وضمير الغائب في ( ويسألونك ) عائد على قريش منكري البعث أو على المؤمنين سألوا عن ذلك ، أو على رجل من ثقيف وجماعة من قومه أقوال ثلاثة . والكاف خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، والظاهر وجود السؤال ويبعد قول من قال إنه لم يكن سؤال بل المعنى أن يسألوك ( عن الجبال فقل ) فضمن معنى الشرط ، فلذلك أجيب بالفاء وروي أن الله يرسل على الجبال ريحا فيدككها حتى تكون كالعهن المنفوش ، ثم يتوالى عليها حتى يعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف ، والظاهر عود الضمير في ( فيذرها ) على الجبال أي بعد النسف تبقى ( قاعا ) أي مستويا من الأرض معتدلا . وقيل فيذر مقارها ومراكزها . وقيل : يعود على الأرض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الجبال عليها .
وقال ( عوجا ) ميلا ( ابن عباس ولا أمتا ) أثرا مثل الشراك . وعنه أيضا ( عوجا ) واديا ( ولا أمتا ) رابية . وعنه أيضا : الأمت الارتفاع . وقال قتادة ( عوجا ) صدعا ( ولا أمتا ) أكمة . وقيل : الأمت الشقوق في الأرض . وقيل : غلظ مكان في الفضاء والجبل وبرق في مكان حكاه . وقيل : كان الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء ، والعوج في الأرض مختص بالأرض . الصولي
وقال : فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج فقالوا : العوج بالكسر في المعاني ، والعوج بالفتح في الأعيان والأرض ، فكيف صح فيها المكسور العين ؟ قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة ، واتفقتم على أن لم يبق فيها اعوجاج قط ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك بذلك بحاسة البصر ، ولكن بالقياس الهندسي فنفى الله عز وجل ذلك العوج الذي دق [ ص: 280 ] ولطف عن الإدراك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسرة . الأمت النتو اليسير ، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت . انتهى . الزمخشري