ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقال آخر :
إذا المرء أعطى نفسه كلما اشتهت ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجل
وقال حاتم :
إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم : ( يقترون ) بفتح الياء وضم التاء ، ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء . ونافع وابن عامر بضم الياء وكسر التاء مشددة ، وكلها لغات في التضييق . وأنكر أبو حاتم لغة أقتر رباعيا هنا . وقال أقتر إذا افتقر . ومنه ( وعلى المقتر قدره ) ، وغاب عنه ما حكاه وغيره : من أقتر بمعنى ضيق ، والقوام الاعتدال بين الحالتين . وقرأ الأصمعي حسان بن عبد الرحمن ( قواما ) ، بالكسر . فقيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : بالكسر ما يقام به الشيء ، يقال : أنت قوامنا بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص . وقيل : ( قواما ) بالكسر ، مبلغا وسدادا وملاك حال ، و ( بين ذلك ) و ( قواما ) يصح أن يكونا خبرين عند من يجيز تعداد خبر كان ، وأن يكون ( بين ) هو الخبر و ( قواما ) حال مؤكدة ، وأن يكون ( قواما ) خبرا ، و ( بين ذلك ) إما معمول لكان على مذهب من يرى أن كان الناقصة تعمل في الظرف ، وأن يكون حالا من ( قواما ) ; لأنه لو تأخر لكان صفة ، وأجاز الفراء أن يكون ( بين ذلك ) اسم ( كان ) وبني لإضافته إلى مبني ، كقوله : ( ومن خزي يومئذ ) في قراءة من فتح الميم و ( قواما ) الخبر .
قال : وهو من جهة الإعراب لا بأس به ، ولكن المعنى ليس بقوي ; لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة ، فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة ، انتهى . الزمخشري
وصفهم تعالى بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير ، وبمثله خوطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة ) الآية . ( والذين لا يدعون ) الآية ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود فقال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . قال : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " . قال : ثم أي ؟ قال : " أن أي الذنب أعظم ؟ " . فأنزل الله تصديقها ( تزاني حليلة جارك والذين لا يدعون ) الآية . وقيل : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركون قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ، أوتخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت إلى ( سأل غفورا رحيما ) . وقيل : سبب نزولها قصة وحشي في إسلامه في حديث طويل . قال : نفى هذه التقبيحات العظام عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدين ; للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم ، كأنه قيل : والذين برأهم الله وطهرهم [ ص: 515 ] مما أنتم عليه . وقال الزمخشري ابن عطية : إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان ، وقتلهم النفس بوأد البنات ، وغير ذلك من الظلم والاغتيال والغارات ، وبالزنا الذي كان عندهم مباحا ، انتهى . وتقدم تفسير نظير ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) في سورة الأنعام . وقرئ ( يلق ) بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة ، وابن مسعود وأبو رجاء يلقى بألف ، كأن نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقر الألف . والأثام في اللغة العقاب ، وهو جزاء الإثم . قال الشاعر :
جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له أثام
أي : حد وعقوبة ، وبه فسره قتادة وابن زيد . وقال عبد الله بن عمرو ومجاهد وعكرمة : أثام واد في جهنم هذا اسمه ، جعله الله عقابا للكفرة . وقال وابن جبير أبو مسلم : الأثام الإثم ، ومعناه ( يلق ) جزاء أثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه . وقال الحسن : الأثام اسم من أسماء جهنم . وقيل : بئر فيها . وقيل : جبل . وقرأ : يلق أياما ، جمع يوم يعني شدائد . يقال : يوم ذو أيام لليوم العصيب . وذلك في قوله : ( ابن مسعود ومن يفعل ذلك ) يظهر أنه إشارة إلى المجموع من دعاء إله وقتل النفس بغير حق والزنا ، فيكون التضعيف مرتبا على مجموع هذه المعاصي ، ولا يلزم ذلك التضعيف على كل واحد منها . ولا شك أن عذاب الكفار يتفاوت بحسب جرائمهم .
