(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) .
[ ص: 17 ] لما ذكر تعالى أنه لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، بين بعد ذلك علة إهلاكهم ، وهي مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتمادي على الفساد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وإذا أردنا ) وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إهلاكهم إلا قليل . انتهى . فتؤول ( أردنا ) على معنى دنا وقت إهلاكهم ، وذلك على مذهب الاعتزال . وقرأ الجمهور أمرنا ، وفي هذه القراءة قولان :
أحدهما : وهو الظاهر أنه من الأمر الذي هو ضد النهي ، واختلف في متعلقه فذهب الأكثرون منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير إلى أن التقدير أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري إلى أن التقدير أمرناهم بالفسق ففسقوا ، ورد على من قال أمرناهم بالطاعة فقال : أي : أمرناهم بالفسق ففعلوا ، والأمر مجاز ; لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم : افسقوا ، وهذا لا يكون
[ ص: 18 ] فبقي أن يكون مجازا ، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبا ، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات ، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه ، وإنما خولهم إياها ; ليشكروا ويعملوا فيها الخير ، ويتمكنوا من الإحسان والبر كما خلقهم أصحاء أقوياء وأقدرهم على الخير والشر ، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية ، وآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول ، وهي كلمة العذاب فدمرهم . فإن قلت : هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا ؟ قلت : لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز ، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه . وذلك أن المأمور به إنما حذف ; لأن فسقوا يدل عليه وهو كلام مستفيض . يقال : أمرته فقام وأمرته فقرأ ، لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة ، ولو ذهبت تقدر غيره ، فقد رمت من مخاطبك علم الغيب ، ولا يلزم هذا قولهم أمرته فعصاني أو فلم يمتثل أمري ; لأن ذلك مناف للأمر مناقض له ، ولا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به ، فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به ، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي ; لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوي لأمره مأمورا به وكأنه يقول : كان مني أمر فلم يكن منه طاعة ، كما أن من يقول : فلان يعطي ويمنع ويأمر وينهى غير قاصد إلى مفعول . فإن قلت : هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما يأمر بالقسط ، والخير دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير
[ ص: 19 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16ففسقوا ) قلت : لا يصح ذلك ; لأن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16ففسقوا ) يدافعه فكأنك أظهرت شيئا وأنت تدعي إضمار خلافه ، فكان صرف الأمر إلى المجاز هو الوجه . ونظير أمر شاء في أن مفعوله استفاض فيه الحذف لدلالة ما بعده عليه ، تقول : لو شاء لأحسن إليك ، ولو شاء لأساء إليك ، تريد لو شاء الإحسان ولو شاء الإساءة ، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت ، وقلت : قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان أو من أهل الإساءة فاترك الظاهر المنطوق به وأضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة لم يكن على سداد . انتهى .
أما ما ارتكبه من المجاز وهو أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أمرنا مترفيها ) صببنا عليهم النعمة صبا فيبعد جدا . وأما قوله : وأقدرهم على الخير والشر إلى آخره فمذهب الاعتزال ، وقوله : لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز ، تعليل لا يصح فيما نحن بسبيله ، بل ثم ما يدل على حذفه . وقوله فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه إلى قوله : علم الغيب ، فنقول : حذف الشيء تارة يكون لدلالة موافقة عليه ، ومنه ما مثل به في قوله : أمرته فقام وأمرته فقرأ ، وتارة يكون لدلالة خلافه أو ضده أو نقيضه ، فمن ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13وله ما سكن في الليل والنهار ) قالوا : تقديره ما سكن وما تحرك . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل تقيكم الحر ) قالوا : الحر والبرد . وقول الشاعر :
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني
تقديره : أريد الخير وأجتنب الشر ، وتقول : أمرته فلم يحسن فليس المعنى أمرته بعدم الإحسان فلم يحسن ، بل المعنى أمرته بالإحسان فلم يحسن ، وهذه الآية من هذا القبيل يستدل على حذف النقيض بإثبات نقيضه ، ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير ، وكذلك أمرته فأساء إلي ليس المعنى أمرته بالإساءة فأساء إلي ، إنما يفهم منه أمرته بالإحسان فأساء إلي . وقوله ولا يلزم هذا قولهم أمرته فعصاني . نقول : بل يلزم ، وقوله ; لأن ذلك مناف أي : لأن العصيان مناف ، وهو كلام صحيح . وقوله : فكان المأمور به غير مدلول عليه ولا منوي . هذا لا يسلم ، بل هو مدلول عليه ومنوي لا دلالة الموافق ، بل دلالة المناقض كما بينا . وأما قوله : لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوي لأمره مأمورا به هذا أيضا لا يسلم . وقوله في جواب السؤال لأن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16ففسقوا ) يدافعه ، فكأنك أظهرت شيئا وأنت تدعي إضمار خلافه . قلنا : نعم يدعي إضمار خلافه ، ودل على ذلك نقيضه . وقوله : ونظير أمر شاء في أن مفعوله استفاض فيه الحذف . قلت : ليس نظيره ; لأن مفعول أمر لم يستفض فيه الحذف لدلالة ما بعده عليه ، بل لا يكاد يستعمل مثل شاء محذوفا مفعوله لدلالة ما بعده عليه ، وأكثر استعماله مثبت المفعول ؛ لانتفاء الدلالة على حذفه . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28قل إن الله لا يأمر بالفحشاء ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=32أم تأمرهم أحلامهم بهذا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قل أمر ربي بالقسط ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60أنسجد لما تأمرنا ) أي : به ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة . وقال الشاعر :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
وقال
أبو عبد الله الرازي : ولقائل أن يقول كما أن قوله أمرته فعصاني ، يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق ; لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به ، فكونه فسقا ينافي كونه مأمورا به ، كما أن كونه معصية ينافي كونها مأمورا بها ، فوجب أن يدل هذا اللفظ على أن المأمور به ليس بفسق . هذا الكلام في غاية الظهور ، فلا أدري لما أصر صاحب الكشاف على قوله مع ظهور فساده فثبت أن الحق ما ذكروه ، وهو أن المعنى أمرناهم بالأعمال الصالحة ، وهي الإيمان والطاعة ، والقوم خالفوا ذلك عنادا ، وأقدموا على الفسق . انتهى .
القول الثاني : أن معنى ( أمرنا ) كثرنا ، أي : كثرنا ( مترفيها )
[ ص: 20 ] يقال : أمر الله القوم أي : كثرهم . حكاه
أبو حاتم عن
أبي زيد . وقال
الواحدي : العرب تقول : أمر القوم إذا كثروا ، وأمرهم الله إذا كثرهم . انتهى . وقال
أبو علي الفارسي : الجيد في أمرنا أن يكون بمعنى كثرنا ، واستدل
أبو عبيدة على صحة هذه اللغة بما جاء في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10371298خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة " أي : كثيرة النسل ، يقال : أمر الله المهرة أي : كثر ولدها ، ومن أنكر : أمر الله القوم بمعنى كثرهم ، لم يلتفت إليه لثبوت ذلك لغة ، ويكون من باب ما لزم وعدي بالحركة المختلفة ، إذ يقال : أمر القوم : كثروا ، وأمرهم الله : كثرهم ، وهو من باب المطاوعة أمرهم الله فأمروا كقولك شتر الله عينه فشترت ، وجدع أنفه وثلم سنه فثلمت .
وقرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيى بن يعمر وعكرمة . ( أمرنا ) بكسر الميم ، وحكاها
النحاس وصاحب اللوامح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ورد
الفراء هذه القراءة لا يلتفت إليه إذ نقل أنها لغة كفتح الميم ، ومعناها كثرنا . حكى
أبو حاتم عن
أبي زيد يقال : أمر الله ماله وأمره أي : كثره بكسر الميم وفتحها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ،
وابن أبي إسحاق ،
وأبو رجاء ،
وعيسى بن عمر ،
وسلام ،
nindex.php?page=showalam&ids=16407وعبد الله بن أبي يزيد ،
والكلبي : ( آمرنا ) بالمد ، وجاء كذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والحسن ،
وقتادة ،
وأبي العالية ،
وابن هرمز ،
وعاصم ،
وابن كثير ،
وأبي عمرو ،
ونافع ، وهو اختيار
يعقوب ، ومعناه كثرنا . يقال أمر الله القوم وآمرهم فتعدى بالهمزة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12081وأبو عثمان النهدي والسدي nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي وأبو العالية : ( أمرنا ) بتشديد الميم ، وروي ذلك عن
علي والحسن nindex.php?page=showalam&ids=11958والباقر وعاصم وأبي عمر وعدي أمر بالتضعيف ، والمعنى أيضا كثرنا ، وقد يكون أمرنا بالتشديد بمعنى وليناهم وصيرناهم أمراء ، واللازم من ذلك أمر فلان إذا صار أميرا أي : ولي الأمر . وقال
أبو علي الفارسي : لا وجه لكون ( أمرنا ) من الإمارة ; لأن رياستهم لا تكون إلا لواحد بعد واحد ، والإهلاك إنما يكون في مدة واحد منهم ، وما قاله
أبو علي لا يلزم ; لأنا لا نسلم أن الأمير هو الملك بل كونه ممن يأمر ويؤتمر به ، والعرب تسمي أميرا من يؤتمر به ، وإن لم يكن ملكا . ولئن سلمنا أنه أريد به الملك فلا يلزم ما قال ; لأن القرية إذا ملك عليها مترف ثم فسق ، ثم آخر ففسق ، ثم كذلك كثر الفساد وتوالى الكفر ، ونزل بهم على الآخر من ملوكهم ، ورأيت في النوم أني قرأت وقرئ بحضرتي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ) الآية بتشديد الميم . فأقول في النوم : ما أفصح هذه القراءة ، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم . وقيل : ( القول ) ( لأملأن ) ، ( وهؤلاء في النار ولا أبالي ) .
