إذا اعتروا باب ذي عيبة رحبوا والناس ما بين مرحوب ومحجوب
وعن ، ابن عباس وقتادة ، : محجوبين عن رحمته . وعن وابن أبي مليكة ابن كيسان : عن كرامته . انتهى . وعن مجاهد : المعنى محجوبون عن كرامته ورحمته ، وعن ربهم متعلق ب ( محجوبون ) ، وهو العامل في يومئذ ، والتنوين تنوين العوض من الجملة المحذوفة ، ولم تتقدم جملة قريبة يكون عوضا منها ، لكنه تقدم ( يقوم الناس لرب العالمين ) فهو عوض من هذه الجملة ، كأنه قيل : يوم إذ يقوم الناس ، ثم هم مع الحجاب عن الله هم صالو النار ، وهذه ثمرة الحجاب ( ثم يقال ) أي تقول لهم خزنة النار ( هذا ) أي العذاب وصلي النار وهذا اليوم ( الذي كنتم به تكذبون ) . قال ابن عطية : ( هذا الذي ) يعني : الجملة مفعول لم يسم فاعله لأنه قول بني له الفعل الذي هو يقال . انتهى . وتقدم الكلام على نحو هذا في أول البقرة في قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ) .
قوله عز وجل : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) .
[ ص: 442 ] لما ذكر تعالى أمر كتاب الفجار عقبه بذكر كتاب ضدهم ليتبين الفرق . عليون : جمع واحده علي ، مشتق من العلو ، وهو المبالغة ، قاله يونس . قال وابن جني أبو الفتح : وسبيله أن يقال علية ، كما قالوا للغرفة علية ، فلما حذفت التاء عوضوا منها الجمع بالواو والنون . وقيل : هو وصف للملائكة ، فلذلك جمع بالواو والنون . وقال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع ، ولا واحد له من لفظه ، كقوله : عشرين وثلاثين ، والعرب إذا جمعت جمعا ، ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية ، قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون . وقال : أعرب هذا الاسم كإعراب الجمع ، هذه قنسرون ، ورأيت قنسرين . وعليون : الملائكة ، أو المواضع العلية ، أو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما علمته الملائكة وصلحاء الثقلين ، أو علو في علو مضاعف ، أقوال ثلاثة الزجاج . للزمخشري
وقال أبو مسلم : ( كتاب الأبرار ) : كتابة أعمالهم ( لفي عليين ) . ثم وصف عليين بأنه ( كتاب مرقوم ) فيه جميع أعمال الأبرار . وإذا كان مكانا فاختلفوا في تعيينه اختلافا مضطربا رغبنا عن ذكره ، وإعراب ( لفي عليين ) و ( كتاب مرقوم ) كإعراب ( لفي سجين ) و ( كتاب مرقوم ) . وقال ابن عطية : و ( كتاب مرقوم ) في هذه الآية خبر إن والظرف ملغى . انتهى . هذا كما قال في ( لفي سجين ) وقد رددنا عليه ذلك وهذا مثله . والمقربون هنا ، قال وغيره : هم الملائكة أهل كل سماء ( ينظرون ) قال ابن عباس ، و ابن عباس عكرمة ، ومجاهد : إلى ما أعد لهم من الكرامات . وقال مقاتل : إلى أهل النار . وقيل : ينظر بعضهم إلى بعض . وقرأ الجمهور : ( تعرف ) بتاء الخطاب للرسول ، أو للناظر ( نضرة النعيم ) نصبا . وقرأ أبو جعفر ، وابن أبي إسحاق ، وطلحة ، وشيبة ، ويعقوب والزعفراني : ( تعرف ) مبنيا للمفعول ، ( نضرة ) رفعا ، كذلك ، إلا أنه قرأ : ( يعرف ) بالياء ، إذ تأنيث نضرة مجازي ، والنضرة تقدم شرحها في قوله : ( وزيد بن علي نضرة وسرورا ) .