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة ( والكسائي يضاعف له العذاب ) مبنيا للمفعول وبألف ( ويخلد ) مبنيا للفاعل . والحسن وأبو جعفر وابن كثير كذلك ، إلا أنهم شددوا العين وطرحوا الألف . وقرأ أبو جعفر أيضا وشيبة وطلحة بن سليمان ( نضعف ) بالنون مضمومة وكسر العين مشددة ، ( العذاب ) نصب . ( يضاعف ) بالياء مبنيا للفاعل ، ( العذاب ) نصب . وقرأ وطلحة بن مصرف طلحة بن سليمان ( وتخلد ) بتاء الخطاب على الالتفات مرفوعا ، أي : وتخلد أيها الكافر . وقرأ أبو حيوة ( ويخلد ) مبنيا للمفعول ، مشدد اللام مجزوما . ورويت عن أبي عمرو وعنه كذلك مخففا . وقرأ أبو بكر عن عاصم ( يضاعف ) ( ويخلد ) بالرفع عنهما ، وكذا ابن عامر والمفضل عن عاصم ( يضاعف ) ( ويخلد ) مبنيا للمفعول مرفوعا مخففا . بضم الياء مبنيا للمفعول مرفوعا مخففا . والأعمش بضم الياء مبنيا للمفعول مشددا مرفوعا ، فالرفع على الاستئناف أو الحال ، والجزم على البدل من ( يلق ) . كما قال الشاعر : والأعمش
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
والضمير في ( فيه ) عائد على العذاب ، والظاهر أن توبة المسلم القاتل النفس بغير حق مقبولة ، خلافا ، وتقدم ذلك في النساء ، وتبديل سيئاتهم حسنات هو جعل أعمالهم بدل معاصيهم الأول طاعة ويكون ذلك سبب رحمة الله إياهم ; قاله لابن عباس وابن جبير ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد ، وردوا على من قال هو في يوم القيامة . وقال : السيئة بعينها لا تصير حسنة ، ولكن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يحبط عمله وتثبت عليه السيئات . وتأول الزجاج ابن مسيب ومكحول أن ذلك يوم القيامة وهو بمعنى كرم العفو . وفي كتاب مسلم إن الله يبدل يوم القيامة لمن يريد المغفرة له من الموحدين بدل سيئات حسنات . وقالا : تمحى السيئة ويثبت بدلها حسنة . وقال القفال والقاضي : يبدل العقاب بالثواب ، فذكرهما وأراد ما يستحق بهما .
( إلا من تاب ) استثناء متصل من الجنس ، ولا يظهر ; لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه ( يضاعف له العذاب ) ، فيصير التقدير ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) فلا يضاعف له العذاب . ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف ، فالأولى عندي أن يكون استثناء منقطعا ، أي : لكن من تاب وآمن وعمل صالحا ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) وإذا كان كذلك فلا يلقى عذابا ألبتة ، و ( سيئاتهم ) هو المفعول الثاني ، وهو أصله أن [ ص: 516 ] يكون مقيدا بحرف الجر ، أي : بسيئاتهم . و ( حسنات ) هو المفعول الأول ، وهو المصرح كما قال تعالى ( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ) . وقال الشاعر :
تضحك مني أخت ذات النحيين أبدلك الله بلون لونين
سواد وجه وبياض عينين
الظاهر أن ( ومن تاب ) أي : أنشأ التوبة ، فإنه يتوب إلى الله أي يرجع إلى ثوابه وإحسانه . قال ابن عطية : ( ومن تاب ) فإنه قد تمسك بأمر وثيق . كما تقول لمن يستحسن قوله في أمر : لقد قلت يا فلان قولا ، فكذلك الآية معناها مدح المتاب ، كأنه قال : فإنه يجد الفرج والمغفرة عظيما . وقال : ومن يترك المعاصي ويندم عليها ويدخل في العمل الصالح ، فإنه بذلك تائب إلى الله الذي يعرف حق التائبين ، ويفعل بهم ما يستوجبون ، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين . وقيل : من عزم على التوبة فإنه يتوب إلى الله فليبادر إليها ويتوجه بها إلى الله . وقيل : ( من تاب ) من ذنوبه ، فإنه يتوب إلى من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات . وقيل : ( ومن تاب ) استقام على التوبة فإنه يتوب إلى الله ، أي : فهو التائب حقا عند الله . الزمخشري
( والذين لا يشهدون الزور ) عاد إلى ذكر أوصاف عباد الرحمن ، والظاهر أن المعنى لا يشهدون بالزور أو شهادة الزور ; قاله علي ، فهو من الشهادة . وقيل : المعنى لا يحضرون من المشاهدة ، والزور الشرك والصنم أو الكذب أو آلة الغناء أو أعياد النصارى ، أو لعبة كانت في الجاهلية أو النوح أو مجالس يعاب فيها الصالحون ، أقوال . فالشرك قاله والباقر الضحاك وابن زيد ، والغناء قاله مجاهد ، والكذب قاله . وفي الكشاف عن ابن جريج قتادة مجالس الباطل . وعن : اللهو والغناء . وعن ابن الحنفية مجاهد : أعياد المشركين واللغو كل ما ينبغي أن يلغى ويطرح . والمعنى ( وإذا مروا ) بأهل اللغو ( مروا ) معرضين عنهم مكرمين أنفسهم عن التوقف عليهم والخوض معهم ; لقوله : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) ، انتهى .