والتدمير الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء . ( وكم ) في موضع نصب على المفعول بـ أهلكنا أي : كثيرا من القرون أهلكنا ، و من القرون بيان لكم وتمييز له كما يميز العدد بالجنس ، والقرون عاد وثمود وغيرهم ، ويعني بالإهلاك هنا الإهلاك بالعذاب ، وفي ذلك تهديد ووعيد لمشركي
مكة ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17من بعد نوح ) ولم يقل : من بعد
آدم ; لأن
نوحا أول نبي بالغ قومه في تكذيبه ، وقومه أول من حلت بهم العقوبة بالعظمى ، وهي الاستئصال بالطوفان . وتقدم القول في عمر القرن و ( من ) الأولى للتبيين ، والثانية لابتداء الغاية وتعلقا بـ أهلكنا لاختلاف معنييهما . وقال الحوفي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17من بعد نوح ) من الثانية بدل من الأولى . انتهى . وهذا ليس بجيد . وقال
ابن عطية : هذه الباء يعني في ( وكفى بربك ) إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم . انتهى . و ( بذنوب عباده ) تنبيه على أن الذنوب هي أسباب الهلكة ، و ( خبيرا بصيرا ) تنبيه على أنه عالم بها فيعاقب عليها ويتعلق ( بذنوب ) بخبيرا أو ببصيرا . وقال
الحوفي : تتعلق بكفى . انتهى . وهذا وهم و ( العاجلة ) هي الدنيا ، ومعنى إرادتها : إيثارها على الآخرة ، ولابد من تقدير حذف دل عليه المقابل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ) فالتقدير : من كان يريد العاجلة وسعى لها سعيها وهو كافر . وقيل : المراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة ) بعمل الآخرة كالمنافق
[ ص: 21 ] والمرائي والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة والذكر كما قال - عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374625ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . وقال - عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374626من طلب الدنيا بعمل الآخرة فما له في الآخرة من نصيب " .
وقيل : نزلت في المنافقين ، وكانوا يغزون مع المسلمين للغنيمة لا للثواب ، و ( من ) شرط ، وجوابه (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18عجلنا له فيها ما نشاء ) فقيد المعجل بمشيئته أي : ما يشاء تعجيله . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18لمن نريد ) بدل من قوله : ( له ) بدل بعض من كل ; لأن الضمير في ( له ) عائد على من الشرطية ، وهي في معنى الجمع ، ولكن جاءت الضمائر هنا على اللفظ لا على المعنى ، فقيد المعجل بإرادته فليس من يريد العاجلة يحصل له ما يريده ، ألا ترى أن كثيرا من الناس يختارون الدنيا ، ولا يحصل لهم منها إلا ما قسمه الله لهم ، وكثير منهم يتمنون النزر اليسير فلا يحصل لهم ، ويجمع لهم شقاوة الدنيا وشقاوة الآخرة . وقرأ الجمهور ( ما نشاء ) بالنون ، وروي عن
نافع ما يشاء بالياء . فقيل : الضمير في يشاء يعود على الله ، وهو من باب الالتفات فقراءة النون والياء سواء . وقيل : يجوز أن يعود على من العائد عليها الضمير في ( له ) وليس ذلك عاما ، بل لا يكون له ما يشاء إلا آحادا أراد الله لهم ذلك ، والظاهر أن الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18لمن نريد ) يقدر مع تقديره مضاف محذوف ، يدل عليه ما قبله ، أي : لمن نريد تعجيله له أي : تعجيل ما نشاء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11816أبو إسحاق الفزاري : المعنى : لمن نريد هلكته وما قاله لا يدل عليه لفظ في الآية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=22لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ) .
