(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=68أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=69أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=73وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=74وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=75ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=77حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون ) .
ذكر تعالى توبيخهم على إعراضهم عن اتباع الحق والقول القرآن الذي أتى به
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أي أفلم يتفكروا فيما جاء به عن الله فيعلموا أنه المعجز الذي لا يمكن معارضته فيصدقوا به وبمن جاء به ، وبخهم ووقفهم على تدبره وأنهم بمكابرتهم ونظرهم الفاسد ، قال بعضهم : سحر ، وقال بعضهم : شعر ، وهو أعظم الدلائل الباقية على غابر الدهر قرعهم أولا بترك الانتفاع بالقرآن ثم ثانيا بأن ما جاءهم جاء آباءهم الأولين ، أي إرسال الرسل ليس بدعا ولا مستغربا بل جاءت الرسل الأمم قبلهم ، وعرفوا ذلك بالتواتر ونجاة من آمن واستئصال من كذب ، وآباؤهم
إسماعيل وأعقابه من
عدنان وقحطان ، وروي : لا تسبوا
مضر ، ولا
ربيعة ، ولا
الحارث بن كعب ، ولا
أسد بن خزيمة ، و لا
تميم بن مرة ، ولا
قسا ، وذكر أنهم كانوا مسلمين وأن
تبعا كان مسلما وكان على شرطه
سليمان بن داود [ ص: 414 ] وبخهم ثالثا بأنهم يعرفون
محمدا - صلى الله عليه وسلم - وصحة نسبه وحلوله في سطة
هاشم وأمانته وصدقه وشهامته وعقله واتسامه بأنه خير فتيان
قريش ، وكفى بخطبة
أبي طالب حين تزوج
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة وأنها احتوت على صفات له طرقت آذان
قريش ، فلم تنكر منها شيئا أي قد سبقت معرفتهم له جملة وتفصيلا ، فلا يمكن إنكار شيء من أوصافه .
ثم وبخهم رابعا بأنهم نسبوه إلى الجن وقد علموا أنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا ، وأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين كلام ذي الجنة غير خاف على من له مسكة من عقل ، وهذه التوبيخات الأربع كان يقتضي ما وبخوا به منها أن يكون سببا لانقيادهم إلى الحق ; لأن التدبير لما جاء به والنظر في سير الماضين وإرسال الرسل إليهم ومعرفة الرسول ذاتا وأوصافا وبراءته من الجنون هاد لمن وفقه الله للهداية ، ولكنه جاءهم بما حال بينهم وبين أهوائهم ولم يوافق ما نشئوا عليه من اتباع الباطل ، ولما لم يجدوا له مدفعا ; لأنه الحق عاملوا بالبهت وعولوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70بل جاءهم بالحق ) أي بالقرآن المشتمل على التوحيد ، وما به النجاة في الآخرة والسؤدد في الدنيا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70وأكثرهم للحق كارهون ) يدل على أن فيهم من لا يكره الحق وذلك من يترك الإيمان أنفة واستكبارا من توبيخ قومه أن يقولوا : صبأ وترك دين آبائه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71ولو اتبع الحق أهواءهم ) ، قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71ولو اتبع ) بضم الواو ، والظاهر أنه ( الحق ) الذي ذكر قبل في قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70بل جاءهم بالحق ) أي لو كان ما جاء به الرسول من الإسلام والتوحيد متبعا أهواءهم لانقلب شرا وجاء الله بالقيامة وأهلك العالم ولم يؤخر ، قال معناه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وبعضه بلفظه . وقال أيضا : دل بهذا على عظم شأن الحق ، فلو اتبع أهواءهم لانقلب باطلا ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى له بعده قوام . وقيل : لو كان ما جاء به الرسول بحكم هوى هؤلاء من اتخاذ شريك لله وولد وكان ذلك حقا لم يكن لله الصفات العلية ولم تكن له القدرة كما هي ، وكان في ذلك فساد السماوات والأرض . وقيل : كانوا يرون الحق في اتخاذ الآلهة مع الله لكنه لو صح ذلك لوقع الفساد في السماوات والأرض على ما قرر في دليل التمانع في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ، وقيل : كانت آراؤهم متناقضة ; فلو اتبع الحق أهواءهم لوقع التناقض واختل نظام العالم . وقال
قتادة ( الحق ) هنا الله تعالى .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : معناه ولو كان الله يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلها ، ولما قدر على أن يمسك السماوات والأرض . وقال
ابن عطية : ومن قال : إن ( الحق ) في الآية هو الله تعالى ، وكان قد حكاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وأبي صالح ، تشعب له لفظة ( اتبع ) وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية ; لأن لفظة الاتباع إنما هي استعارة بمعنى أن يكون أهواؤهم يقررها الحق ، فنحن نجد الله تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم وليس في ذلك فساد سماوات ، وأما نفسه الذي هو الصواب ، فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله ، انتهى .
