[ ص: 388 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فأتوهن من حيث أمركم الله   )  
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " . 
فقال بعضهم : معنى ذلك : فأتوا نساءكم إذا تطهرن من الوجه الذي نهيتكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن ، وذلك : الفرج الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض . 
ذكر من قال ذلك : 
4277 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  ابن علية  عن محمد بن إسحاق  قال : حدثني أبان بن صالح  عن مجاهد  قال : قال ابن عباس  في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن  . 
4278 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثنا معاوية بن صالح  عن علي بن أبي طلحة  عن ابن عباس  قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، يقول : في الفرج ، لا تعدوه إلى غيره ، فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى  . 
4279 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا  ابن علية  قال : حدثنا خالد الحذاء  عن عكرمة  في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : من حيث أمركم أن تعتزلوا  . 
4280 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : حدثنا أبو صخر  عن أبي معاوية البجلي  عن سعيد بن جبير  أنه قال : بينا أنا ومجاهد  جالسان عند ابن عباس   : أتاه رجل فوقف على رأسه فقال : يا أبا العباس - أو : يا أبا الفضل - أن لا تشفيني عن آية المحيض؟ قال : بلى! فقرأ : " ويسألونك عن المحيض   "  [ ص: 389 ] حتى بلغ آخر الآية ، فقال ابن عباس   : من حيث جاء الدم ، من ثم أمرت أن تأتي  . 
4281 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا ابن أبي زائدة  عن عثمان  عن مجاهد  قال : دبر المرأة مثله من الرجل ، ثم قرأ : " ويسألونك عن المحيض   " إلى " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن  . 
4282 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا مؤمل  قال : حدثنا سفيان  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه  . 
4283 - حدثنا ابن أبي الشوارب  قال : حدثنا عبد الواحد  قال : حدثنا خصيف  قال حدثني مجاهد   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، في الفرج ، ولا تعدوه  . 
4284 - حدثنا محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، يقول : إذا تطهرن فأتوهن من حيث نهي عنه في المحيض  . 
4285 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  عن سفيان   - أو : عثمان بن الأسود   - : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " باعتزالهن منه  . 
4286 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، أي : من الوجه الذي يأتي منه المحيض ، طاهرا غير حائض ، ولا تعدوا ذلك إلى غيره  .  [ ص: 390 ] 
4287 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الأعلى  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : طواهر من غير جماع ومن غير حيض ، من الوجه الذي يأتي [ منه ] المحيض ، ولا يتعداه إلى غيره قال سعيد   : ولا أعلمه إلا عن ابن عباس   . 
4288 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  عن أبيه عن الربيع  في قوله : " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، من حيث نهيتم عنه في المحيض وعن أبيه ، عن ليث  عن مجاهد  في قوله : " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، من حيث نهيتم عنه ، واتقوا الأدبار  . 
4289 - حدثنا  محمد بن المثنى  قال : حدثنا ابن إدريس  قال : سمعت أبي ، عن يزيد بن الوليد  عن إبراهيم  في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : في الفرج  . 
وقال آخرون : معناها : فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه . وذلك الوجه ، هو الطهر دون الحيض . فكان معنى قائل ذلك في الآية : فأتوهن من قبل طهرهن لا من قبل حيضهن . 
ذكر من قال ذلك : 
4290 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال  [ ص: 391 ] حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض  . 
4291 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا أبو أحمد  قال : حدثنا سفيان  عن منصور  عن أبي رزين  في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : من قبل الطهر  . 
4292 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا محمد بن يحيى  قال : حدثنا سفيان  عن الأعمش  عن أبي رزين  بمثله . 
4293 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام  عن عمرو  عن منصور  عن أبي رزين   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، يقول : ائتوهن من عند الطهر  . 
4294 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي  قال : حدثنا علي بن هاشم  عن الزبرقان  عن أبي رزين   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : من قبل الطهر ، ولا تأتوهن من قبل الحيضة  . 
4295 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا  يحيى بن واضح  قال : حدثنا عبيد الله العتكي  عن عكرمة  قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، يقول : إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله . يقول : طواهر غير حيض  . 
4296 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  عن قتادة  في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : يقول : طواهر غير حيض  . 
4297 - حدثني موسى بن هارون  قال حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا  [ ص: 392 ] أسباط  عن  السدي  قوله : " من حيث أمركم الله   " ، من الطهر  . 
4298 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط  عن الضحاك   : " فأتوهن " ، طهرا غير حيض  . 
4299 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ  قال : حدثنا عبيد بن سليمان  عن الضحاك  قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : ائتوهن طاهرات غير حيض  . 
4300 - حدثنا عمرو بن علي  قال : حدثنا  وكيع  قال : حدثنا سلمة بن نبيط  عن الضحاك   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : طهرا غير حيض في القبل  . 
وقال آخرون : بلى معنى ذلك : فأتوا النساء من قبل النكاح ، لا من قبل الفجور . 
ذكر من قال ذلك : 
4301 - حدثنا عمرو بن علي  قال : حدثنا  وكيع  قال : حدثنا إسماعيل الأزرق  عن أبي عمر الأسدي  عن  ابن الحنفية   : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، قال : من قبل الحلال ، من قبل التزويج  . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : فأتوهن من قبل طهرهن . وذلك أن كل أمر بمعنى ، فنهي عن خلافه وضده . وكذلك النهي عن الشيء أمر بضده وخلافه . فلو كان معنى قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، فأتوهن من قبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن - لوجب أن يكون قوله : " ولا تقربوهن حتى يطهرن   "  [ ص: 393 ] تأويله : ولا تقربوهن في مخرج الدم ، دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها ، فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن . 
وفي إجماع الجميع : على أن الله تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئا حرمه في حال الطهر ، ولا حرم من ذلك في حال الطهر شيئا أحله في حال الحيض ما يعلم به فساد هذا القول . 
وبعد ، فلو كان معنى ذلك على ما تأوله قائلو هذه المقالة ، لوجب أن يكون الكلام : فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله حتى يكون معنى الكلام حينئذ على التأويل الذي تأوله ، ويكون ذلك أمرا بإتيانهن في فروجهن . لأن الكلام المعروف إذا أريد ذلك ، أن يقال : " أتى فلان زوجته من قبل فرجها " - ولا يقال : أتاها من فرجها - إلا أن يكون أتاها من قبل فرجها في مكان غير الفرج . 
فإن قال لنا قائل : فإن ذلك وإن كان كذلك ، فليس معنى الكلام : فأتوهن في فروجهن - وإنما معناه : فأتوهن من قبل قبلهن في فروجهن - ، كما يقال : " أتيت هذا الأمر من مأتاه " . 
قيل له : إن كان ذلك كذلك ، فلا شك أن مأتى الأمر ووجهه غيره ، وأن ذلك مطلبه . فإن كان ذلك على ما زعمتم ، فقد يجب أن يكون معنى قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله   " ، غير الذي زعمتم أنه معناه بقولكم : ائتوهن من قبل مخرج الدم ، ومن حيث أمرتم باعتزالهن - ولكن الواجب أن يكون تأويله على ذلك : فأتوهن من قبل وجوههن في أقبالهن ، كما كان قول القائل : " ائت الأمر من مأتاه " ، إنما معناه : اطلبه من مطلبه ، ومطلب الأمر غير الأمر المطلوب .  [ ص: 394 ] فكذلك يجب أن يكون مأتى الفرج - الذي أمر الله في قولهم بإتيانه - غير الفرج . 
وإذا كان كذلك ، وكان معنى الكلام عندهم : فأتوهن من قبل وجوههن في فروجهن - وجب أن يكون على قولهم محرما إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن . وذلك إن قالوه ، خرج من قاله من قيل أهل الإسلام ، وخالف نص كتاب الله تعالى ذكره ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك أن الله يقول : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن  . 
فقد تبين إذا ، إذ كان الأمر على ما وصفنا ، فساد تأويل من قال ذلك : فأتوهن في فروجهن حيث نهيتكم عن إتيانهن في حال حيضهن ، وصحة القول الذي قلناه ، وهو أن معناه : فأتوهن في فروجهن من الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهن ، وذلك حال طهرهن وتطهرهن ، دون حال حيضهن . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					