( أما من استغنى ) ظاهره من كان ذا ثروة وغنى . وقال الكلبي : عن الله . وقيل : عن الإيمان بالله . قيل : وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة ، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل : وأما من جاءك فقيرا حقيرا . وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، و قتادة ، ، والأعرج وعيسى ، وجمهور السبعة : ( تصدى ) بخف الصاد ، وأصله يتصدى فحذف ، والحرميان : بشدها ، أدغم التاء في الصاد ، والأعمش وأبو جعفر : تصدى ، بضم التاء وتخفيف الصاد ، أي يصدك حرصك على إسلامه . يقال : تصدى الرجل وصديته ، وهذا المستغني هو الوليد ، أو أمية ، أو عتبة وشيبة ، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول ، أقوال . قال القرطبي : وهذا كله غلط من المفسرين ، لأن أمية والوليد كانا بمكة ، كان وابن أم مكتوم بالمدينة ما حضر معهما ، وماتا كافرين ، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ، ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد . انتهى . والغلط من القرطبي ، كيف ينفي حضور معهما ؟ وهو وهم منه ، وكلهم من ابن أم مكتوم قريش ، وكان بها : والسورة كلها مكية بالإجماع ، وكيف يقول : ابن أم مكتوم وابن أم مكتوم بالمدينة ؟ كان أولا بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية ، هو وابن أم مكتوم عبد الله بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري ، من بني عامر بن لؤي ، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة ، وهو ابن خال رضي الله عنها . خديجة
[ ص: 428 ] ( وما عليك ألا يزكى ) تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به ، أي : وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر ؟ ( وأما من جاءك يسعى ) أي يمشي بسرعة في أمر دينه ( وهو يخشى ) أي يخاف الله ، أو يخاف الكفار وأذاهم ، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى ، وقد جاء بلا قائد يقوده ( تلهى ) تشتغل ، يقال : لها عن الشيء يلهى ، إذا اشتغل عنه . قيل : وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو . انتهى . ويمكن أن يكون منه ، لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو وتنقلب واوه ياء لكسرة ما قبلها ، نحو : شقي يشقى ، فإن كان مصدره جاء بالياء ، فيكون من مادة غير مادة اللهو . وقرأ الجمهور : ( تلهى ) عن والبزي ابن كثير : ( عنهوتلهى ) بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل ، وأبو جعفر : بضمها مبنيا للمفعول ، أي يشغلك دعاء الكافر للإسلام ، وطلحة : بتاءين ، وعنه بتاء واحدة وسكون اللام .
( كلا إنها ) أي سورة القرآن والآيات ( تذكرة ) عظة ينتفع بها ( فمن شاء ذكره ) أي فمن شاء أن يذكر هذه الموعظة ذكره ، أتى بالضمير مذكرا ؛ لأن التذكرة هي الذكر ، وهي جملة معترضة تتضمن الوعد والوعيد ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) واعترضت بين ( تذكرة ) وبين صفته ، أي تذكرة : كائنة ( في صحف ) قيل : اللوح المحفوظ ، وقيل : صحف الأولياء المنزلة ، وقيل : صحف المسلمين ، فيكون إخبارا بمغيب ، إذ لم يكتب القرآن في صحف زمان كونه عليه السلام ، بمكة ينزل عليه القرآن ، ( مكرمة ) عند الله ، و ( مرفوعة ) في السماء السابعة ، قاله ، أو مرفوعة عن الشبه والتناقض ، أو مرفوعة المقدار ( مطهرة ) أي منزهة عن كل دنس ، قاله يحيى بن سلام الحسن . وقال أيضا : مطهرة من أن تنزل على المشركين . وقال : منزهة عن أيدي الشياطين ، لا تمسها إلا أيدي ملائكة مطهرة ( الزمخشري سفرة ) كتبة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ . انتهى . ( بأيدي سفرة ) قال : هم الملائكة لأنهم كتبة . وقال أيضا : لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه . وقال ابن عباس قتادة : هم القراء ، وواحد السفرة سافر . وقال وهب : هم الصحابة ، لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والعلم .