( بآيات ربهم ) هي القرآن . ( لم يخروا عليها صما وعميانا ) النفي متوجه إلى القيد الذي هو صم وعميان لا للخرور الداخل عليه ، وهذا الأكثر في لسان العرب أن النفي يتسلط على القيد ، والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها بآذان واعية وأعين راعية ، بخلاف غيرهم من المنافقين وأشباههم ، فإنهم إذا ذكروا بها كانوا مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها في ظاهر الأمر ، وكانوا ( صما وعميانا ) حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها . قال ابن عطية : بل يكون خرورهم سجدا وبكيا ، كما تقول : لم يخرج زيد إلى الحرب جزعا ، أي : إنما خرج جريئا معدما ، وكان المسمع المذكر قائم القناة قويم الأمر ، فإذا أعرض كان ذلك خرورا وهو السقوط على غير نظام وترتيب ، وإن كان قد أشبه الذي يخر ساجدا لكن أصله أنه على غير ترتيب ، انتهى . وقال : ( السدي لم يخروا ) ( صما وعميانا ) هي صفة للكفار ، وهي عبارة عن إعراضهم وجهدهم في ذلك . وقرن ذلك بقولك : قعد فلان يتمنى ، وقام فلان يبكي ، وأنت لم تقصد الإخبار بقعود ولا قيام ، وإنما هي توطئات في الكلام والعبارة .
( قرة أعين ) كناية عن السرور والفرح ، وهو مأخوذ من القر وهو البرد . يقال : دمع السرور بارد ، ودمع الحزن سخن ، ويقال : أقر الله عينك ، وأسخن الله عين العدو . وقال أبو تمام :
فأما عيون العاشقين فأسخنت وأما عيون الشامتين فقرت
وقيل : هو مأخوذ من القرار ، أي : يقر النظر به ولا ينظر إلى غيره . وقال أبو عمرو : وقرة العين النوم ، أي : آمنا ; لأن الأمن لا يأتي مع الخوف ; حكاه القفال ، وقرة العين فيمن ذكروا رؤيتهم مطيعين لله [ ص: 517 ] قاله ابن عباس والحسن وحضرمي ، كانوا في أول الإسلام يهتدي الأب والابن كافر ، والزوج والزوجة كافرة ، وكانت قرة عيونهم في إيمان أحبابهم . وقال : قرة عين الولد أن تراه يكتب الفقه والظاهر أنهم دعوا بذلك ليجابوا في الدنيا فيسروا بهم . وقيل : سألوا أن يلحق الله بهم أولئك في الجنة ليتم لهم سرورهم ، انتهى . ويتضمن هذا القول الأول الذي هو في الدنيا ; لأن ذلك نتيجة إيمانهم في الدنيا . ومن الظاهر أنها لابتداء الغاية ، أي : ( ابن عباس هب لنا ) من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وصلاح ، وجوز أن تكون للبيان ; قاله ، قال : كأنه قيل : ( الزمخشري هب لنا ) ( قرة أعين ) ، ثم بينت القرة ، وفسرت بقوله : ( من أزواجنا وذرياتنا ) ، ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين من قولك : رأيت منك أسدا ، أي : أنت أسد ، انتهى . وتقدم لنا أن من التي لبيان الجنس لا بد أن تتقدم المبين . ثم يأتي بمن البيانية وهذا على مذهب من أثبت أنها تكون لبيان الجنس . والصحيح أن هذا المعنى ليس بثابت لمن .
وقرأ ابن عامر ، والحرميان ، وحفص " وذرياتنا " على الجمع ، وباقي السبعة ، وطلحة على الإفراد . وقرأ عبد الله ، وأبو الدرداء ، ، ( قرات ) على الجمع ، والجمهور على الإفراد . ونكرت القرة لتنكير الأعين ، كأنه قال هب لنا منهم سرورا وفرحا ، وجاء أعين بصيغة جمع القلة دون عيون الذي هو صيغة جمع الكثرة ; لأنه أريد أعين المتقين ، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم ; قاله وأبو هريرة . وليس بجيد ; لأن ( أعين ) تنطلق على العشرة فما دونه من الجمع ، والمتقون ليست أعينهم عشرة بل هي عيون كثيرة جدا ، وإن كانت عيونهم قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم ، فهي من الكثرة بحيث تفوت العد . وأفرد ( إماما ) إما اكتفاء بالواحد عن الجمع ، وحسنه كونه فاصلة ويدل على الجنس ، ولا لبس ، وإما لأن المعنى واجعل كل واحد ( إماما ) ، وإما أن يكون جمع آم كحال وحلال ، وإما لاتحادهم واتفاق كلمتهم ، قالوا : واجعلنا إماما واحدا ، دعوا الله أن يكونوا قدوة في الدين ولم يطلبوا الرئاسة ; قاله الزمخشري النخعي . وقيل : في الآية ما يدل على أن الرئاسة في الدين يجب أن تطلب . ونزلت في العشرة المبشرين بالجنة .
