إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
وعن : نزلت هذه الآية في ابن عباس الأسود بن عبد الأسد المخزومي ، والمراد ضغطة القبر تختلف فيه أضلاعه . وقال الحسن وقتادة والكلبي : هو الضيق في الآخرة في جهنم فإن طعامهم فيها الضريع والزقوم وشرابهم الحميم والغسلين ، ولا يموتون فيها ولا يحيون ، وقال عطاء : المعيشة الضنك معيشة [ ص: 287 ] الكافر لأنه غير موقن بالثواب والعقاب . وقال ابن جبير : يسلب القناعة حتى لا يشبع . وقال أبو سعيد الخدري والسدي : هو عذاب القبر ، ورواه رضي الله عنه عن النبي . وقال أبو هريرة الجوهري : المعيشة الضنك في الدنيا ، والمعنى أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه من الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة وامتناع صفاء العيش لذلك ما تصير معيشته ضنكا وقالت فرقة ( ضنكا ) بأكل الحرام .
ويستدل على أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة ( ونحشره يوم القيامة أعمى ) وقوله : ( ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) فكأنه ذكر نوعا من العذاب ، ثم ذكر أن عذاب الآخرة أشد وأبقى ، وحسن قول الجمهور فقال : ومعنى ذلك أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته ، فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشا طيبا كما قال تعالى : ( الزمخشري فلنحيينه حياة طيبة ) والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطيح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق ، فعيشه ضنك وحاله مظلمة . انتهى .
وقرأ الحسن ضنكي بألف التأنيث ولا تنوين وبالإمالة بناؤه صفة على فعلى من الضنك . وقرأ الجمهور ( ضنكا ) بالتنوين وفتحة الكاف فتحة إعراب . وقرأ الجمهور ( ونحشره ) بالنون ، وفرقة منهم بسكون الراء فيجوز أن يكون تخفيفا ، ويجوز أن يكون جزما بالعطف على موضع ( أبان بن تغلب فإن له معيشة ضنكا ) لأنه جواب الشرط ، وكأنه قيل ( ومن أعرض عن ذكري ) تكن له معيشة ضنك ( ونحشره ) ومثله ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ) في قراءة من سكن ويذرهم . وقرأت فرقة ويحشره بالياء . وقرئ ويحشره بسكون الهاء على لفظ الوقف قاله . ونقل الزمخشري ابن خالويه هذه القراءة عن والأحسن تخريجه على لغة أبان بن تغلب بني كلاب وعقيل فإنهم يسكنون مثل هذه الهاء . وقرئ ( لربه لكنود ) والظاهر أن قوله ( أعمى ) المراد به عمى البصر كما قال ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا ) وقيل : أعمى البصيرة . قال ابن عطية : ولو كان هذا لم يحس الكافر بذلك لأنه مات أعمى البصيرة ويحشر كذلك . وقال مجاهد والضحاك ومقاتل وأبو صالح وروي عن : ( ابن عباس أعمى ) عن حجته لا حجة له يهتدي بها . وعن : يحشر بصيرا ثم إذا استوى إلى المحشر ( ابن عباس أعمى ) . وقيل : ( أعمى ) عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه . وقيل ( أعمى ) عن كل شيء إلا عن جهنم . وقال الجبائي : المراد من حشره ( أعمى ) لا يهتدي إلى شيء . وقال إبراهيم بن عرفة : كل ما ذكره الله عز وجل في كتابه فذمه فإنما يريد عمى القلب قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .