[ ص: 228 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9وهل أتاك حديث موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11فلما أتاها نودي يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك بيمينك يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=19قال ألقها يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=20فألقاها فإذا هي حية تسعى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك من آياتنا الكبرى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24اذهب إلى فرعون إنه طغى ) .
[ ص: 229 ] ولما ذكر تعالى تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسوله أتبعه بقصة
موسى ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد ، كما قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9وهل أتاك حديث موسى ) وهذا استفهام تقرير يحث على الإصغاء لما يلقى إليه وعلى التأسي . وقيل : ( هل ) بمعنى قد ، أي : قد ( أتاك ) ، والظاهر خلاف هذا ؛ لأن السورة مكية . والظاهر أنه لم يكن أطلعه على قصة
موسى قبل هذا . وقيل : إنه استفهام معناه النفي ، أي : ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة
موسى ، ونحن الآن قاصون قصته لتتسلى وتتأسى وكان من حديثه أنه - عليه السلام - لما قضى أكمل الأجلين استأذن
شعيبا في الرجوع من
مدين إلى
مصر لزيارة والدته وأخته فأذن له ، وقد طالت مدة جنايته
بمصر ورجا خفاء أمره ، فخرج بأهله وماله وكان في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك
الشام ، وامرأته حامل فلا يدري أليلا تضع أم نهارا ، فسار في البرية لا يعرف طرقها ، فألجأه
[ ص: 230 ] المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور . قيل : كان رجلا غيورا يصحب الرفقة ليلا ويفارقهم نهارا لئلا ترى امرأته ، فأضل الطريق .
قال
وهب : ولد له ابن في الطريق ، ولما صلد زنده (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10رأى نارا ) . والظاهر أن ( إذ ) ظرف للحديث لأنه حدث . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن تكون ظرفا لمضمر ، أي : ( نارا ) كان كيت وكيت ، وأن تكون مفعولا لأذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10امكثوا ) ، أي : أقيموا في مكانكم ، وخاطب امرأته وولديه والخادم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10لأهله امكثوا ) بضم الهاء وكذا في القصص ، والجمهور بكسرها (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إني آنست ) ، أي : أحسست ، والنار على بعد لا تحس إلا بالبصر ، فلذلك فسره بعضهم برأيت ، والإيناس أعم من الرؤية لأنك تقول : آنست من فلان خيرا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الإيناس الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء ، والإنس لظهورهم ، كما قيل الجن لاستتارهم . وقيل : هو إبصار ما يؤنس به لما وجد منه الإيناس ، فكان مقطوعا متيقنا حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم . ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع ، وقال : لعل ، ولم يقطع فيقول : إني آتيكم ، لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به انتهى . والظاهر أنه رأى نورا حقيقة .
وقال
الماوردي : كانت عند
موسى ( نارا ) وكانت عند الله نورا . قيل : وخيل له أنه نار . قيل : ولا يجوز هذا ؛ لأن الإخبار بغير المطابق لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ولفظة ( على ) هاهنا على بابها من الاستعلاء ، ومعناه أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، أو لأن المصطلين بها والمستمتعين إذا تكنفوها قياما وقعودا كانوا مشرفين عليها ومنه قول
الأعشى :
وبات على النار الندى والمحلق
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : على بمعنى عند وبمعنى مع وبمعنى الباء ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أنه ضل عن الماء فترجى أن يلقى من يهديه الطريق أو يدله على الماء ، وانتصب ( هدى ) على أنه مفعول به على تقدير محذوف ، أي : ذا ( هدى ) أو على تقدير حذف لأنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى هدى الطريق . وقيل : ( هدى ) في الدين قاله
مجاهد وقتادة وهو بعيد ، وهو وإن كان طلب من يهديه الطريق فقد وجد الهدى على الإطلاق .
والضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11أتاها ) عائد على النار ، أتاها فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة عناب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقيل : سمرة قاله
عبد الله . وقيل : عوسج قاله
وهب . وقيل : عليقة عن
قتادة ومقاتل والكلبي ، وكان كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر اتبعته ، فأيقن أن هذا أمر من أمور الله الخارقة للعادة ، ووقف متحيرا وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11نودي ) وهو تكليم الله إياه . وقرأ الجمهور : ( إني ) بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين ، وعلى معاملة النداء معاملة القول لأنه ضرب منه على مذهب الكوفيين . و ( أنا ) مبتدأ أو فصل أو توكيد لضمير النصب ، وفي هذه الأعاريب حصل التركيب لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة . وقرأ
ابن كثير وأبو عمرو : أني بفتح الهمزة ، والظاهر أن التقدير بأني (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12أنا ربك ) . وقال
ابن عطية : على معنى لأجل إني أنا ربك فاخلع نعليك ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11نودي ) قد توصل بحرف الجر وأنشد
أبو علي :
ناديت باسم ربيعة بن مكدم إن المنوه باسمه الموثوق
انتهى . وعلمه بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه تعالى فيه أو بالاستدلال بالمعجزة ، وعند
المعتزلة لا يكون ذلك إلا بالمعجز فمنهم من عينه ومنهم من قال : لا يلزم أن يعرف ما ذلك المعجز ، قالوا : ولا يجوز أن يكون ذلك بالعلم الضروري ؛ لأنه ينافي في التكليف ، والظاهر أن أمره تعالى إياه بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما يخلع عند الملوك غاية في التواضع . وقيل : كانتا من
[ ص: 231 ] جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما . وفي
الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374699 " كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف ، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت " . قال : هذا حديث غريب ، والكمة القلنسوة الصغيرة ، وكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ قول
عكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والكلبي والضحاك . وقيل : كانتا من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما لبيان بركة الوادي المقدس ، وتمس قدماه تربته وروي أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12المقدس ) المطهر و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12طوى ) اسم علم عليه فيكون بدلا أو عطف بيان .
وقرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيص بكسر الطاء منونا . وقرأ الكوفيون
وابن عامر بضمها منونا . وقرأ
الحرميان وأبو عمرو بضمها غير منون . وقرأ
أبو زيد عن
أبي عمرو بكسرها غير منون . وقرأ
عيسى بن عمر والضحاك " طاوي اذهب " فمن نون فعلى تأويل المكان ، ومن لم ينون وضم الطاء فيحتمل أن يكون معدولا عن فعل نحو زفر وقثم ، أو أعجميا أو على معنى البقعة ، ومن كسر ولم ينون فمنع الصرف باعتبار البقعة . وقال
الحسن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12طوى ) بكسر الطاء والتنوين مصدر ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين فهو بوزن الثناء وبمعناه ؛ وذلك لأن الثنا بالكسر والقصر الشيء الذي تكرره ، فكذلك الطوى على هذه القراءة . وقال
قطرب (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12طوى ) من الليل ، أي : ساعة ، أي : قدس لك في ساعة من الليل لأنه نودي بالليل ، فلحق الوادي تقديس محدد ، أي : ( إنك بالواد المقدس ) ليلا . قرأ
طلحة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى وحمزة وخلف في اختياره ، وأما بفتح الهمزة وشد النون اخترناك بنون العظمة .
وقرأ
السلمي وابن هرمز nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش في رواية ( وإنا ) والألف عطفا على (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إني أنا ربك ) لأنهم كسروا ذلك أيضا ، والجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13وأنا اخترتك ) بضمير المتكلم المفرد غير المعظم نفسه . وقرأ
أبي ( وأني ) بفتح الهمزة وياء المتكلم (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13اخترتك ) بتاء عطفا على (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إني أنا ربك ) ومفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13اخترتك ) الثاني المتعدي إليه بمن محذوف تقديره من قومك . والظاهر أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13لما يوحى ) من صلة استمع وما بمعنى الذي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13لما يوحى ) للذي يوحى أو للوحي ، فعلق اللام باستمع أو باخترتك . انتهى . ولا يجوز التعليق باخترتك ؛ لأنه من باب الأعمال فيجب أو يختار إعادة الضمير مع الثاني ، فكان يكون فاستمع له لما يوحى فدل على أنه إعمال الثاني .
وقال
أبو الفضل الجوهري : لما قيل
لموسى صلوات الله على نبينا وعليه : ( استمع لما يوحى ) وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره ، ووقف ليستمع وكان كل لباسه صوفا . وقال
وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح ، وغض البصر ، والإصغاء بالسمع ، وحضور العقل ، والعزم على العمل . وذلك هو الاستماع لما يحب الله ، وحذف الفاعل في ( يوحى ) للعلم به ويحسنه كونه فاصلة ، فلو كان مبنيا للفاعل لم يكن فاصلة ، والموحى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=30إني أنا الله ) إلى آخره معناه وحدني كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) إلى آخر الجمل ، جاء ذلك تبيينا وتفسيرا للإبهام في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13لما يوحى ) . وقال المفسرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14فاعبدني ) هنا وحدني كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) معناه ليوحدون ، والأولى أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14فاعبدني ) لفظ يتناول ما كلفه به من العبادة ، ثم عطف عليه ما هو قد يدخل تحت ذلك المطلق فبدأ بالضلالة إذ هي أفضل الأعمال وأنفعها في الآخرة ، والذكر مصدر يحتمل أن يضاف إلى الفاعل ، أي : ليذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلى لي ، أو ليذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار ، أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، ويحتمل أن تضاف إلى المفعول ، أي لأن أذكرك بالمدح والثناء
[ ص: 232 ] وأجعل لك لسان صدق أو لأن تذكرني خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو خلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضا آخر ، أو لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به ، كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=37لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) واللام على هذا القول مثلها في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374700 " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وكان حق العبادة أن يقال لذكرها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا ذكرها " . ومن يتمحل له يقول : إذا ذكر الصلاة فقد ذكر الله ، أو بتقدير حذف المضاف ، أي : لذكر صلاتي أو لأن الذكر والنسيان من الله - عز وجل - في الحقيقة . انتهى . وفي الحديث بعد قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374701فليصلها إذا ذكرها " قوله " إذ لا كفارة لها إلا ذلك " ثم قرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14وأقم الصلاة لذكري ) . وقرأ
السلمي والنخعي وأبو رجاء : ( للذكرى ) بلام التعريف وألف التأنيث ، فالذكرى بمعنى التذكرة ، أي : لتذكيري إياك إذا ذكرتك بعد نسيانك فأقمها . وقرأت فرقة لذكرى بألف التأنيث بغير لام التعريف . وقرأت فرقة : للذكر .