وقرأ الجمهور : بنون العظمة ،
وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويونس ، عن
أبي عمرو بياء المتكلم ،
وابن أبي إسحاق وعيسى أيضا
وأبو البرهسم وأبو حيوة والجحدري وابن قطيب وأبو رجاء بتاء الخطاب للرسول - عليه السلام -
وأبو عمرو في رواية ( آتيناهم ) بالمد ، أي أعطيناهم ، والجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71بذكرهم ) أي بوعظهم والبيان لهم ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقرأ
عيسى " بذكراهم " بألف التأنيث ، و
قتادة " نذكرهم " بالنون مضارع ذكر ونسبة الإتيان الحقيقي إلى الله لا تصح ، وإنما هو مجاز أي بل آتاهم كتابنا أو رسولنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71بذكرهم ) أي بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم وفخرهم أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أم تسألهم خرجا ) هذا استفهام توبيخ
[ ص: 415 ] أيضا المعنى بل أتسألهم مالا فغلبوا لذلك واستثقلوك من أجله ; قاله
ابن عطية وخطب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأحسن كلام فقال ( أم تسألهم ) على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق ، والكثير من عطاء الخالق خير ، فقد ألزمهم الحجة في هذه الآيات ، وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره وعلنه ، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم ، وأنه لم يعرض له حتى يدعي مثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل ، واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان ، وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر ، انتهى .
وتقدم الكلام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72خرجا فخراج ) في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=94فهل نجعل لك خرجا ) في الكهف قراءة ومدلولا . وقرأ
الحسن وعيسى ( خراجا فخرج ) فكملت بهذه القراءة أربع قراءات ، وفي الحرفين (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72فخراج ربك ) أي ثوابه ; لأنه الباقي وما يؤخذ من غيره فان . وقال
الكلبي : فعطاؤه ; لأنه يعطي لا لحاجة وغيره يعطي لحاجة . وقيل : فرزقه ويؤيده ( خير الرازقين ) . قال
الجبائي : ( خير الرازقين ) دل على أنه لا يساويه أحد في الإفضال على عباده ، ودل على أن العباد قد يرزق بعضهم بعضا ، انتهى . وهذا مدلول ( خير ) الذي هو أفعل التفضيل ، ومدلول ( الرازقين ) الذي هو جمع أضيف إليه أفعل التفضيل .
ولما زيف طريقة الكفار أتبع ذلك ببيان صحة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=73وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ) ، وهو دين الإسلام ، ثم أخبر أن من أنكر المعاد ناكب عن هذا الصراط ; لأنه لا يسلكه إلا من كان راجيا للثواب خائفا من العقاب ، وهؤلاء غير مصدقين بالجزاء فهم مائلون عنه ، وأبعد من زعم أن الصراط الذي هم ناكبون عنه هو طريق الجنة في الآخرة ، ومن زعم أن الصراط هو في الآخرة ناكبون عنه بأخذهم يمنة ويسرة إلى النار . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=74لناكبون ) لعادلون . وقال
الحسن : تاركون له . وقال
قتادة : حائرون . وقال
الكلبي : معرضون ، وهذه أقوال متقاربة المعنى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=75ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ) قيل : هو الجوع . وقيل : القتل والسبي . وقيل : عذاب الآخرة ، أي بلغوا من التمرد والعناد أنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لشدة لجاجهم فيما هم عليه من البعد ، وهذا القول بعيد ; بل الظاهر أن هذا التعليق كان يكون في الدنيا ويدل على ذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76ولقد أخذناهم بالعذاب ) إلى آخر الآية ، استشهد على شدة شكيمتهم في الكفر ولجاجهم على تقدير رحمته لهم بأنه أخذهم بالسيوف أولا ، وبما جرى عليهم يوم
بدر من قتل صناديدهم وأسرهم ، فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل فأبلسوا وخضعت رقابهم . والظاهر من هذا أن الضمير هو القحط والجوع الذي أصابهم بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج .
