وقال : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين ، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين انتهى . وهو تفسير غريب . الزمخشري
وقد ، يقال : السلام هنا السلامة من العذاب بدليل قوله ( إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) وبني ( أوحي ) لما لم يسم فاعله ، ولم يذكر الموحى ؛ لأن فرعون كانت له بادرة فربما صدر منه في حق الموحي ما لا يليق به ، والمعنى على من كذب الأنبياء وتولى عن الإيمان . وقال هذه أرجى آية في القرآن ؛ لأن المؤمن ما كذب وتولى فلا يناله شيء من العذاب . وفي الكلام حذف تقديره فأتيا ابن عباس فرعون وقالا له ما أمرهما الله أن يبلغاه قال : ( فمن ربكما يا موسى ) خاطبهما معا وأفرد بالنداء موسى . قال ابن عطية : إذ كان صاحب عظم الرسالة وكريم الآيات . وقال : لأنه الأصل في النبوة الزمخشري وهارون وزيره وتابعه ، ويحتمل أن يحمله خبثه وذعارته على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة هارون والرتة في لسان موسى ، ويدل عليه قوله : ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) انتهى .
واستبد موسى - عليه السلام - بجواب فرعون من حيث خصه بالسؤال والنداء معا ، ثم أعلمه من صفات الله تعالى بالصفة التي لا شرك لفرعون فيها ولا بوجه مجاز . قال : ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق . انتهى . والمعنى أعطى كل ما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الإتقان لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا . وقال الشاعر : الزمخشري
وله في كل شيء خلقة وكذلك الله ما شاء فعل
وهذا قول مجاهد وعطية ومقاتل ، وقال الضحاك ( خلقه ) من المنفعة المنوطة به المطابقة له ( ثم هدى ) ، أي : يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه ، فأعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه . قال القشيري : والخلق المخلوق ؛ لأن البطش والمشي والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء ، وعلى هذا مفعول ( أعطى ) الأول ( كل شيء ) والثاني ( خلقه ) وكذا في قول ابن عباس وابن جبير والسدي وهو أن المعنى ( أعطى كل شيء ) مخلوقه من جنسه ، أي : كل حيوان ذكر نظيره أنثى في الصورة . فلم يزاوج منهما غير جنسه ، ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه . وعن أنه هداه إلى إلفه والاجتماع به والمناكحة . وقال ابن عباس الحسن وقتادة ( أعطى كل شيء ) صلاحه وهداه لما يصلحه .
وقيل : ( كل شيء ) هو المفعول الثاني لأعطى و ( خلقه ) المفعول الأول ، أي : ( أعطى ) خليقته ( كل شيء ) يحتاجون إليه ويرتفقون به . وقرأ عبد الله وأناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو نهيك وابن أبي إسحاق والأعمش والحسن ونصير عن ، الكسائي عن وابن نوح قتيبة وسلام ( خلقه ) بفتح اللام فعلا ماضيا في موضع الصفة لكل شيء أو لشيء ، ومفعول ( أعطى ) الثاني حذف اقتصارا ، أي : ( كل شيء خلقه ) لم يخله من عطائه وإنعامه ( ثم هدى ) ، أي : عرف كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه . وقيل : حذف اختصارا لدلالة المعنى عليه ، أي : ( أعطى كل شيء خلقه ) ما يحتاج إليه ، وقدره ابن عطية كماله أو مصلحته .