ومن كرمه
الخلال : حدثنا عبد الله بن أحمد قال : قال أبو سعيد بن أبي حنيفة المؤدب : كنت آتي أباك فيدفع إلي الثلاثة دراهم وأقل وأكثر ويقعد معي ، فيتحدث ، وربما أعطاني الشيء ، ويقول : أعطيتك نصف ما عندنا . فجئت يوما ، فأطلت القعود أنا وهو . قال : ثم خرج ومعه تحت كسائه أربعة أرغفة . فقال : هذا نصف ما عندنا . فقلت : هي أحب إلي من أربعة آلاف من غيرك .
قال المروذي : رأيت أبا عبد الله ، وجاءه بعض قرابته فأعطاه درهمين . وأتاه رجل فبعث إلى البقال ، فأعطاه نصف درهم .
وعن يحيى بن هلال قال : جئت أحمد فأعطاني أربعة دراهم . [ ص: 219 ]
وقال هارون المستملي : لقيت ، فقلت : ما عندنا شيء . فأعطاني خمسة دراهم ، وقال : ما عندنا غيرها . أحمد بن حنبل
قال المروذي : رأيت أبا عبد الله قد وهب لرجل قميصه ، وقال : ربما واسى من قوته . وكان إذا جاءه أمر يهمه من أمر الدنيا ، لم يفطر وواصل .
وجاءه أبو سعيد الضرير ، وكان قال قصيدة في ابن أبي دواد ، فشكى إلى أبي عبد الله ، فقال : يا أبا سعيد ، ما عندنا إلا هذا الجذع . فجيء بحمال ، قال فبعته بتسعة دراهم ودانقين . وكان أبو عبد الله شديد الحياء ، كريم الأخلاق ، يعجبه السخاء .
قال المروذي : سمعت أبا الفوارس ساكن أبي عبد الله يقول : قال لي أبو عبد الله : يا محمد ، ألقى الصبي المقراض في البئر ، فنزلت فأخرجته . فكتب لي إلى البقال : أعطه نصف درهم . قلت : هذا لا يسوى قيراط . والله لا أخذته . قال : فلما كان بعد ، دعاني ، فقال : كم عليك من الكراء ؟ فقلت : ثلاثة أشهر . قال : أنت في حل . ثم قال أبو بكر الخلال : فاعتبروا يا أولي الألباب والعلم ، هل تجدون أحدا بلغكم عنه هذه الأخلاق ؟ ! ! .
حدثنا علي بن سهل بن المغيرة قال : كنا عند عفان مع وأصحابهم ، وصنع لهم أحمد بن حنبل عفان . حملا وفالوذج ، فجعل أحمد يأكل من كل شيء قدموا إلا الفالوذج . فسألته ، فقال : كان يقال : هو أرفع الطعام فلا يأكله . وفي حكاية أخرى : فأكل لقمة فالوذج .
وعن ابن صبح قال : حضرت أبا عبد الله على طعام ، فجاءوا بأرز ، فقال أبو عبد الله : نعم الطعام ، إن أكل في أول الطعام أشبع ، وإن [ ص: 220 ] أكل في آخره هضم . ونقل عن أبي عبد الله إجابة غير دعوة .
قال حمدان بن علي : لم يكن لباس أحمد بذاك ، إلا أنه قطن نظيف .
وقال الفضل بن زياد : رأيت على أبي عبد الله في الشتاء قميصين وجبة ملونة بينهما ، وربما لبس قميصا وفروا ثقيلا . ورأيته عليه عمامة فوق القلنسوة ، وكساء ثقيلا . فسمعت أبا عمران الوركاني يقول له يوما : يا أبا عبد الله ، هذا اللباس كله ؟ فضحك ، ثم قال : أنا رقيق في البرد ، وربما لبس القلنسوة بغير عمامة .
قال الفضل بن زياد : رأيت على أبي عبد الله في الصيف قميصا وسراويل ورداء ، وكان كثيرا ما يتشح فوق القميص .
الخلال : أخبرنا الميموني : ما رأيت أبا عبد الله عليه طيلسان قط ، ولا رداء ، إنما هو إزار صغير .
وقال أبو داود : كنت أرى أزرار أبي عبد الله محلولة . ورأيت عليه من النعال ومن الخفاف غير زوج ، فما رأيت فيه مخضرا ولا شيئا له قبالان .
وقال أبو داود : رأيت على أبي عبد الله نعلين حمراوين لهما قبال واحد .
الخلال : حدثنا محمد بن الحسين ، أن أبا بكر المروذي حدثهم في آداب أبي عبد الله قال : كان أبو عبد الله لا يجهل ، وإن جهل عليه حلم [ ص: 221 ] واحتمل ، ويقول : يكفي الله . ولم يكن بالحقود ولا العجول ، كثير التواضع ، حسن الخلق ، دائم البشر ، لين الجانب ، ليس بفظ . وكان يحب في الله ، ويبغض في الله ، وإذا كان في أمر من الدين ، اشتد له غضبه . وكان يحتمل الأذى من الجيران .
قال حنبل : صليت بأبي عبد الله العصر ، فصلى معنا رجل يقال له محمد بن سعيد الختلي ، وكان يعرفه بالسنة . فقعد أبو عبد الله بعد الصلاة ، وبقيت أنا وهو والختلي في المسجد ما معنا رابع . فقال لأبي عبد الله : نهيت عن زيد بن خلف أن لا يكلم ؟ قال : كتب إلي أهل الثغر يسألوني عن أمره ، فكتبت إليهم ، فأخبرتهم بمذهبه وما أحدث ، وأمرتهم أن لا يجالسوه ، فاندفع الختلي على أبي عبد الله ، فقال : والله لأردنك إلى محبسك ، ولأدقن أضلاعك . . . في كلام كثير . فقال لي أبو عبد الله : لا تكلمه ولا تجبه .
وأخذ أبو عبد الله نعليه وقام فدخل ، وقال : مر السكان أن لا يكلموه ولا يردوا عليه . فما زال يصيح ، ثم خرج . فلما كان بعد ذلك ، ذهب هذا الختلي إلى شعيب ، وكان قد ولي على قضاء بغداد ، وكانت له في يديه وصية ، فسأله عنها ، ثم قال له شعيب : يا عدو الله ، وثبت على أحمد بالأمس ، ثم جئت تطلب الوصية ، إنما أردت أن تتقرب إلي بذا ، فزبره ، ثم أقامه . فخرج بعد إلى حسبة العسكر .
وسرد الخلال حكايات فيمن أهدى شيئا إلى أحمد ، فأثابه بأكثر من هديته .
قال الخلال : حدثنا إبراهيم بن جعفر بن حاتم : حدثني محمد بن الحسن بن الجنيد ، عن هارون بن سفيان المستملي قال : جئت إلى حين أراد أن يفرق الدراهم التي جاءته من أحمد بن حنبل المتوكل ، فأعطاني [ ص: 222 ] مائتي درهم . فقلت : لا تكفيني . قال : ليس هنا غيرها ، ولكن هو ذا ، أعمل بك شيئا أعطيك ثلاثمائة تفرقها . قال : فلما أخذتها ، قلت : ليس والله أعطي أحدا منها شيئا ، فتبسم .
قال عبد الله : ما رأيت أبي دخل الحمام قط .
الخلال : حدثنا عبد الله بن حنبل : حدثني أبي ، قال : قيل لأبي عبد الله لما ضرب وبرئ ، وكانت يده وجعة مما علق ، وكانت تضرب عليه ، فذكروا له الحمام ، وألحوا عليه ، فقال لأبي : يا أبا يوسف ، كلم صاحب الحمام يخليه لي ، ففعل ثم امتنع ، وقال : ما أريد أن أدخل الحمام .
زهير بن صالح : حدثنا أبي قال : سمعت أبي كثيرا يتلو سورة الكهف ، وكثيرا ما كنت أسمعه ، يقول : اللهم سلم سلم .
وحدثنا عن يونس بن محمد ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنه كان يقول : اللهم سلم سلم . سعيد بن المسيب
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، أخبرنا موسى بن عبد القادر ، أخبرنا سعيد بن أحمد ، أخبرنا علي بن أحمد ، أخبرنا المخلص حدثنا أبو القاسم البغوي : سمعت يقول في سنة ثمان وعشرين ومائتين ، وقد حدث بحديث معونة في البلاء : اللهم رضينا ، اللهم رضينا . [ ص: 223 ] أحمد بن حنبل
وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله يقوم لورده قريبا من نصف الليل حتى يقارب السحر . ورأيته يركع فيما بين المغرب والعشاء .
وقال عبد الله : ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم ، وكان يكثر الدعاء ويخفيه ، ويصلي بين العشاءين . فإذا صلى عشاء الآخرة ، ركع ركعات صالحة ، ثم يوتر وينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيصلي .
وكانت قراءته لينة ، ربما لم أفهم بعضها . وكان يصوم ويدمن ، ثم يفطر ما شاء الله . ولا يترك صوم الإثنين والخميس وأيام البيض . فلما رجع من العسكر ، أدمن الصوم إلى أن مات .
قال المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : حججت على قدمي حجتين ، وكفاني إلى مكة أربعة عشر درهما .
تركه للجهات جملة عن محمد بن يحيى خادم المزني عنه ، قال : قال : لما دخلت على الشافعي الرشيد قال : اليمن يحتاج إلى حاكم ، فانظر رجلا نوليه . [ ص: 224 ]
فلما رجع إلى مجلسه ، ورأى الشافعي من أمثلهم ، كلمه في ذلك ، وقال : تهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين . فقال : إنما جئت لأقتبس منك العلم ، وتأمرني أن أدخل في القضاء ، ووبخه . فاستحيا أحمد بن حنبل . الشافعي
قلت : إسناده مظلم .
قال : قيل : كان هذا في زمان ابن الجوزي الأمين .
وأخبرنا ابن ناصر ، أخبرنا عبد القادر بن محمد ، أنبأنا البرمكي ، أخبرنا أبو بكر عبد العزيز ، أخبرنا الخلال ، أخبرني محمد بن أبي هارون ، حدثنا الأثرم قال : أخبرت أن قال الشافعي لأبي عبد الله : إن أمير المؤمنين ، يعني : محمدا ، سألني أن ألتمس له قاضيا لليمن ، وأنت تحب الخروج إلى عبد الرزاق ، فقد نلت حاجتك ، وتقضي بالحق ، قال للشافعي : يا أبا عبد الله ، إن سمعت هذا منك ثانية ، لم ترني عندك .
فظننت أنه كان لأبي عبد الله ثلاثين سنة ، أو سبعا وعشرين .
الصندلي : حدثنا أبو جعفر الترمذي ، أخبرنا عبد الله بن محمد البلخي أن كان كثيرا عند الشافعي محمد بن زبيدة ، يعني : الأمين ، فذكر له محمد يوما اغتمامه برجل يصلح للقضاء صاحب سنة . قال : قد وجدت .
قال : ومن هو ؟ فذكر . قال : فلقيه أحمد بن حنبل أحمد ، فقال : أخمل هذا واعفني ، وإلا خرجت من البلد .
قال صالح بن أحمد : كتب إلي إسحاق بن راهويه : إن الأمير عبد الله بن طاهر وجه إلي ، فدخلت إليه وفي يدي كتاب أبي عبد الله . فقال : ما هذا ؟ قلت : كتاب ، فأخذه وقرأه ، وقال : إني أحبه ، [ ص: 225 ] وأحب أحمد بن حنبل حمزة بن الهيصم البوشنجي; لأنهما لم يختلطا بأمر السلطان . قال : فأمسك أبي عن مكاتبة إسحاق .
قال : سمعت إبراهيم بن أبي طالب أحمد بن سعيد الرباطي يقول : قدمت على ، فجعل لا يرفع رأسه إلي ، فقلت : يا أحمد بن حنبل أبا عبد الله ، إنه يكتب عني بخراسان ، وإن عاملتني هذه المعاملة رموا حديثي ، قال : يا أحمد ، هل بد يوم القيامة من أن يقال : أين عبد الله بن طاهر وأتباعه ؟ فانظر أين تكون منه .
قال عبد الله بن بشر الطالقاني : سمعت محمد بن طارق البغدادي يقول : قلت : أستمد من محبرتك ، فنظر إلي ، وقال : لم يبلغ ورعي ورعك هذا ، وتبسم . لأحمد بن حنبل
قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : الرجل يقال في وجهه : أحببت السنة ، قال : هذا فساد لقلبه .
الخلال : أخبرني محمد بن موسى قال : رأيت أبا عبد الله ، وقد قال له خراساني : الحمد لله الذي رأيتك ، قال : اقعد ، أي شيء ذا ؟ من أنا ؟ وعن رجل قال : رأيت أثر الغم في وجه أبي عبد الله ، وقد أثنى عليه شخص ، وقيل له : جزاك الله عن الإسلام خيرا . قال : بل جزى الله الإسلام عني خيرا . من أنا وما أنا ؟ !