وسبب نزول الآية دليل على ذلك ،
روي أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة من أهل مكة ، فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : أنشدك الله والرحم ، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : " بلى " فقال : قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فنزلت الآية . والمعنى لو كشف الله عنهم هذا الضر ، وهو الهزال والقحط الذي أصابهم ووجدوا الخصب ، لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وإفراطهم فيها . وقيل : المعنى لو امتحناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رئي فيهم استكانة ولا انقياد حتى إذا عذبوا بنار جهنم أبلسوا ، كقوله
[ ص: 416 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=12ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=75لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) فعلى هذا القول يكون الفتح لباب العذاب الشديد في الآخرة ، وعلى الأول كان في الدنيا .
ووزن استكان استفعل أي انتقل من كون إلى كون كما تقول : استحال انتقل من حال إلى حال ، وقول من زعم أن استكان افتعل من السكون وأن الألف إشباع ضعيف ; لأن الإشباع بابه الشعر كقوله :
أعوذ بالله من العقراب الشائلات عقد الأذناب
; ولأن الإشباع لا يكون في تصاريف الكلمة ، ألا ترى أن من أشبع في قوله :
ومن ذم الزمان بمنتزاح
لا تقول انتزاح ينتزيح فهو منتزيح ، وأنت تقول : استكان يستكين فهو مستكين ومستكان ، ومجيء مصدره استكانة يدل على أن الفعل وزنه استفعل كاستقام استقامة ، وتخالف ( استكانوا ) و ( يتضرعون ) في الصيغة فلم يكونا ماضيين ولا مضارعين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لأن المعنى محناهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما من عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد .
والمبلس : الآيس من الشر الذي ناله . وقرأ السلمي : ( مبلسون ) بفتح اللام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=68أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=69أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=73وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=74وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=75وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=77حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) .
ذَكَرَ تَعَالَى تَوْبِيخَهُمْ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْقَوْلِ الْقُرْآنِ الَّذِي أَتَى بِهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَيْ أَفَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ فَيَعْلَمُوا أَنَّهُ الْمُعْجِزُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ فَيُصَدِّقُوا بِهِ وَبِمَنْ جَاءَ بِهِ ، وَبَّخَهُمْ وَوَقَفَهُمْ عَلَى تَدَبُّرِهِ وَأَنَّهُمْ بِمُكَابَرَتِهِمْ وَنَظَرِهِمُ الْفَاسِدِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : سِحْرٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : شِعْرٌ ، وَهُوَ أَعْظَمُ الدَّلَائِلِ الْبَاقِيَةِ عَلَى غَابِرِ الدَّهْرِ قَرَّعَهُمْ أَوَّلًا بِتَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ ثَانِيًا بِأَنَّ مَا جَاءَهُمْ جَاءَ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ، أَيْ إِرْسَالُ الرُّسُلِ لَيْسَ بِدْعًا وَلَا مُسْتَغْرَبًا بَلْ جَاءَتِ الرُّسُلُ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ ، وَعَرَفُوا ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ وَنَجَاةِ مَنْ آمَنَ وَاسْتِئْصَالِ مَنْ كَذَّبَ ، وَآبَاؤُهُمْ
إِسْمَاعِيلُ وَأَعْقَابُهُ مِنْ
عَدْنَانَ وَقَحْطَانَ ، وَرُوِيَ : لَا تَسُبُّوا
مُضَرَ ، وَلَا
رَبِيعَةَ ، وَلَا
الْحَارِثَ بْنَ كَعْبٍ ، وَلَا
أَسَدَ بْنَ خُزَيْمَةَ ، وَ لَا
تَمِيمَ بْنَ مُرَّةَ ، وَلَا
قُسًّا ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَأَنَّ
تُبَّعًا كَانَ مُسْلِمًا وَكَانَ عَلَى شُرَطِهِ
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ [ ص: 414 ] وَبَّخَهُمْ ثَالِثًا بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِحَّةَ نَسَبِهِ وَحُلُولَهُ فِي سِطَةِ
هَاشِمٍ وَأَمَانَتَهُ وَصِدْقَهُ وَشَهَامَتَهُ وَعَقْلَهُ وَاتِّسَامَهُ بِأَنَّهُ خَيْرُ فِتْيَانِ
قُرَيْشٍ ، وَكَفَى بِخُطْبَةِ
