قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : والذين يتوفون منكم ، من الرجال ، أيها الناس ، فيموتون ، ويذرون أزواجا ، يتربص أزواجهن بأنفسهن .
فإن قال قائل : فأين الخبر عن " الذين يتوفون " ؟
قيل : متروك ، لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم ، وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن ، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات ، إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة ، إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام . وهو نظير قول القائل في الكلام : " بعض جبتك متخرقة " في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام ، إلى الخبر عن بعض أسبابه . وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص ، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن ، صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره ، إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه ، كما قال الشاعر :
لعلي إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي ذبان أن يتندما
[ ص: 78 ] فقال " لعلي " ثم قال : " أن يتندما " لأن معنى الكلام : لعل ابن أبي ذبان أن يتندم ، إن مالت بي الريح ميلة عليه فرجع بالخبر إلى الذي أراد به ، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره . ومنه قول الشاعر :ألم تعلموا أن ابن قيس وقتله بغير دم ، دار المذلة حلت
فألغى " ابن قيس " وقد ابتدأ بذكره ، وأخبر عن قتله أنه ذل .
وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر " الذين يتوفون " متروك ، وأن معنى الكلام : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ، ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم . وزعم أنه لم يذكر " موتهم " كما يحذف بعض الكلام - وأن " يتربصن " رفع ، إذ وقع موقع " ينبغي " و " ينبغي " رفع . وقد دللنا على فساد قول من قال في رفع " يتربصن " [ ص: 79 ] بوقوعه موقع " ينبغي " فيما مضى ، فأغنى عن إعادته .
وقال آخر منهم : إنما لم يذكر " الذين " بشيء ، لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء : " من يلقك منا تصب خيرا " الذي يلقاك منا تصيب خيرا . قال : ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء .
قال أبو جعفر : وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا .
قال أبو جعفر : وأما قوله : " يتربصن بأنفسهن " فإنه يعني به : يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج ، والطيب ، والزينة ، والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن - أربعة أشهر وعشرا ، إلا أن يكن حوامل ، فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن . فإذا وضعن حملهن ، انقضت عددهن حينئذ .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه :
5071 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " فهذه عدة المتوفى عنها زوجها ، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها .
[ ص: 80 ] 5072 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب في قول الله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " قال ابن شهاب : جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها ، فإن كانت حاملا فيحلها من عدتها أن تضع حملها ، وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشرة فما استأخر ، لا يحلها إلا أن تضع حملها .
قال أبو جعفر : وإنما قلنا : عنى ب " التربص " ما وصفنا ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما : -
5073 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وأبو أسامة ، عن شعبة وحدثنا قال : حدثنا ابن المثنى محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن حميد بن نافع قال : سمعت تحدث : قال زينب ابنة أم سلمة أبو كريب : قال أبو أسامة : عن أم سلمة أن امرأة توفي عنها زوجها واشتكت عينها ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تستفتيه في ، فقال : الكحل " ! . لقد كانت إحداكن تكون في الجاهلية في شر أحلاسها ، فتمكث في بيتها حولا إذا توفي عنها زوجها ، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة! أفلا أربعة أشهر وعشرا
[ ص: 81 ] 5074 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد قال : سمعت ، عن نافعا صفية ابنة أبي عبيد : أنها سمعت زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حفصة ابنة عمر ، إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث " قال يحيى : والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران ، ولا تكتحل ، ولا تزين . [ ص: 82 ] 5075 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا يحيى ، عن نافع ، عن صفية ابنة أبي عبيد ، عن : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حفصة ابنة عمر . لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج
5076 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول ، أخبرني حميد بن نافع : أن أخبرته ، عن زينب ابنة أم سلمة أم سلمة - أو أم حبيبة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها ، وأنها قد خافت على عينها فزعم حميد عن زينب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . . قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ، وإنما هي أربعة أشهر وعشر
[ ص: 83 ] 5077 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون يحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع : أنه سمع تحدث عن زينب ابنة أم سلمة ، أم حبيبة أو أم سلمة أنها ذكرت : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - قد توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، وهي تريد أن تكحل عينها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة بعد الحول ، وإنما هي أربعة أشهر وعشر ابن بشار ، قال يزيد ، قال يحيى : فسألت حميدا عن رميها بالبعرة ، قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها ، عمدت إلى شر بيتها فقعدت فيه حولا فإذا مرت بها سنة ألقت بعرة وراءها .
5078 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا شعبة ، عن يحيى ، عن حميد بن نافع بهذا الإسناد مثله [ ص: 84 ] 5079 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع ، عن ، عن زينب ابنة أم سلمة أم سلمة : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها ، أفتكتحل؟ فقال : ! قال : قلت : وما " ترمي بالبعرة على رأس الحول " ؟ قال : كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهن ، لبست أطمار ثيابها ، وجلست في أخس بيوتها ، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار وقالت : قد حللت! قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ، وإنما هي الآن أربعة أشهر وعشر
5080 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا قال : حدثنا أحمد بن يونس زهير بن معاوية قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع ، عن ، عن أمها زينب ابنة أم سلمة أم سلمة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد خفت على عينها ، وهي تريد الكحل؟ قال : وأم حبيبة ! قال قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول! وإنما هي أربعة أشهر وعشر حميد : فقلت لزينب : وما رأس الحول؟ قالت زينب : كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها ، عمدت إلى أشر بيت لها [ ص: 85 ] فجلست فيه ، حتى إذا مرت بها سنة خرجت ، ثم رمت ببعرة وراءها .
5081 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة : أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها ، أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا معصفرا ، ولا تكتحل بالإثمد ، ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها ، ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مما ليس فيه طيب ، ولا تلبس حليا ، وتلبس البياض ولا تلبس السواد .
