ومن سيرته :
قال الخلال : قلت لزهير بن صالح : هل رأيت جدك ؟ قال : نعم .
مات وأنا في عشر سنين ، كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواتي ، وكان بيننا وبينه باب ، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله . وربما مررت به وهو قاعد في الشمس ، وظهره مكشوف فيه أثر الضرب بين ، وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي ، فأراد أبي أن يختنه ، فاتخذ له طعاما كثيرا ، ودعا قوما ، فوجه إليه جدي : بلغني ما أحدثته لهذا ، وأنك أسرفت ، فابدأ بالفقراء والضعفاء . فلما أن كان من الغد ، حضر الحجام ، وحضر أهلنا ، جاء جدي حتى جلس عند الصبي ، وأخرج صريرة ، فدفعها إلى الحجام ، وقام فنظر الحجام في الصريرة ، فإذا درهم واحد . وكنا قد رفعنا كثيرا من الفرش ، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة من الثياب الملونة ، فلم ينكر ذلك .
وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي ، فنزل على أبي ، فدخلت معه إلى جدي ، فجاءت الجارية بطبق خلاف ، وعليه خبز وبقل وملح ، وبغضارة ، فوضعتها بين أيدينا ، فيها مصلية فيها لحم وصلق كثير ، فأكل معنا ، وسأل ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان في خلال الأكل ، فربما [ ص: 218 ] استعجم عليه ، فيكلمه جدي بالفارسية ، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي . ثم أخذ طبقا إلى جنبه ، فوضع فيه تمر وجوز ، وجعل يأكل ويناول الرجل .
قال الميموني : كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء ، فيقول : لبيك لبيك .
وعن المروذي قال : لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد . كان مائلا إليهم ، مقصرا عن أهل الدنيا ، وكان فيه حلم ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار ، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل ، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر .
قال عبد الله : رأيت أبي حرج على النمل أن يخرجوا من داره ، فرأيت النمل قد خرجن بعد نملا سودا ، فلم أرهم بعد ذلك .