أَبِي طَالِبٍ حِينَ تَزَوَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ وَأَنَّهَا احْتَوَتْ عَلَى صِفَاتٍ لَهُ طَرَقَتْ آذَانَ
قُرَيْشٍ ، فَلَمْ تُنْكِرْ مِنْهَا شَيْئًا أَيْ قَدْ سَبَقَتْ مَعْرِفَتُهُمْ لَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا ، فَلَا يُمْكِنُ إِنْكَارُ شَيْءٍ مِنْ أَوْصَافِهِ .
ثُمَّ وَبَّخَهُمْ رَابِعًا بِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إِلَى الْجِنِّ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ أَرْجَحُهُمْ عَقْلًا وَأَثْقَبُهُمْ ذِهْنًا ، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَبَيْنَ كَلَامِ ذِي الْجِنَّةِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ ، وَهَذِهِ التَّوْبِيخَاتُ الْأَرْبَعُ كَانَ يَقْتَضِي مَا وُبِّخُوا بِهِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِانْقِيَادِهِمْ إِلَى الْحَقِّ ; لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لِمَا جَاءَ بِهِ وَالنَّظَرَ فِي سِيَرِ الْمَاضِينَ وَإِرْسَالَ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَمَعْرِفَةَ الرَّسُولِ ذَاتًا وَأَوْصَافًا وَبَرَاءَتَهُ مِنَ الْجُنُونِ هَادٍ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْهِدَايَةِ ، وَلَكِنَّهُ جَاءَهُمْ بِمَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْوَائِهِمْ وَلَمْ يُوَافِقْ مَا نَشَئُوا عَلَيْهِ مِنِ اتِّبَاعِ الْبَاطِلِ ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا لَهُ مَدْفَعًا ; لِأَنَّهُ الْحَقُّ عَامَلُوا بِالْبُهْتِ وَعَوَّلُوا عَلَى الْكَذِبِ مِنَ النِّسْبَةِ إِلَى الْجُنُونِ وَالسِّحْرِ وَالشِّعْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ ) أَيْ بِالْقُرْآنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَمَا بِهِ النَّجَاةُ فِي الْآخِرَةِ وَالسُّؤْدُدُ فِي الدُّنْيَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَكْرَهُ الْحَقَّ وَذَلِكَ مَنْ يَتْرُكُ الْإِيمَانَ أَنَفَةً وَاسْتِكْبَارًا مِنْ تَوْبِيخِ قَوْمِهِ أَنْ يَقُولُوا : صَبَأَ وَتَرَكَ دِينَ آبَائِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ) ، قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنُ وَثَّابٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71وَلَوُ اتَّبَعَ ) بِضَمِّ الْوَاوِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ( الْحَقُّ ) الَّذِي ذُكِرَ قَبْلُ فِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ ) أَيْ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالتَّوْحِيدِ مُتَّبِعًا أَهْوَاءَهُمْ لَانْقَلَبَ شَرًّا وَجَاءَ اللَّهُ بِالْقِيَامَةِ وَأَهْلَكَ الْعَالَمَ وَلَمْ يُؤَخِّرْ ، قَالَ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَبَعْضَهُ بِلَفْظِهِ . وَقَالَ أَيْضًا : دَلَّ بِهَذَا عَلَى عِظَمِ شَأْنِ الْحَقِّ ، فَلَوِ اتَّبَعَ أَهْوَاءَهُمْ لَانْقَلَبَ بَاطِلًا وَلَذَهَبَ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَالَمُ فَلَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَهُ قِوَامٌ . وَقِيلَ : لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ بِحُكْمِ هَوَى هَؤُلَاءِ مِنِ اتِّخَاذِ شَرِيكٍ لِلَّهِ وَوَلَدٍ وَكَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ الصِّفَاتُ الْعَلِيَّةُ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ الْقُدْرَةُ كَمَا هِيَ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وَقِيلَ : كَانُوا يَرَوْنَ الْحَقَّ فِي اتِّخَاذِ الْآلِهَةِ مَعَ اللَّهِ لَكِنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَوَقَعَ الْفَسَادُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي دَلِيلِ التَّمَانُعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) ، وَقِيلَ : كَانَتْ آرَاؤُهُمْ مُتَنَاقِضَةً ; فَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَوَقَعَ التَّنَاقُضُ وَاخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ ( الْحَقُّ ) هُنَا اللَّهُ تَعَالَى .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مَعْنَاهُ وَلَوْ كَانَ اللَّهُ يَتَّبِعُ أَهْوَاءَهُمْ وَيَأْمُرُ بِالشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي لَمَا كَانَ إِلَهًا ، وَلَمَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَمَنْ قَالَ : إِنَّ ( الْحَقَّ ) فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَانَ قَدْ حَكَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي صَالِحٍ ، تَشَعَّبَ لَهُ لَفْظَةُ ( اتَّبَعَ ) وَصَعُبَ عَلَيْهِ تَرْتِيبُ الْفَسَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّ لَفْظَةَ الِاتِّبَاعِ إِنَّمَا هِيَ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ أَهْوَاؤُهُمْ يُقَرِّرُهَا الْحَقُّ ، فَنَحْنُ نَجِدُ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَرَّرَ كُفْرَ أُمَمٍ وَأَهْوَاءَهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ سَمَاوَاتٍ ، وَأَمَّا نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ ، فَلَوْ كَانَ طِبْقَ أَهْوَائِهِمْ لَفَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ فَتَأَمَّلْهُ ، انْتَهَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِنُونِ الْعَظَمَةِ ،
وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى بْنُ عَمَرَ وَيُونُسُ ، عَنْ
أَبِي عَمْرٍو بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ ،
وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى أَيْضًا
وَأَبُو الْبَرَهْسَمِ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ قُطَيْبٍ وَأَبُو رَجَاءٍ بِتَاءِ الْخِطَابِ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ ( آتَيْنَاهُمْ ) بِالْمَدِّ ، أَيْ أَعْطَيْنَاهُمْ ، وَالْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71بِذِكْرِهِمْ ) أَيْ بِوَعْظِهِمْ وَالْبَيَانِ لَهُمْ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَرَأَ
عِيسَى " بِذِكْرَاهُمْ " بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ ، وَ
قَتَادَةُ " نَذْكُرُهُمْ " بِالنُّونِ مُضَارِعُ ذَكَرَ وَنِسْبَةُ الْإِتْيَانِ الْحَقِيقِيِّ إِلَى اللَّهِ لَا تَصِحُّ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ أَيْ بَلْ آتَاهُمْ كِتَابُنَا أَوْ رَسُولُنَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71بِذِكْرِهِمْ ) أَيْ بِالْكِتَابِ الَّذِي هُوَ ذِكْرُهُمْ أَيْ وَعْظُهُمْ أَوْ صِيتُهُمْ وَفَخْرُهُمْ أَوْ بِالذِّكْرِ الَّذِي كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ وَيَقُولُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا ) هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ
[ ص: 415 ] أَيْضًا الْمَعْنَى بَلْ أَتَسْأَلُهُمْ مَالًا فَغُلِبُوا لِذَلِكَ وَاسْتَثْقَلُوكَ مِنْ أَجْلِهِ ; قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَخَطَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَحْسَنِ كَلَامٍ فَقَالَ ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ ) عَلَى هِدَايَتِكَ لَهُمْ قَلِيلًا مِنْ عَطَاءِ الْخَلْقِ ، وَالْكَثِيرُ مِنْ عَطَاءِ الْخَالِقِ خَيْرٌ ، فَقَدْ أَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ، وَقَطَعَ مَعَاذِيرَهُمْ وَعِلَلَهُمْ بِأَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ أَمْرُهُ وَحَالُهُ مَخْبُورٌ سِرُّهُ وَعَلَنُهُ ، خَلِيقٌ بِأَنْ يُجْتَبَى مِثْلُهُ لِلرِّسَالَةِ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيهِمْ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ حَتَّى يَدَّعِيَ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى الْعَظِيمَةِ بِبَاطِلٍ ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ سُلَّمًا إِلَى النَّيْلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَاسْتِعْطَاءِ أَمْوَالِهِمْ ، وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَّا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ مَعَ إِبْرَازِ الْمَكْنُونِ مِنْ أَدْوَائِهِمْ وَهُوَ إِخْلَالُهُمْ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ ، وَاسْتِهْتَارُهُمْ بِدِينِ الْآبَاءِ الضُّلَّالِ مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ ، وَتَعَلُّلُهُمْ بِأَنَّهُ مَجْنُونٌ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ وَثَبَاتِ التَّصْدِيقِ مِنَ اللَّهِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ النَّيِّرَةِ وَكَرَاهَتُهُمْ لِلْحَقِّ وَإِعْرَاضُهُمْ عَمَّا فِيهِ حَظُّهُمْ مِنَ الذِّكْرِ ، انْتَهَى .