( مختوم ) الظاهر أن الرحيق ختم عليه تهمما وتنظفا بالرائحة المسكية ، كما فسره ما بعده . وقيل : تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة . وقرأ الجمهور : ( ختامه ) : أي خلطه ومزاجه ، قاله عبد الله وعلقمة . وقال ، ابن عباس ، وابن جبير والحسن : معناه خاتمته ، أي يجد الرائحة عند خاتمة الشراب رائحة المسك . وقال أبو علي : أي أبزاره المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم . وقيل : يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك . وفي الصحاح : الختام : الطين الذي يختم به ، وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدل الطين ، وقال الشاعر :
كأن مشعشعا من خمر بصرى نمته البحث مشدود الختام
وقرأ علي ، والنخعي ، والضحاك ، : وزيد بن علي وأبو حيوة ، ، وابن أبي عبلة : ( خاتمه ) بعد الخاء ألف وفتح التاء ، وهذه بينة المعنى ، إنه يراد بها الطبع على الرحيق . وعن والكسائي الضحاك ، وعيسى ، وأحمد بن جبير الأنطاكي عن : كسر التاء ، أي آخره مثل قوله : ( وخاتم النبيين ) . وفيه حذف ، أي خاتم رائحته المسك ، أو خاتمه الذي يختم به ويقطع ( الكسائي من تسنيم ) قال عبد الله : هو أشرف شراب الجنة ، وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة . وقال وابن عباس : ( تسنيم ) : علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر : سنمه إذا رفعه . و ( عينا ) نصب على المدح . وقال الزمخشري : على الحال . انتهى . وقال الزجاج الأخفش : يسقون عينا ( يشرب بها ) أي يشربها أو منها ، أو ضمن يشرب معنى يروى ، بها أقوال . ( المقربون ) قال [ ص: 443 ] ، ابن مسعود ، وابن عباس والحسن ، وأبو صالح : يشربها المقربون صرفا ويمزج للأبرار ، ومذهب الجمهور : الأبرار هم أصحاب اليمين ، وأن المقربين هم السابقون ، وقال قوم : الأبرار والمقربون في هذه الآية بمعنى واحد يقع لكل من نعم في الجنة .
وروي أن عليا وجمعا معه من المؤمنين مروا بجمع من كفار قريش ، فضحكوا منهم واستخفوا بهم عبثا ، فنزلت : ( إن الذين أجرموا ) قبل أن يصل علي رضي الله تعالى عنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكفار مكة هؤلاء قيل هم : أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ، والمؤمنون : عمار ، وصهيب ، وخباب ، وبلال ، وغيرهم من فقراء المؤمنين ، والظاهر أن الضمير في ( مروا ) عائد على ( الذين أجرموا ) إذ في ذلك تناسق الضمائر لواحد . وقيل : للمؤمنين ، أي وإذا مر المؤمنون بالكافرين يتغامز الكافرون ، أي يشيرون بأعينهم . و ( فاكهين ) : أي متلذذين بذكرهم وبالضحك منهم ، وقرأ الجمهور : فاكهين بالألف ، أي أصحاب فاكهة ومزح وسرور باستخفافهم بأهل الإيمان ، وأبو رجاء ، والحسن ، و عكرمة ، وأبو جعفر ، وحفص : بغير ألف ، والضمير المرفوع في ( رأوهم ) عائد على المجرمين ، أي إذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال ، وهم محقون في نسبتهم إليه .
( وما أرسلوا ) على الكفار ( حافظين ) . وفي الإشارة إليهم بأنهم ضالون إثارة للكلام بينهم ، وكان في الآية بعض موادعة ، أي إن المؤمنين لم يرسلوا حافظين على الكفار ، وهذا على القول بأن هذا منسوخ بآية السيف . وقال : وإنهم لم يرسلوا عليهم حافظين ، إنكارا لصدهم إياهم عن الشرك ، ودعائهم إلى الإسلام ، وجدهم في ذلك ، ولما تقدم ذكر يوم القيامة قيل : ( الزمخشري فاليوم الذين آمنوا ) ، و ( اليوم ) منصوب ب ( يضحكون ) منهم في الآخرة ، و ( ينظرون ) حال من الضمير في ( يضحكون ) أي يضحكون ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والعذاب بعد العزة والنعيم ، وقال كعب لأهل الجنة : كوى ينظرون منها إلى أهل النار ، وقيل : ستر شفاف بينهم يرون منه حالهم ( هل ثوب ) أي هل جوزي ؟ يقال : ثوبه وأثابه إذا جازاه ، ومنه قول الشاعر :
سأجزيك أو يجزيك عني مثوب وحسبك أن يثنى عليك وتحمد