك . قال الشاعر : [ ص: 575 ]
قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
يعني بقوله : لكل مخاصم ميزانه : كلامه ، وما ينقض عليه حجته . وكان مجاهد يقول : ليس ميزان ، إنما هو مثل ضرب .
حدثنا بذلك أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فهو في عيشة راضية ) يقول : في عيشة قد رضيها في الجنة .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فهو في عيشة راضية ) يعني : في الجنة .
وقوله : ( وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) يقول : وأما من خف وزن حسناته ، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) وهي النار هي مأواهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فأمه هاوية ) قال : مصيره إلى النار ، هي الهاوية . قال قتادة : هي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، قال : هوت أمه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى ، قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين ، فيقولون : روحوا أخاكم ، فإنه كان في غم الدنيا ; قال : ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول : مات ، أو ما جاءكم ؟ فيقولون : ذهبوا به إلى أمه الهاوية .
حدثني إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : ثنا علي بن مسهر ، قال : ثنا إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله ( فأمه هاوية ) قال : يهوون في النار على رءوسهم . [ ص: 576 ]
حدثنا ابن سيف ، قال : ثنا محمد بن سوار ، عن سعيد ، عن قتادة ( فأمه هاوية ) قال : يهوي في النار على رأسه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فأمه هاوية ) قال : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ، وقرأ : ( ومأواهم النار ) .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فأمه هاوية ) وهو مثلها ، وإنما جعل النار أمه ، لأنها صارت مأواه ، كما تؤوي المرأة ابنها ، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها بمنزلة أم له .
وقوله : ( وما أدراك ما هيه ) يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا محمد ما الهاوية ، ثم بين ما هي ، فقال : ( نار حامية ) ، يعني بالحامية : التي قد حميت من الوقود عليها .
آخر تفسير سورة القارعة .