[ ص: 17 ] لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِ رَسُولًا ، بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ عِلَّةَ إِهْلَاكِهِمْ ، وَهِيَ مُخَالَفَةُ أَمْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّمَادِي عَلَى الْفَسَادِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وَإِذَا أَرَدْنَا ) وَقْتَ إِهْلَاكِ قَوْمٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ زَمَانِ إِهْلَاكِهِمْ إِلَّا قَلِيلٌ . انْتَهَى . فَتُؤَوَّلُ ( أَرَدْنَا ) عَلَى مَعْنَى دَنَا وَقْتُ إِهْلَاكِهِمْ ، وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَمَرْنَا ، وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ ، وَاخْتُلِفَ فِي مُتَعَلَّقِهِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ إِلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا وَفَسَقُوا ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ أَمَرْنَاهُمْ بِالْفِسْقِ فَفَسَقُوا ، وَرَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ فَقَالَ : أَيْ : أَمَرْنَاهُمْ بِالْفِسْقِ فَفَعَلُوا ، وَالْأَمْرُ مَجَازٌ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ بِالْفِسْقِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : افْسُقُوا ، وَهَذَا لَا يَكُونُ
[ ص: 18 ] فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا ، وَوَجْهُ الْمَجَازِ أَنَّهُ صَبَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ صَبًّا ، فَجَعَلُوهَا ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعَاصِي وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ ، فَكَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ لِتَسَبُّبِ إِيلَاءِ النِّعْمَةِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا خَوَّلَهُمْ إِيَّاهَا ; لِيَشْكُرُوا وَيَعْمَلُوا فِيهَا الْخَيْرَ ، وَيَتَمَكَّنُوا مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ كَمَا خَلَقَهُمْ أَصِحَّاءَ أَقْوِيَاءَ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَطَلَبَ مِنْهُمْ إِيثَارَ الطَّاعَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَآثَرُوا الْفُسُوقَ فَلَمَّا فَسَقُوا حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ، وَهِيَ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فَدَمَّرَهُمْ . فَإِنْ قُلْتَ : هَلَّا زَعَمْتَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ فَفَسَقُوا ؟ قُلْتُ : لِأَنَّ حَذْفَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ ، فَكَيْفَ يُحْذَفُ مَا الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى نَقِيضِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إِنَّمَا حُذِفَ ; لِأَنَّ فَسَقُوا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَفِيضٌ . يُقَالُ : أَمَرْتُهُ فَقَامَ وَأَمَرْتُهُ فَقَرَأَ ، لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قِيَامٌ أَوْ قِرَاءَةٌ ، وَلَوْ ذَهَبْتَ تُقَدِّرُ غَيْرَهُ ، فَقَدْ رُمْتَ مِنْ مُخَاطِبِكَ عِلْمَ الْغَيْبِ ، وَلَا يَلْزَمُ هَذَا قَوْلَهُمْ أَمَرْتُهُ فَعَصَانِي أَوْ فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرِي ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَمْرِ مُنَاقِضٌ لَهُ ، وَلَا يَكُونُ مَا يُنَاقِضُ الْأَمْرَ مَأْمُورًا بِهِ ، فَكَانَ مُحَالًا أَنْ يُقْصَدَ أَصْلًا حَتَّى يُجْعَلَ دَالًّا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ ، فَكَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ غَيْرَ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ وَلَا مَنْوِيٍّ ; لِأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي لِأَمْرِهِ مَأْمُورًا بِهِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ : كَانَ مِنِّي أَمْرٌ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ طَاعَةٌ ، كَمَا أَنَّ مَنْ يَقُولُ : فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى غَيْرُ قَاصِدٍ إِلَى مَفْعُولٍ . فَإِنْ قُلْتَ : هَلَّا كَانَ ثُبُوتُ الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِالْقِسْطِ ، وَالْخَيْرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَمَرْنَاهُمْ بِالْخَيْرِ
