( فلا أقسم بالشفق ) أقسم تعالى بمخلوقاته تشريفا لها وتعريضا للاعتبار بها ، والشفق تقدم شرحه . وقال ، و أبو هريرة ، عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة : هو البياض الذي يتلوه الحمرة . وروى أسد بن عمرو أن رجع عن قوله هذا إلى قول الجمهور . وقال أبا حنيفة مجاهد ، والضحاك ، : إن الشفق هنا كأنه لما عطف عليه الليل قال ذلك . قال وابن أبي نجيح ابن عطية : وهذا قول ضعيف . انتهى . وعن مجاهد : هو الشمس ، وعن عكرمة : ما بقي من النهار ( وما وسق ) ما ضم من الحيوان وغيره ، إذ جميع ذلك ينضم ويسكن في ظلمة الليل . وقال : ( ابن عباس وما وسق ) أي ما غطى عليه من الظلمة . وقال مجاهد : وما ضم من خير وشر . وقال ابن جبير : وما ساق وحمل . وقال ابن بحر : وما عمل فيه ، ومنه قول الشاعر :
فيوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلبب
وقال ابن الفضل : لف كل أحد إلى الله ، أي سكن الخلق إليه ورجع كل إلى ما رآه لقوله : ( لتسكنوا فيه ) وقرأ عمر بن عبد الله ، ، ومجاهد ، وابن عباس والأسود ، ، وابن جبير ومسروق ، ، والشعبي وأبو العالية ، وابن وثاب ، وطلحة ، وعيسى والأخوان وابن كثير : بتاء الخطاب وفتح الباء ، فقيل : خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي حالا بعد حال من معالجة الكفار ، وقال : سماء بعد سماء في الإسراء ، وقيل : عدة بالنصر ، أي لتركبن أمر العرب قبيلا بعد قبيل وفتحا بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك ، وقال ابن عباس : وقرئ ( لتركبن ) على خطاب الإنسان في ( الزمخشري ياأيها الإنسان ) وقال المعنى : لتركبن السماء في أهوال القيامة حالا بعد حال ، تكون كالمهل ، وكالدهان وتنفطر وتنشق ، فالتاء للتأنيث ، وهو إخبار عن السماء بما يحدث لها ، والضمير الفاعل عائد على السماء ، وقرأ ابن مسعود عمر ، أيضا : بالياء من أسفل وفتح الباء على ذكر الغائب ، قال وابن عباس : يعني نبيكم ، صلى الله عليه وسلم ، وقيل : الضمير الغائب يعود على القمر ؛ لأنه يتغير أحوالا من إسرار واستهلال وإبدار ، وقال ابن عباس : ليركبن الإنسان ، وقرأ الزمخشري عمر ، أيضا وابن عباس وأبو جعفر ، والحسن ، ، و وابن جبير قتادة ، وباقي السبعة : بتاء الخطاب وضم الباء ، أي لتركبن أيها الإنسان ، وقال والأعمش : ولتركبن بالضم على خطاب الجنس ، لأن النداء للجنس ، فالمعنى : لتركبن الشدائد : الموت والبعث والحساب حالا بعد حال ، أو يكون الأحوال من النطفة إلى الهرم ، كما تقول : طبقة بعد طبقة ، قال نحوه الزمخشري عكرمة ، وقيل : عن تجيء بمعنى بعد ، وقيل : المعنى لتركبن هذه الأحوال أمة بعد أمة ، ومنه قول في رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : العباس بن عبد المطلب
[ ص: 448 ]
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق
وقال مكحول وأبو عبيدة : المعنى لتركبن سنن من قبلكم ، وقال ابن زيد : المعنى لتركبن الآخرة بعد الأولى ، وقرأ عمر أيضا : ليركبن بياء الغيبة وضم الباء ، قيل : أراد به الكفار لا بيان توبيخهم بعده ، أي يركبون حالا بعد أخرى من المذلة والهوان في الدنيا والآخرة ، وقرأ ، ابن مسعود : ( لتركبن ) بكسر التاء ، وهي لغة وابن عباس تميم ، قيل : والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقرئ بالتاء وكسر الباء على خطاب النفس ، وطبق الشيء مطابقة لأن كل حال مطابقة للأخرى في الشدة ، ويجوز أن تكون اسم جنس واحدة طبقة ، وهي المرتبة من قولهم : هم على طبقات ، و ( عن طبق ) في موضع الصفة لقوله : ( طبقا ) أو في موضع الحال من الضمير في ( لتركبن ) .
وعن مكحول ، كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه ( فما لهم لا يؤمنون ) : تعجب من انتفاء إيمانهم وقد وضحت الدلائل . ( لا يسجدون ) لا يتواضعون ويخضعون ، قاله قتادة ، وقال عكرمة : لا يباشرون بجباههم المصلى ، وقال : لا يصلون ، وقرأ الجمهور : ( يكذبون ) مشددا ، محمد بن كعب والضحاك : مخففا وبفتح الياء . ( وابن أبي عبلة بما يوعون ) بما يجمعون من الكفر والتكذيب ، كأنهم يجعلونه في أوعية ، وعيت العلم وأوعيت المتاع ، قال نحوه ابن زيد ، وقال : بما تضمرون من عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين ، وقال ابن عباس مجاهد : بما يكتمون من أفعالهم ، وقرأ أبو رجاء : بما يعون ، من وعى يعي . ( إلا الذين آمنوا ) أي سبق لهم في علمه أنهم يؤمنون . ( غير ممنون ) غير مقطوع ، وقال : ( ممنون ) معدد عليهم ، محسوب منغص بالمن ، وتقدم الكلام على ذلك في فصلت ، والله الموفق . ابن عباس