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72خَرْجًا فَخَرَاجُ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=94فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ) فِي الْكَهْفِ قِرَاءَةً وَمَدْلُولًا . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَعِيسَى ( خَرَاجًا فَخَرْجُ ) فَكَمُلَتْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ ، وَفِي الْحَرْفَيْنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72فَخَرَاجُ رَبِّكَ ) أَيْ ثَوَابُهُ ; لِأَنَّهُ الْبَاقِي وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهِ فَانٍ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : فَعَطَاؤُهُ ; لِأَنَّهُ يُعْطِي لَا لِحَاجَةٍ وَغَيْرُهُ يُعْطِي لِحَاجَةٍ . وَقِيلَ : فَرِزْقُهُ وَيُؤَيِّدُهُ ( خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) . قَالَ
الْجِبَائِيُّ : ( خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي الْإِفْضَالِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، انْتَهَى . وَهَذَا مَدْلُولُ ( خَيْرٍ ) الَّذِي هُوَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ ، وَمَدْلُولُ ( الرَّازِقِينَ ) الَّذِي هُوَ جَمْعٌ أُضِيفَ إِلَيْهِ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ .
وَلَمَّا زَيَّفَ طَرِيقَةَ الْكُفَّارِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِبَيَانِ صِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=73وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْمَعَادَ نَاكِبٌ عَنْ هَذَا الصِّرَاطِ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْلُكُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ رَاجِيًا لِلثَّوَابِ خَائِفًا مِنَ الْعِقَابِ ، وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ بِالْجَزَاءِ فَهُمْ مَائِلُونَ عَنْهُ ، وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصِّرَاطَ الَّذِي هُمْ نَاكِبُونَ عَنْهُ هُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصِّرَاطَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ نَاكِبُونَ عَنْهُ بِأَخْذِهِمْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إِلَى النَّارِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=74لَنَاكِبُونَ ) لَعَادِلُونَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : تَارِكُونَ لَهُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : حَائِرُونَ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : مُعْرِضُونَ ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=75وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ) قِيلَ : هُوَ الْجُوعُ . وَقِيلَ : الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ . وَقِيلَ : عَذَابُ الْآخِرَةِ ، أَيْ بَلَغُوا مِنَ التَّمَرُّدِ وَالْعِنَادِ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَعَادُوا لِشِدَّةِ لَجَاجِهِمْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبُعْدِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ بِعِيدٌ ; بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ كَانَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، اسْتَشْهَدَ عَلَى شِدَّةِ شَكِيمَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَلَجَاجِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ رَحْمَتِهِ لَهُمْ بِأَنَّهُ أَخَذَهُمْ بِالسُّيُوفِ أَوَّلًا ، وَبِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ يَوْمَ
بَدْرٍ مِنْ قَتْلِ صَنَادِيدِهِمْ وَأَسْرِهِمْ ، فَمَا وُجِدَتْ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِكَانَةٌ وَلَا تَضَرُّعٌ حَتَّى فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابَ الْجُوعِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ فَأُبْلِسُوا وَخَضَعَتْ رِقَابُهُمْ . وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ هُوَ الْقَحْطُ وَالْجُوعُ الَّذِي أَصَابَهُمْ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْن عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ .
وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ،
رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ وَلَحِقَ بِالْيَمَامَةِ مُنِعَ الْمِيرَةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِالسِّنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ؟ فَقَالَ : " بَلَى " فَقَالَ : قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ ، وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . وَالْمَعْنَى لَوْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الضُّرَّ ، وَهُوَ الْهُزَالُ وَالْقَحْطُ الَّذِي أَصَابَهُمْ وَوَجَدُوا الْخِصْبَ ، لَارْتَدُّوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِكْبَارِ وَعَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِفْرَاطِهِمْ فِيهَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَوِ امْتَحَنَّاهُمْ بِكُلِّ مِحْنَةٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجُوعِ فَمَا رُئِيَ فِيهِمِ اسْتِكَانَةٌ وَلَا انْقِيَادٌ حَتَّى إِذَا عُذِّبُوا بِنَارِ جَهَنَّمَ أُبْلِسُوا ، كَقَوْلِهِ
[ ص: 416 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=12وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=75لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْفَتْحُ لِبَابِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي الْآخِرَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَانَ فِي الدُّنْيَا .
وَوَزْنُ اسْتَكَانَ اسْتَفْعَلَ أَيِ انْتَقَلَ مِنْ كَوْنٍ إِلَى كَوْنٍ كَمَا تَقُولُ : اسْتَحَالَ انْتَقَلَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اسْتَكَانَ افْتَعَلَ مِنَ السُّكُونِ وَأَنَّ الْأَلِفَ إِشْبَاعٌ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ بَابُهُ الشِّعْرُ كَقَوْلِهِ :
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعَقْرَابِ الشَّائِلَاتِ عَقْدَ الْأَذْنَابِ
; وَلِأَنَّ الْإِشْبَاعَ لَا يَكُونُ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَشْبَعَ فِي قَوْلِهِ :
وَمِنْ ذَمِّ الزَّمَانِ بِمُنْتَزَاحِ
لَا تَقُولُ انْتِزَاحَ يَنْتَزِيحُ فَهُوَ مُنْتَزِيحٌ ، وَأَنْتَ تَقُولُ : اسْتَكَانَ يَسْتَكِينُ فَهُوَ مُسْتَكِينٌ وَمُسْتَكَانٌ ، وَمَجِيءُ مَصْدَرِهِ اسْتِكَانَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَزْنُهُ اسْتَفْعَلَ كَاسْتَقَامَ اسْتِقَامَةً ، وَتَخَالَفَ ( اسْتَكَانُوا ) وَ ( يَتَضَرَّعُونَ ) فِي الصِّيغَةِ فَلَمْ يَكُونَا مَاضِيَيْنِ وَلَا مُضَارِعَيْنِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لِأَنَّ الْمَعْنَى مَحَنَّاهُمْ فَمَا وُجِدَتْ مِنْهُمْ عَقِيبَ الْمِحْنَةِ اسْتِكَانَةٌ ، وَمَا مِنْ عَادَةِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَسْتَكِينُوا وَيَتَضَرَّعُوا حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْهِمْ بَابُ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ .
وَالْمُبْلِسُ : الْآيِسُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي نَالَهُ . وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ : ( مُبْلَسُونَ ) بِفَتْحِ اللَّامِ .