القول في تأويل قوله تعالى ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به )
قال أبو جعفر : يعني قوله تعالى ذكره بذلك : فإن خفتم أيها المؤمنون أن لا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق ، وألزمه له من فرض ، وخشيتم عليهما تضييع فرض الله وتعدي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها ، ولا حرج عليهما فيما أعطت هذه على [ ص: 566 ] فراق زوجها إياها ، ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل والعوض عليه .
فإن قال قائل : وهل كانت المرأة حرجة لو كان الضرار من الرجل بها فيما افتدت به نفسها ، فيكون " لا جناح عليهما " فيما أعطته من الفدية على فراقها إذا كان النشوز من قبلها .
قيل : لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها ، ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس ، ولا دين ، ولا حق عليها في ذهاب حق لها - لما حل لها إعطاؤه ذلك ، إلا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحل له أخذه منها . لأنها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها ، وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس ، ولا دين ، ولا في حق لها تخاف ذهابه ، فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحل له أخذه منها على الوجه الذي أعطته [ ص: 567 ] عليه . فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوز من قبلها ، وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس ، ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم .
وهي إذا أعطته على هذا الوجه باستحقاق الأجر والثواب من الله تعالى أولى إن شاء الله من الجناح والحرج ، ولذلك قال تعالى ذكره : " فلا جناح عليهما " فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها ، وعنه فيما قبض منها إذ كانت معطية على المعنى الذي وصفنا ، وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار ، بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الأوزار والمأثم .
وقد يتجه قوله : " فلا جناح عليهما " وجها آخر من التأويل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبي الله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس بن شماس وذلك لكراهتها أخلاق زوجها ، أو دمامة خلقه ، وما أشبه ذلك من الأمور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض - ولكن على الانصراف [ ص: 568 ] منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحل لها - كان حراما عليها أن تعطي على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا ، لأن مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها . وتلك هي المختلعة - إن خولعت على ذلك الوجه - التي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماها " منافقة " كما :
4840 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثني المعتمر بن سليمان عن ليث عن أبي إدريس عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " . أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس ، حرم الله عليها رائحة الجنة
وقال : " " المختلعات هن المنافقات
4841 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مزاحم بن دواد بن علبة عن أبيه ، عن ليث بن أبي سليم عن أبي الخطاب عن أبي زرعة عن أبي إدريس عن ثوبان مولى رسول الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والمختلعات هن المنافقات
4842 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا حفص بن بشر قال : حدثنا قيس بن الربيع عن أشعث بن سوار عن الحسن عن ثابت بن يزيد عن عقبة [ ص: 569 ] بن عامر الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات
4843 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب وحدثني يعقوب قال : حدثنا قالا جميعا : حدثنا ابن علية أيوب عن أبي قلابة عمن حدثه ، عن ثوبان : [ ص: 570 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة
4844 - حدثني المثنى قال : حدثنا عارم قال : حدثنا حماد بن زيد [ ص: 571 ] عن أيوب عن أبي قلابة عن عن أبي أسماء الرحبي ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه .
فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة ، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة ومنه ما يكون عليهما ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح قيل في الوجه الذي لا حرج عليهما فيه ولا جناح ، إذ كان فيما حاولا وقصدا من افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " من الوجه الذي أبيح لهما ، وذلك أن يخافا أن لا يقيما حدود الله بمقام كل واحد منهما على صاحبه .
قال أبو جعفر : وقد زعم بعض أهل العربية أن في ذلك وجهين : [ ص: 572 ] أحدهما أن يكون مرادا به : فلا جناح على الرجل فيما افتدت به المرأة دون المرأة ، وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال في " سورة الرحمن " : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) [ سورة الرحمن : 22 ] وهما من الملح لا من العذب ، قال : ومثله . ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ) [ سورة الكهف : 61 ] ، وإنما الناسي صاحب موسى وحده . قال : ومثله في الكلام أن تقول : " عندي دابتان أركبهما وأستقي عليهما " وإنما تركب إحداهما . وتستقي على الأخرى ، وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها في الكلام .
