ولما أمره تعالى بالصبر وبالتسبيح جاء النهي عن مد البصر إلى ما متع به الكفرة يقال : مد البصر إلى ما متع به [ ص: 291 ] الكفار ، يقال : مد نظره إليه إذا أدام النظر إليه ، والفكرة في جملته وتفصيله . قيل : والمعنى على هذا ولا تعجب يا محمد مما متعناهم به من مال وبنين ومنازل ومراكب وملابس ومطاعم ، فإنما ذلك كله كالزهرة التي لا بقاء لها ولا دوام ، وإنها عما قليل تفنى وتزول . والخطاب وإن كان في الظاهر للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد أمته هو كان صلى الله عليه وسلم أبعد شيء عن النظر في زينة الدنيا وأعلق بما عند الله من كل أحد ، وهو القائل في الدنيا ( ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله ) وكان شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها ( ولا تمدن ) أبلغ من لا تنظر لأن مد البصر يقتضي الإدامة والاستحسان بخلاف النظر ، فإنه قد لا يكون ذلك معه والعين لا تمد فهو على حذف مضاف أي ( لا تمدن ) نظر ( عينيك ) والنظر غير الممدد معفو عنه . وذلك مثل من فاجأ الشيء ثم غض بصره . والنظر إلى الزخارف مركوز في الطبائع فمن رأى منها شيئا أحب إدمان النظر إليه ، وقد شدد المتقون في غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة مركوبا وملبوسا وغيرهما لأنهم إنما اتخذوها لعيون النظارة حتى يفتخروا بها ، فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها . وانتصب ( أزواجا ) على أنه مفعول به ، والمعنى أصنافا من الكفرة و ( منهم ) في موضع الصفة لأزواجا أي أصنافا وأقواما من الكفرة . كما قال : ( وآخر من شكله أزواج ) .
وأجاز أن ينتصب ( أزواجا ) عن الحال من ضمير ( به ) و ( متعنا ) مفعوله منهم كأنه قيل إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم ، وناسا منهم . و ( زهرة ) منصوب على الذم أو مفعول ثان لمتعنا على تضمينه معنى أعطينا أو بدل من محل الجار والمجرور ، أو بدل من ( أزواجا ) على تقدير ذوي زهرة ، أو جعلهم ( زهرة ) على المبالغة أو منصوب بفعل محذوف يدل عليه ( متعنا ) أي جعلنا لهم ( زهرة ) أو حال من الهاء ، أو ما على تقدير حذف التنوين من ( زهرة ) لالتقاء الساكنين وخبر ( الحياة ) على البدل من ( ما ) وكل هذه الأعاريب منقول والأخير اختاره الزمخشري ، ورد كونه بدلا من محل ( ما ) لأن فيه الفصل بالبدل بين الصلاة وهي ( متعنا ) ومعمولها وهو ( لنفتنهم ) فالبدل وهو ( زهرة ) . مكي