[ ص: 19 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16فَفَسَقُوا ) قُلْتُ : لَا يَصِحُّ ذَلِكَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16فَفَسَقُوا ) يُدَافِعُهُ فَكَأَنَّكَ أَظْهَرْتَ شَيْئًا وَأَنْتَ تَدَّعِي إِضْمَارَ خِلَافِهِ ، فَكَانَ صَرْفُ الْأَمْرِ إِلَى الْمَجَازِ هُوَ الْوَجْهَ . وَنَظِيرُ أَمَرَ شَاءَ فِي أَنَّ مَفْعُولَهُ اسْتَفَاضَ فِيهِ الْحَذْفُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ ، تَقُولُ : لَوْ شَاءَ لَأَحْسَنَ إِلَيْكَ ، وَلَوْ شَاءَ لَأَسَاءَ إِلَيْكَ ، تُرِيدُ لَوْ شَاءَ الْإِحْسَانَ وَلَوْ شَاءَ الْإِسَاءَةَ ، فَلَوْ ذَهَبْتَ تُضْمِرُ خِلَافَ مَا أَظْهَرْتَ ، وَقُلْتَ : قَدْ دَلَّتْ حَالُ مَنْ أَسْنَدْتَ إِلَيْهِ الْمَشِيئَةَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِحْسَانِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِسَاءَةِ فَاتْرُكِ الظَّاهِرَ الْمَنْطُوقَ بِهِ وَأَضْمِرْ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ حَالُ صَاحِبِ الْمَشِيئَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَدَادٍ . انْتَهَى .
أَمَّا مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) صَبَبْنَا عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ صَبًّا فَيَبْعُدُ جِدًّا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَأَقْدَرَهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى آخِرِهِ فَمَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ ، وَقَوْلُهُ : لِأَنَّ حَذْفَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزِ ، تَعْلِيلٌ لَا يَصِحُّ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ ، بَلْ ثَمَّ مَا يَدُلُّ عَلَى حَذْفِهِ . وَقَوْلُهُ فَكَيْفَ يُحْذَفُ مَا الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى نَقِيضِهِ إِلَى قَوْلِهِ : عِلْمَ الْغَيْبِ ، فَنَقُولُ : حَذْفُ الشَّيْءِ تَارَةً يَكُونُ لِدَلَالَةٍ مُوَافِقَةٍ عَلَيْهِ ، وَمِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ : أَمَرْتُهُ فَقَامَ وَأَمَرْتُهُ فَقَرَأَ ، وَتَارَةً يَكُونُ لِدَلَالَةِ خِلَافِهِ أَوْ ضِدِّهِ أَوْ نَقِيضِهِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) قَالُوا : تَقْدِيرُهُ مَا سَكَنَ وَمَا تَحَرَّكَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) قَالُوا : الْحَرَّ وَالْبَرْدَ . وَقَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ
أَمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي
تَقْدِيرُهُ : أُرِيدُ الْخَيْرَ وَأَجْتَنِبُ الشَّرَّ ، وَتَقُولُ : أَمَرْتُهُ فَلَمْ يُحْسِنْ فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَمَرْتُهُ بِعَدَمِ الْإِحْسَانِ فَلَمْ يُحْسِنْ ، بَلِ الْمَعْنَى أَمَرْتُهُ بِالْإِحْسَانِ فَلَمْ يُحْسِنْ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يُسْتَدَلُّ عَلَى حَذْفِ النَّقِيضِ بِإِثْبَاتِ نَقِيضِهِ ، وَدَلَالَةُ النَّقِيضِ عَلَى النَّقِيضِ كَدَلَالَةِ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ ، وَكَذَلِكَ أَمَرْتُهُ فَأَسَاءَ إِلَيَّ لَيْسَ الْمَعْنَى أَمَرْتُهُ بِالْإِسَاءَةِ فَأَسَاءَ إِلَيَّ ، إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَمَرْتُهُ بِالْإِحْسَانِ فَأَسَاءَ إِلَيَّ . وَقَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ هَذَا قَوْلَهُمْ أَمَرْتُهُ فَعَصَانِي . نَقُولُ : بَلْ يَلْزَمُ ، وَقَوْلُهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ أَيْ : لِأَنَّ الْعِصْيَانَ مُنَافٍ ، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ . وَقَوْلُهُ : فَكَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ غَيْرَ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ وَلَا مَنْوِيٍّ . هَذَا لَا يَسْلَمُ ، بَلْ هُوَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ وَمَنْوِيٌّ لَا دَلَالَةُ الْمُوَافِقِ ، بَلْ دَلَالَةُ الْمُنَاقِضِ كَمَا بَيَّنَّا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي لِأَمْرِهِ مَأْمُورًا بِهِ هَذَا أَيْضًا لَا يَسْلَمُ . وَقَوْلُهُ فِي جَوَابِ السُّؤَال لِأَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16فَفَسَقُوا ) يُدَافِعُهُ ، فَكَأَنَّكَ أَظْهَرْتَ شَيْئًا وَأَنْتَ تَدَّعِي إِضْمَارَ خِلَافِهِ . قُلْنَا : نَعَمْ يَدَّعِي إِضْمَارَ خِلَافِهِ ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ نَقِيضُهُ . وَقَوْلُهُ : وَنَظِيرُ أَمَرَ شَاءَ فِي أَنَّ مَفْعُولَهُ اسْتَفَاضَ فِيهِ الْحَذْفُ . قُلْتُ : لَيْسَ نَظِيرَهُ ; لِأَنَّ مَفْعُولَ أَمَرَ لَمْ يَسْتَفِضْ فِيهِ الْحَذْفُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ ، بَلْ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ مِثْلُ شَاءَ مَحْذُوفًا مَفْعُولُهُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ مُثْبَتَ الْمَفْعُولِ ؛ لِانْتِفَاءِ الدَّلَالَةِ عَلَى حَذْفِهِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=32أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ) أَيْ : بِهِ وَلَا يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَمَرْتُهُ فَعَصَانِي ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْفِسْقِ ; لِأَنَّ الْفِسْقَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ ، فَكَوْنُهُ فِسْقًا يُنَافِي كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ ، كَمَا أَنَّ كَوْنَهُ مَعْصِيَةً يُنَافِي كَوْنَهَا مَأْمُورًا بِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَدُلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ لَيْسَ بِفِسْقٍ . هَذَا الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ ، فَلَا أَدْرِي لِمَا أَصَرَّ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرُوهُ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى أَمَرْنَاهُمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَهِيَ الْإِيمَانُ وَالطَّاعَةُ ، وَالْقَوْمُ خَالَفُوا ذَلِكَ عِنَادًا ، وَأَقْدَمُوا عَلَى الْفِسْقِ . انْتَهَى .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى ( أَمَرْنَا ) كَثَّرْنَا ، أَيْ : كَثَّرْنَا ( مُتْرَفِيهَا )
[ ص: 20 ] يُقَالُ : أَمِرَ اللَّهُ الْقَوْمَ أَيْ : كَثَّرَهُمْ . حَكَاهُ
أَبُو حَاتِمٍ عَنْ
أَبِي زَيْدٍ . وَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْعَرَبُ تَقُولُ : أَمِرَ الْقَوْمُ إِذَا كَثُرُوا ، وَأَمِرَهُمُ اللَّهُ إِذَا كَثَّرَهُمُ . انْتَهَى . وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : الْجَيِّدُ فِي أَمَرْنَا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى كَثَّرْنَا ، وَاسْتَدَلَّ
أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ اللُّغَةِ بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10371298خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ وَمُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ " أَيْ : كَثِيرَةُ النَّسْلِ ، يُقَالُ : أَمِرَ اللَّهُ الْمُهْرَةَ أَيْ : كَثَّرَ وَلَدَهَا ، وَمَنْ أَنْكَرَ : أَمِرَ اللَّهُ الْقَوْمَ بِمَعْنَى كَثَّرَهُمْ ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ لُغَةً ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ مَا لَزِمَ وَعُدِّيَ بِالْحَرَكَةِ الْمُخْتَلِفَةِ ، إِذْ يُقَالُ : أَمِرَ الْقَوْمُ : كَثُرُوا ، وَأَمِرَهُمُ اللَّهُ : كَثَّرَهُمْ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُطَاوَعَةِ أَمِرَهُمُ اللَّهُ فَأَمِرُوا كَقَوْلِكَ شَتَرَ اللَّهُ عَيْنَهُ فَشُتِرَتْ ، وَجَدَعَ أَنْفَهُ وَثَلَمَ سِنَّهُ فَثُلِمَتْ .
وَقَرَأَ
الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=17344وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَعِكْرِمَةُ . ( أَمِرْنَا ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَحَكَاهَا
النَّحَّاسُ وَصَاحِبُ اللَّوَامِحِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَرَدَّ
الْفَرَّاءُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ إِذْ نُقِلَ أَنَّهَا لُغَةٌ كَفَتْحِ الْمِيمِ ، وَمَعْنَاهَا كَثَّرْنَا . حَكَى
أَبُو حَاتِمٍ عَنْ
أَبِي زَيْدٍ يُقَالُ : أَمَرَ اللَّهُ مَالَهُ وَأَمِرَهُ أَيْ : كَثَّرَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ،
وَأَبُو رَجَاءٍ ،
وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ ،
وَسَلَّامٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16407وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ،
وَالْكَلْبِيُّ : ( آمَرْنَا ) بِالْمَدِّ ، وَجَاءَ كَذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَالْحَسَنِ ،
وَقَتَادَةَ ،
وَأَبِي الْعَالِيَةِ ،
وَابْنِ هُرْمُزَ ،
وَعَاصِمٍ ،
وَابْنِ كَثِيرٍ ،
وَأَبِي عَمْرٍو ،
وَنَافِعٍ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
يَعْقُوبَ ، وَمَعْنَاهُ كَثَّرْنَا . يُقَالُ أَمِرَ اللَّهُ الْقَوْمَ وَآمَرَهُمْ فَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12081وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَالسُّدِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ : ( أَمَّرْنَا ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11958وَالْبَاقِرِ وَعَاصِمٍ وَأَبِي عُمَرَ وَعُدِّيَ أَمَرَ بِالتَّضْعِيفِ ، وَالْمَعْنَى أَيْضًا كَثَّرْنَا ، وَقَدْ يَكُونُ أَمَّرْنَا بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى وَلَّيْنَاهُمْ وَصَيَّرْنَاهُمْ أُمَرَاءَ ، وَاللَّازِمُ مِنْ ذَلِكَ أُمِّرَ فُلَانٌ إِذَا صَارَ أَمِيرًا أَيْ : وَلِيَ الْأَمْرَ . وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : لَا وَجْهَ لِكَوْنِ ( أَمَرْنَا ) مِنَ الْإِمَارَةِ ; لِأَنَّ رِيَاسَتَهُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا لِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ ، وَالْإِهْلَاكُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي مُدَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَمَا قَالَهُ
أَبُو عَلِيٍّ لَا يَلْزَمُ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمِيرَ هُوَ الْمَلِكُ بَلْ كَوْنُهُ مِمَّنْ يَأْمُرُ وَيُؤْتَمَرُ بِهِ ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَمِيرًا مَنْ يُؤْتَمَرُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِكًا . وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ ; لِأَنَّ الْقَرْيَةَ إِذَا مُلِّكَ عَلَيْهَا مُتْرَفٌ ثُمَّ فَسَقَ ، ثُمَّ آخَرُ فَفَسَقَ ، ثُمَّ كَذَلِكَ كَثُرَ الْفَسَادُ وَتَوَالَى الْكُفْرُ ، وَنَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْآخِرِ مِنْ مُلُوكِهِمْ ، وَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي قَرَأْتُ وَقُرِئَ بِحَضْرَتِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا ) الْآيَةَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ . فَأَقُولُ فِي النَّوْمِ : مَا أَفْصَحَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ ، وَالْقَوْلُ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ هُوَ وَعِيدُ اللَّهِ الَّذِي قَالَهُ رَسُولُهُمْ . وَقِيلَ : ( الْقَوْلُ ) ( لَأَمْلَأَنَّ ) ، ( وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي ) .