قالوا : والوجه الآخر أن يشتركا جميعا في أن لا يكون عليهما جناح ، إذ كانت تعطي ما قد نفي عن الزوج فيه الإثم . اشتركت فيه ، لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم ، احتاجت إلى مثل ذلك .
قال أبو جعفر : فلم يصب الصواب في واحد من الوجهين ، ولا في احتجاجه فيما احتج به من قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) .
فأما قوله : " فلا جناح عليهما " فقد بينا وجه صوابه ، وسنبين وجه قوله : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى . وإنما خطأنا قوله ذلك؛ لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن ، وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان ، فأضاف إلى اثنين . فلو جاز لقائل أن يقول : " إنما أريد به الخبر عن أحدهما ، فيما لم يكن مستحيلا أن يكون عنهما " ، جاز في كل خبر كان عن اثنين - غير مستحيلة صحته أن يكون عنهما - أن يقال : " إنما هو خبر عن أحدهما " . [ ص: 573 ]
وذلك قلب المفهوم من كلام الناس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم ، وغير جائز حمل كتاب الله تعالى ووحيه جل ذكره على الشواذ من الكلام وله في المفهوم الجاري بين الناس وجه صحيح موجود .
قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " أمعني به : أنهما موضوع عنهما الجناح في كل ما افتدت به المرأة نفسها من شيء أم في بعضه؟
فقال بعضهم : عنى بذلك : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تختلع منه . واحتجوا في قولهم ذلك بأن آخر الآية مردود على أولها ، وأن معنى الكلام : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ، فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتيتموهن . قالوا : فالذي أحله الله لهما من ذلك - عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله - هو الذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك . واحتجوا في ذلك بقصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر امرأته إذ نشزت عليه ، أن ترد ما كان ثابت أصدقها ، وأنها عرضت الزيادة فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم . ثابت بن قيس بن شماس
ذكر من قال ذلك :
4845 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع أنه كان يقول : لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها ، ويقول : إن الله يقول : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " منه ، يقول : من المهر - وكذلك كان يقرؤها : " فيما افتدت به منه " . [ ص: 574 ]
4846 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال : سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح يقولون في الناشز : لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها . والزهري
4847 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو عن عطاء قال : الناشز لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها .
4848 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن عن ابن جريج عطاء أنه كره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها .
4849 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : حدثنا ابن إدريس عن أشعث عن الشعبي قال : كان يكره أن ، وكان يرى أن يأخذ دون ذلك . [ ص: 575 ] يأخذ الرجل من المختلعة فوق ما أعطاها
4850 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن أبي حصين عن الشعبي قال : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
4851 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الشعبي أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها - يعني المختلعة .
4852 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا عن قال : كان الحكم بن عتيبة علي رضي الله عنه يقول : لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها .
4853 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال : حدثنا سعيد عن الحكم أنه قال في المختلعة : أحب إلي أن لا يزداد .
4854 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد عن حميد أن الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
4855 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن مطر أنه سأل الحسن - أو أن الحسن سئل - عن رجل تزوج امرأة على مائتي درهم ، فأراد أن يخلعها ، هل له أن يأخذ أربعمائة؟ فقال : لا والله ، ذاك أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ! .
4856 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : كان الحسن يقول : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، قال معمر : وبلغني عن علي أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
4857 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن ابن المسيب قال : ما أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها منه ما يعيشها .
4858 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرازق قال : أخبرنا معمر عن ابن طاوس أن أباه كان يقول في المفتدية : لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
4859 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه وكثيره . واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية ، وأنه غير جائزة إحالة ظاهر عام - إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها . قالوا : ولا حجة يجب التسليم لها بأن الآية مراد بها بعض الفدية دون بعض من أصل أو قياس ، فهي على ظاهرها وعمومها .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 576 ]
4860 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا قال : أخبرنا ابن علية أيوب عن كثير مولى سمرة : أن عمر أتي بامرأة ناشز ، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ثلاثا ، ثم دعا بها فقال : كيف وجدت؟ قالت : ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني! فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها .
4861 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أيوب عن كثير مولى سمرة قال : أخذ امرأة ناشزا فوعظها ، فلم تقبل بخير ، فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام وذكر نحو حديث عمر بن الخطاب . ابن علية
4862 - حدثنا ابن بشار ومحمد بن يحيى قالا : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة عن حميد بن عبد الرحمن : أن امرأة أتت رضي الله عنه ، فشكت زوجها ، فقال : إنها ناشز؟ فأباتها في بيت الزبل ، فلما أصبح قال لها : كيف وجدت مكانك! قالت : ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة! فقال : خذ ولو عقاصها . [ ص: 577 ] عمر بن الخطاب
4863 - حدثنا نصر بن علي قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا عبيد الله عن نافع : أن مولاة اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه إلا من ثيابها ، فلم يعب ذلك لصفية ابن عمر .
4864 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قالا : حدثنا ومحمد بن المثنى معتمر قال : سمعت عبيد الله يحدث عن نافع قال : ذكر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها ، فلم يعب ذلك عليها ولم ينكره . لابن عمر
4865 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا هشيم عن حميد عن عن رجاء بن حيوة : أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . ثم تلا هذه الآية : " قبيصة بن ذؤيب فلا جناح عليهما فيما افتدت به " .
4866 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن المغيرة عن إبراهيم قال في الخلع : خذ ما دون عقاص شعرها ، وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها .
4867 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 578 ] معمر عن مغيرة عن إبراهيم قال : الخلع ما دون عقاص الرأس .
4868 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثنى محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم أنه قال في المختلعة : خذ منها ولو عقاصها .
4869 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم قال : الخلع بما دون عقاص الرأس ، وقد تفتدي المرأة ببعض مالها .
4870 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن : أن عبد الله بن محمد بن عقيل حدثته قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني ، ويحرمني إذا غاب . قالت : فكانت مني زلة يوما ، فقلت : أختلع منك بكل شيء أملكه! قال : نعم! قال : ففعلت قالت : فخاصم عمي الربيع ابنة معوذ بن عفراء إلى معاذ بن عفراء فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه - أو قالت : ما دون عقاص الرأس . عثمان بن عفان
4871 - حدثني قال : حدثنا ابن المثنى قال : أخبرنا حبان بن موسى ابن المبارك قال : أخبرنا الحسن بن يحيى عن الضحاك عن ابن عباس قال : لا بأس بما خلعها به من قليل أو كثير ، ولو عقصها . [ ص: 579 ]
4872 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا قال : أخبرنا حبان بن موسى ابن المبارك قال : أخبرنا حجاج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : إن شاء أخذ منها أكثر مما أعطاها .
4873 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا قال : أخبرني ابن جريج أنه سمع عمرو بن دينار عكرمة يقول : قال ابن عباس : ليأخذ منها حتى قرطها - يعني في الخلع .
4874 - حدثني المثنى قال : حدثنا مطرف بن عبد الله قال : أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن مولاة لصفية ابنة أبي عبيد : أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها ، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر .
4875 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا حميد عن عن رجاء بن حيوة أنه تلا هذه الآية : " قبيصة بن ذؤيب فلا جناح عليهما فيما افتدت به " قال : يأخذ أكثر مما أعطاها .
4876 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار يزيد وسهل بن يوسف عن وابن أبي عدي حميد قال : قلت : إن لرجاء بن حيوة الحسن يقول في المختلعة : لا يأخذ أكثر مما أعطاها ، ويتأول : " ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " قال رجاء : فإن كان يرخص أن يأخذ أكثر مما أعطاها ، ويتأول : " قبيصة بن ذؤيب فلا جناح عليهما فيما افتدت به "
وقال آخرون : هذه الآية منسوخة بقوله : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) [ سورة النساء : 20 ]
ذكر من قال ذلك : [ ص: 580 ]
4877 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء قال : سألت بكرا عن المختلعة أيأخذ منها شيئا؟ قال لا! وقرأ : " وأخذن منكم ميثاقا غليظا " .