( أولئك ) إشارة إلى الموصوفين بهذه الصفات العشرة . و ( الغرفة ) اسم معرف بأل فيعم ، أي : الغرف ، كما جاء ( وهم في الغرفات آمنون ) وهي العلالي . قال : وهي بيوت من زبرجد ودر وياقوت . وقيل الغرفة من أسماء الجنة . وقيل : السماء السابعة غرفة . وقيل : هي أعلى منازل الجنة . وقيل : المراد العلو في الدرجات ، والباء في ( ابن عباس بما صبروا ) للسبب . وقيل : للبدل ، أي : بدل صبرهم كما قال : فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ، أي : فليت لي بدلهم قوما ، ولم يذكر متعلق الصبر مخصصا ليعم جميع متعلقاته . وقرأ الحسن ، وشيبة ، وأبو جعفر ، والحرميان ، وأبو عمرو ، وأبو بكر : ( ويلقون ) ، بضم الياء ، وفتح اللام ، والقاف مشددة . وقرأ طلحة ، ومحمد اليماني ، وباقي السبعة ، بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، والتحية دعاء بالتعمير ، والسلام دعاء بالسلامة ، أي : تحييهم الملائكة ، أو يحيي بعضهم بعضا . وقيل : يحيون بالتحف ، جمع لهم بين المنافع والتعظيم . ( حسنت مستقرا ومقاما ) معادل لقوله في جهنم : ( ساءت مستقرا ومقاما ) .
ولما وصف عباده العباد وعدد ما لهم من صالح الأعمال أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يصرح للناس بأن لا اكتراث لهم عند ربهم إنما هو العبادة والدعاء في قوله : ( لولا دعاؤكم ) ، هو العبادة ، والظاهر أن ( ما ) نفي ، أي : ليس ( يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) ، ويجوز أن تكون استفهامية فيها معنى النفي ، أي : أي عبء يعبأ بكم ؟ و ( دعاؤكم ) مصدر أضيف إلى الفاعل ، أي : لولا عبادتكم إياه ، أي : لولا دعاؤكم وتضرعكم إليه أو ما يعبأ بتعذيبكم لولا دعاؤكم الأصنام آلهة . وقيل : أضيف إلى المفعول ، أي : لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته . والذي يظهر أن قوله : ( قل ما يعبأ بكم ) خطاب لكفار قريش القائلين [ ص: 518 ] نسجد لما تأمرنا ، أي : لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إياه في الشدائد .
( فقد كذبتم ) بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتستحقون العقاب ( فسوف يكون ) العقاب ، وهو ما أنتجه تكذيبكم ، ونفس لهم في حلوله بلفظة ( فسوف يكون لزاما ) أي : لازما لهم لا ينفكون منه . وقرأ عبد الله ، ، وابن عباس وابن الزبير : فقد كذب الكافرون ، وهو محمول على أنه تفسير لا قرآن ، والأكثرون على أن اللزام هنا هو يوم بدر ، وهو قول ابن مسعود وأبي . وقيل : عذاب الآخرة . وقيل : الموت ، ولا يحمل على الموت المعتاد بل القتل ببدر . وقيل : التقدير ( فسوف يكون ) هو ، أي : العذاب ، وقد صرح به من قرأ ( فسوف يكون العذاب لزاما ) ، والوجه أن يترك اسم كان غير منطوق به بعدما علم أنه مما توعد به لأجل الإبهام ، وتناول ما لا يكتنهه الوصف . وعن ( ابن عباس فسوف يكون ) هو ، أي : التكذيب ، ( لزاما ) ، أي : لازما لكم لا تعطون توبة ، ذكره الزهراوي . قال : والخطاب إلى الناس على الإطلاق ، ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون ، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب ، ( الزمخشري فقد كذبتم ) يقول : إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد إلا بعبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار . ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن عصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمري ، فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . وقرأ : " فسوف تكون " بتاء التأنيث ، أي : فسوف تكون العاقبة ، وقرأ الجمهور ( لزاما ) بكسر اللام . وقرأ ابن جريج المنهال ، وأبان بن ثعلب ، وأبو السمال ، بفتحها مصدر ، يقول : لزم لزوما ولزاما ، مثل ثبت ثبوتا وثباتا . وأنشد أبو عبيدة على كسر اللام لصخر الغي :
فإما ينجوا من حتف أرض فقد لقيا حتوفهما لزاما
ونقل ابن خالويه عن أبي السمال أنه قرأ لزام على وزن حذام ، جعله مصدرا معدولا عن اللزمة كفجار معدول عن الفجرة .