5082 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ، عن موسى بن عقبة نافع ، عن ابن عمر في المتوفى عنها زوجها : لا تكتحل ، ولا تطيب ، ولا تبيت عن بيتها ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، إلا ثوب عصب تجلبب به .
[ ص: 86 ] 5083 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا ، عن ابن جريج عطاء قال : بلغني عن ابن عباس قال : . تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزين وتطيب
5084 - حدثنا نصر بن علي قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تمس طيبا ، ولا تكتحل ، ولا تمتشط ، وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد .
وقال آخرون : إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة ، فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنزل ، فلم تنه عن ذلك ، ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه .
ذكر من قال ذلك :
5085 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ، عن ابن علية يونس ، عن الحسن : أنه كان يرخص في التزين والتصنع ، ولا يرى الإحداد شيئا .
5086 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان ، عن ، عن ابن جريج عطاء ، عن ابن عباس : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " لم يقل تعتد في بيتها ، تعتد حيث شاءت .
5087 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا إسماعيل قال : حدثنا ، عن ابن جريج عطاء قال : قال ابن عباس : إنما قال الله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ولم يقل تعتد في بيتها ، فلتعتد حيث شاءت .
واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله - تعالى ذكره - إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح ، وجعلوا حكم الآية على الخصوص وبما : -
[ ص: 87 ] 5088 - حدثني به محمد بن إبراهيم السلمي قال : حدثنا أبو عاصم ، وحدثني محمد بن معمر البحراني قال : حدثنا أبو عامر قالا جميعا ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن ، عن الحكم بن عتيبة ، عبد الله بن شداد بن الهاد قالت : لما أصيب أسماء بنت عميس جعفر قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تسلبي ثلاثا ، ثم اصنعي ما شئت . عن
[ ص: 88 ] 5089 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو نعيم وابن الصلت ، عن محمد بن طلحة ، عن ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الله بن شداد أسماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .
قالوا : فقد بين هذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن لا إحداد على المتوفى عنها زوجها ، وأن القول في تأويل قوله : " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره .
قال أبو جعفر : وأما الذين أوجبوا الإحداد على المتوفى عنها زوجها ، وترك النقلة عن منزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها ، فإنهم اعتلوا بظاهر [ ص: 89 ] التنزيل ، وقالوا : أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا ، فلم يأمرها بالتربص بشيء مسمى في التنزيل بعينه ، بل عم بذلك معاني التربص . قالوا : فالواجب عليها أن تربص بنفسها عن كل شيء ، إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها . قالوا : فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة ، مما هو داخل في عموم الآية ، كما التربص عن الأزواج داخل فيها . قالوا : وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب ، أما في النقلة فإن : -
5090 - أبا كريب حدثنا قال : حدثنا يونس بن محمد ، عن فليح بن سليمان ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته ، الفريعة ابنة مالك ، أخت أبي سعيد الخدري ، قالت : قتل زوجي وأنا في دار ، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النقلة ، فأذن لي . ثم ناداني بعد أن توليت ، فرجعت إليه ، فقال : يا فريعة ، حتى يبلغ الكتاب أجله . عن
[ ص: 90 ] قالوا : فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها ، [ وبطل ] ما خالفه . قالوا : وأما ما روي عن ابن عباس : فإنه لا معنى له ، بخروجه عن ظاهر التنزيل والثابت من الخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
قالوا : وأما الخبر الذي روي عن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمره إياها بالتسلب ثلاثا ، ثم أن تصنع ما بدا لها - فإنه غير دال [ ص: 91 ] على أن لا حداد على المرأة ، بل إنما دل على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بالتسلب ثلاثا ، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه ، مما لم يكن زينة ولا مطيبا ، لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب ، وذلك كالذي أذن - صلى الله عليه وسلم - للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن ، فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب . وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه ، فإن لها لبسه ، لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس . أسماء ابنة عميس ،
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ولم يقل : وعشرة؟ وإذ كان التنزيل كذلك : أفبالليالي تعتد المتوفى عنها العشر ، أم بالأيام؟
قيل : بل تعتد بالأيام بلياليها .
فإن قال : فإذ كان ذلك كذلك ، فكيف قيل : " وعشرا " ؟ ولم يقل : وعشرة؟ والعشر بغير " الهاء " من عدد الليالي دون الأيام؟ فإن جاز ذلك المعنى فيه ما قلت ، فهل تجيز : " عندي عشر " وأنت تريد عشرة من رجال ونساء؟
قلت : ذلك جائز في عدد الليالي والأيام ، وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال والنساء . وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة ، إذا أبهمت العدد ، غلبت فيه الليالي ، حتى إنهم فيما روي لنا عنهم ليقولون : " صمنا عشرا من شهر رمضان " لتغليبهم الليالي على الأيام . وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الأيام . فإذا أظهروا مع العدد مفسره ، أسقطوا من عدد المؤنث " الهاء " [ ص: 92 ] وأثبتوها في عدد المذكر ، كما قال - تعالى ذكره - : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) [ سورة الحاقة : 7 ] ، فأسقط " الهاء " من " سبع " وأثبتها في " الثمانية " .
وأما بنو آدم ، فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء ، ثم أبهمت عددها : أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث . وذلك أن الذكران من بني آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم ، وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم . وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الأنثى ، كما قيل للذكر والأنثى " شاة " وقيل للذكور والإناث من البقر : " بقر " وليس كذلك في بني آدم .
فإن قال : فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام على الأشهر؟
قيل : قد قيل في ذلك ، فيما : -
5091 - حدثنا به ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " قال : قلت : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال : لأنه ينفخ فيه الروح في العشر .
5092 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني أبو عاصم ، عن سعيد ، عن قتادة قال : سألت : ما بال العشر؟ قال : فيه ينفخ الروح . سعيد بن المسيب