[ ص: 284 ] nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29021_29786_30542بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج
إضراب ثان تابع للإضراب الذي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم على طريقة تكرير الجملة في مقام التنديد والإبطال ، أو بدل من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بل عجبوا أن جاءهم منذر لأن ذلك العجب مشتمل على التكذيب ، وكلا الاعتبارين يقتضيان فصل هذه الجملة بدون عاطف .
والمقصد من هذه الجملة : أنهم أتوا بأفظع من إحالتهم البعث وذلك هو التكذيب بالحق .
والمراد بالحق هنا القرآن لأن فعل التكذيب إذا عدي بالباء عدي إلى الخبر وإذا عدي بنفسه كان لتكذيب المخبر .
و ( لما ) حرف توقيت فهي دالة على ربط حصول جوابها بوقت حصول شرطها فهي مؤذنة بمبادرة حصول الجواب عند حصول الشرط كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وقد مضيا في سورة البقرة . ومعنى " جاءهم " بلغهم وأعلموا به .
والمعنى : أنهم بادروا بالتكذيب دون تأمل ولا نظر فيما حواه من الحق بل كذبوا به من أول وهلة فكذبوا بتوحيد الله ، وهو أول حق جاء به القرآن ، ولذلك عقب بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به بلدة ميتا .
فالتكذيب بما جاء به القرآن يعم التكذيب بالبعث وغيره .
وفرع على الخبر المنتقل إليه بالإضراب وصف حالهم الناشئة عن المبادرة بالتكذيب قبل التأمل بأنها " أمر مريج " أحاط بهم وتجلجلوا فيه كما دل عليه حرف الظرفية .
و " أمر " اسم مبهم مثل شيء ، ولما وقع هنا بعد حرف ( في ) المستعمل في الظرفية المجازية تعين أن يكون المراد بالأمر الحال المتلبسون هم به تلبس المظروف بظرفه وهو تلبس المحوط بما أحاط به فاستعمال ( في ) استعارة تبعية .
[ ص: 285 ] والمريج : المضطرب المختلط ، أي لا قرار في أنفسهم في هذا التكذيب ، اضطربت فيه أحوالهم كلها من أقوالهم في وصف القرآن فإنهم ابتدروا فنفوا عنه الصدق فلم يتبينوا بأي أنواع الكلام الباطل يلحقونه فقالوا : " سحر مبين " وقالوا : " أساطير الأولين " وقالوا : " قول شاعر " ، وقالوا : " قول كاهن " وقالوا : هذيان مجنون . وفي سلوكهم في طرق مقاومة دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم وما يصفونه به إذا سألهم الواردون من قبائل العرب . ومن بهتهم في إعجاز القرآن ودلالة غيره من المعجزات وما دمغهم به من الحجج على إبطال الإشراك وإثبات الوحدانية لله . وهذا تحميق لهم بأنهم طاشت عقولهم فلم يتقنوا التكذيب ولم يرسوا على وصف الكلام الذي كذبوا به .
[ ص: 284 ] nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29021_29786_30542بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ
إِضْرَابٌ ثَانٍ تَابِعٌ لِلْإِضْرَابِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ تَكْرِيرِ الْجُمْلَةِ فِي مَقَامِ التَّنْدِيدِ وَالْإِبْطَالِ ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَجَبَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّكْذِيبِ ، وَكِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ يَقْتَضِيَانِ فَصْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِدُونِ عَاطِفٍ .
وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ : أَنَّهُمْ أَتَوْا بِأَفْظَعَ مِنْ إِحَالَتِهِمُ الْبَعْثَ وَذَلِكَ هُوَ التَّكْذِيبُ بِالْحَقِّ .
وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الْقُرْآنُ لِأَنَّ فِعْلَ التَّكْذِيبِ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ عُدِّيَ إِلَى الْخَبَرِ وَإِذَا عُدِّيَ بِنَفْسِهِ كَانَ لِتَكْذِيبِ الْمُخْبِرِ .
وَ ( لَمَّا ) حَرْفُ تَوْقِيتٍ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى رَبْطِ حُصُولِ جَوَابِهَا بِوَقْتِ حُصُولِ شَرْطِهَا فَهِيَ مُؤْذِنَةٌ بِمُبَادَرَةِ حُصُولِ الْجَوَابِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ وَقَدْ مَضَيَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَمَعْنَى " جَاءَهُمْ " بَلَغَهُمْ وَأُعْلِمُوا بِهِ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ بَادَرُوا بِالتَّكْذِيبِ دُونَ تَأَمُّلٍ وَلَا نَظَرٍ فِيمَا حَوَاهُ مِنَ الْحَقِّ بَلْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَكَذَّبُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ ، وَهُوَ أَوَّلُ حَقٍّ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا .
فَالتَّكْذِيبُ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ يَعُمُّ التَّكْذِيبَ بِالْبَعْثِ وَغَيْرِهِ .
وَفُرِّعَ عَلَى الْخَبَرِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ بِالْإِضْرَابِ وَصَفُ حَالِهِمُ النَّاشِئَةِ عَنِ الْمُبَادَرَةِ بِالتَّكْذِيبِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ بِأَنَّهَا " أَمْرٌ مَرِيجٌ " أَحَاطَ بِهِمْ وَتَجَلْجَلُوا فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ .
وَ " أَمْرٍ " اسْمٌ مُبْهَمٌ مِثْلُ شَيْءٍ ، وَلَمَّا وَقَعَ هُنَا بَعْدَ حَرْفِ ( فِي ) الْمُسْتَعْمَلِ فِي الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْحَالَ الْمُتَلَبِّسُونَ هُمْ بِهِ تَلَبُّسَ الْمَظْرُوفِ بِظَرْفِهِ وَهُوَ تَلَبُّسُ الْمَحُوطِ بِمَا أَحَاطَ بِهِ فَاسْتِعْمَالُ ( فِي ) اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ .
[ ص: 285 ] وَالْمَرِيجُ : الْمُضْطَرِبُ الْمُخْتَلِطُ ، أَيْ لَا قَرَارَ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي هَذَا التَّكْذِيبِ ، اضْطَرَبَتْ فِيهِ أَحْوَالُهُمْ كُلُّهَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي وَصْفِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُمُ ابْتَدَرُوا فَنَفَوْا عَنْهُ الصِّدْقَ فَلَمْ يَتَبَيَّنُوا بِأَيِّ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ يُلْحِقُونَهُ فَقَالُوا : " سِحْرٌ مَبِينٌ " وَقَالُوا : " أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " وَقَالُوا : " قَوْلُ شَاعِرٍ " ، وَقَالُوا : " قَوْلُ كَاهِنٍ " وَقَالُوا : هَذَيَانُ مَجْنُونٍ . وَفِي سُلُوكِهِمْ فِي طُرُقِ مُقَاوَمَةِ دَعْوَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَصِفُونَهُ بِهِ إِذَا سَأَلَهُمُ الْوَارِدُونَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . وَمَنْ بَهَتَهُمْ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَدَلَالَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَمَا دَمَغَهُمْ بِهِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى إِبْطَالِ الْإِشْرَاكِ وَإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ . وَهَذَا تَحْمِيقٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ طَاشَتْ عُقُولُهُمْ فَلَمْ يُتْقِنُوا التَّكْذِيبَ وَلَمْ يَرْسُوا عَلَى وَصْفِ الْكَلَامِ الَّذِي كَذَّبُوا بِهِ .