وَالتَّدْمِيرُ الْإِهْلَاكُ مَعَ طَمْسِ الْأَثَرِ وَهَدْمِ الْبِنَاءِ . ( وَكَمْ ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ بِـ أَهْلَكْنَا أَيْ : كَثِيرًا مِنَ الْقُرُونِ أَهْلَكْنَا ، وَ مِنَ الْقُرُونِ بَيَانٌ لِكَمْ وَتَمْيِيزٌ لَهُ كَمَا يُمَيَّزُ الْعَدَدُ بِالْجِنْسِ ، وَالْقُرُونُ عَادٌ وَثَمُودُ وَغَيْرُهُمْ ، وَيَعْنِي بِالْإِهْلَاكِ هُنَا الْإِهْلَاكَ بِالْعَذَابِ ، وَفِي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ لِمُشْرِكِي
مَكَّةَ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ) وَلَمْ يَقُلْ : مِنْ بَعْدِ
آدَمَ ; لِأَنَّ
نُوحًا أَوَّلُ نَبِيٍّ بَالَغَ قَوْمُهُ فِي تَكْذِيبِهِ ، وَقَوْمُهُ أَوَّلُ مَنْ حَلَّتْ بِهِمُ الْعُقُوبَةُ بِالْعُظْمَى ، وَهِيَ الِاسْتِئْصَالُ بِالطُّوفَانِ . وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي عُمُرِ الْقَرْنِ وَ ( مِنْ ) الْأُولَى لِلتَّبْيِينِ ، وَالثَّانِيَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَتَعَلَّقَا بِـ أَهْلَكْنَا لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا . وَقَالَ الْحَوْفِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ) مِنَ الثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى . انْتَهَى . وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هَذِهِ الْبَاءُ يَعْنِي فِي ( وَكَفَى بِرَبِّكَ ) إِنَّمَا تَجِيءُ فِي الْأَغْلَبِ فِي مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ . انْتَهَى . وَ ( بِذُنُوبِ عِبَادِهِ ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ هِيَ أَسْبَابُ الْهَلَكَةِ ، وَ ( خَبِيرًا بَصِيرًا ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِهَا فَيُعَاقِبُ عَلَيْهَا وَيَتَعَلَّقُ ( بِذُنُوبِ ) بِخَبِيرًا أَوْ بِبَصِيرًا . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : تَتَعَلَّقُ بِكَفَى . انْتَهَى . وَهَذَا وَهْمٌ وَ ( الْعَاجِلَةَ ) هِيَ الدُّنْيَا ، وَمَعْنَى إِرَادَتِهَا : إِيثَارُهَا عَلَى الْآخِرَةِ ، وَلَابُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمُقَابِلُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) فَالتَّقْدِيرُ : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ كَافِرٌ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ ) بِعَمَلِ الْآخِرَةِ كَالْمُنَافِقِ
[ ص: 21 ] وَالْمُرَائِي وَالْمُهَاجِرِ لِلدُّنْيَا وَالْمُجَاهِدِ لِلْغَنِيمَةِ وَالذِّكْرِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374625وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374626مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ فَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ " .
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ ، وَكَانُوا يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْغَنِيمَةِ لَا لِلثَّوَابِ ، وَ ( مِنْ ) شَرْطٌ ، وَجَوَابُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ) فَقَيَّدَ الْمُعَجَّلَ بِمَشِيئَتِهِ أَيْ : مَا يَشَاءُ تَعْجِيلَهُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18لِمَنْ نُرِيدُ ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : ( لَهُ ) بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ ; لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( لَهُ ) عَائِدٌ عَلَى مَنِ الشَّرْطِيَّةِ ، وَهِيَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ ، وَلَكِنْ جَاءَتِ الضَّمَائِرُ هُنَا عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى ، فَقَيَّدَ الْمُعَجَّلَ بِإِرَادَتِهِ فَلَيْسَ مَنْ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ يَحْصُلُ لَهُ مَا يُرِيدُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَخْتَارُونَ الدُّنْيَا ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْهَا إِلَّا مَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُمْ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتَمَنَّوْنَ النَّزْرَ الْيَسِيرَ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ شَقَاوَةَ الدُّنْيَا وَشَقَاوَةَ الْآخِرَةِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( مَا نَشَاءُ ) بِالنُّونِ ، وَرُوِيَ عَنْ
نَافِعٍ مَا يَشَاءُ بِالْيَاءِ . فَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي يَشَاءُ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ فَقِرَاءَةُ النُّونِ وَالْيَاءِ سَوَاءٌ . وَقِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ الْعَائِدِ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي ( لَهُ ) وَلَيْسَ ذَلِكَ عَامًّا ، بَلْ لَا يَكُونُ لَهُ مَا يَشَاءُ إِلَّا آحَادًا أَرَادَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18لِمَنْ نُرِيدُ ) يُقَدَّرُ مَعَ تَقْدِيرِهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ ، أَيْ : لِمَنْ نُرِيدُ تَعْجِيلَهُ لَهُ أَيْ : تَعْجِيلَ مَا نَشَاءُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11816أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ : الْمَعْنَى : لِمَنْ نُرِيدُ هَلَكَتَهُ وَمَا قَالَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظٌ فِي الْآيَةِ .