4878 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء قال : سألت بكر بن عبد الله عن رجل تريد امرأته منه الخلع ، قال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا . قلت : يقول الله تعالى ذكره في كتابه : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ؟ قال : هذه نسخت . قلت : فأنى حفظت؟ قال : حفظت في " سورة النساء " قول الله تعالى ذكره : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) [ النساء : 20 ]
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : إذا خيف من الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله - على سبيل ما قدمنا البيان عنه - فلا حرج [ ص: 581 ] عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها ، من قليل ما تملكه وكثيره مما يجوز للمسلمين أن يملكوه ، وإن أتى ذلك على جميع ملكها . لأن الله تعالى ذكره لم يخص ما أباح لهما من ذلك على حد لا يجاوز ، بل أطلق ذلك في كل ما افتدت به . غير أني أختار للرجل استحبابا لا تحتيما إذا تبين من امرأته أن افتداءها منه لغير معصية لله ، بل خوفا منها على دينها أن يفارقها بغير فدية ولا جعل . فإن شحت نفسه بذلك ، فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها .
فأما ما قاله بكر بن عبد الله من أن هذا الحكم في جميع الآية منسوخ بقوله : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) فقول لا معنى له ، فنتشاغل بالإبانة عن خطئه لمعنيين ؛ أحدهما : إجماع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المسلمين ، على تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها ، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره .
والآخر : أن الآية التي في " سورة النساء " إنما حرم الله فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئا مما آتاها ، بأن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من المسلمين عليهما مقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود الله ، ولا نشوز من المرأة على الرجل . وإذا كان الأمر كذلك ، فقد ثبت أن أخذ الزوج من امرأته مالا على وجه الإكراه لها والإضرار بها حتى تعطيه شيئا [ ص: 582 ] من مالها على فراقها حرام ، ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا .
وأما الآية التي في " سورة البقرة " فإنها إنما دلت على إباحة الله تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله بنشوز المرأة ، وطلبها فراق الرجل ، ورغبته فيها . فالأمر الذي أذن به للزوج في أخذ الفدية من المرأة في " سورة البقرة " ضد الأمر الذي نهى من أجله عن أخذ الفدية في " سورة النساء " كما الحظر في " سورة النساء " ، غير الإطلاق والإباحة في " سورة البقرة " . فإنما يجوز في الحكمين أن يقال أحدهما ناسخ إذا اتفقت معاني المحكوم فيه ، ثم خولف بين الأحكام فيه باختلاف الأوقات والأزمنة .
وأما اختلاف الأحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حال واحدة ووقت واحد ، فذلك هو الحكمة البالغة ، والمفهوم في العقل والفطرة ، وهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل .
وأما الذي قاله الربيع بن أنس من أن معنى الآية : فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه - يعني بذلك : مما آتيتموهن - فنظير قول بكر في دعواه نسخ [ ص: 583 ] قوله : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " بقوله : " وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " لادعائه في كتاب الله ما ليس موجودا في مصاحف المسلمين رسمه .
ويقال لمن قال بقوله : قد قال من قد علمت من أئمة الدين ، إنما معنى ذلك : فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها فهل من حجة تبين بها منهم غير الدعوى؟ فقد احتجوا بظاهر التنزيل ، وادعيت فيه خصوصا! ثم يعكس عليه القول في ذلك ، فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . وقد بينا الأدلة بالشواهد على صحة قول من قال : للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته المفتدية ، التي أباح الله لها الافتداء - في كتابنا ( كتاب اللطيف ) فكرهنا إعادته في هذا الموضع .