ولما ذكر تعالى الأمر بالعبادة وإقامة الصلاة ذكر الحامل على ذلك وهو البعث والمعاد للجزاء ، فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إن الساعة آتية ) وهي التي يظهر عندها ما عمله الإنسان وجزاء ذلك إما ثوابا وإما عقابا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد ( أخفيها ) بفتح الهمزة ورويت عن
ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها ، أي : إنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر ، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم وتقول العرب : خفيت الشيء ، أي : أظهرته . وقال الشاعر :
خفاهن من إيقانهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب
وقال آخر :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن توقدوا الحرب لا نقعد
ولام (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15لتجزى ) على هذه القراءة متعلقة بأخفيها ، أي : أظهرها ( لتجزى ) كل نفس . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أخفيها ) بضم الهمزة وهو مضارع أخفى بمعنى ستر ، والهمزة هنا للإزالة ، أي : أزلت الخفاء وهو الظهور ، وإذا أزلت الظهور صار للستر ، كقولك : أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة . وقال
أبو علي : هذا من باب السلب ومعناه ، أزيل عنها خفاءها وهو سترها ، واللام على قراءة الجمهور . قال صاحب اللوامح متعلقة بآتية كأنه قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إن الساعة آتية ) لتجزى . انتهى ، ولا يتم ذلك إلا إذا قدرنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) جملة اعتراضية ، فإن جعلتها في موضع الصفة لـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15آتية ) فلا يجوز ذلك على رأي البصريين ؛ لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا وصف قبل أخذ معموله . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أخفيها ) بضم الهمزة بمعنى أظهرها فتتحد القراءتان ، وأخفى من الأضداد بمعنى الإظهار وبمعنى الستر . قال
أبو عبيدة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد ، وقد حكاه
أبو الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا شك في صدقه و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد ) من أفعال المقاربة لكنها مجاز هنا ، ولما كانت الآية عبارة عن شدة إخفاء أمر القيامة ووقتها ، وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس ، بالغ في إبهام وقتها ، فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) حتى لا تظهر ألبتة ، ولكن لا بد من ظهورها . وقالت فرقة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد ) بمعنى أريد ، فالمعنى أريد إخفاءها ، وقاله
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري وأبو مسلم . قال
أبو مسلم : ومن أمثالهم : لا أفعل ذلك ، ولا أكاد ، أي : لا أريد أن أفعله . وقالت فرقة : خبر كاد محذوف تقديره ( أكاد ) أتى بها لقربها وصحة وقوعها كما حذف في قول
صابئ البرجمي :
[ ص: 233 ] هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
أي وكدت أفعل . وتم الكلام ثم استأنف الإخبار بأنه يخفيها واختاره
النحاس . وقالت فرقة : معناه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) من نفسي إشارة إلى شدة غموضها عن المخلوقين وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
ولما رأى بعضهم قلق هذا القول قال معنى من نفسي : من تلقائي ومن عندي . وقالت فرقة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد ) زائدة لا دخول لها في المعنى بل الإخبار أن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها ، وروي هذا المعنى عن
ابن جبير ، واستدلوا على زيادة كاد بقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40لم يكد يراها ) وبقول الشاعر وهو
زيد الخيل :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما أن يكاد قرنه يتنفس
وبقول الآخر :
وأن لا ألوم النفس مما أصابني وأن لا أكاد بالذي نلت أنجح
ولا حجة في شيء من هذا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ، ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به . وقيل : معناه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) من نفسي ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف ، ومحذوف لا دليل عليه مطرح . والذي غرهم منه أن في مصحف
أبي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) من نفسي وفي بعض المصاحف (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) من نفسي فكيف أظهركم عليها . انتهى . ورويت هذه الزيادة أيضا عن
أبي ، ذكر ذلك
ابن خالويه . وفي مصحف
عبد الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها ) من نفسي فكيف يعلمها مخلوق . وفي بعض القراءات وكيف أظهرها لكم وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال : كدت أخفيه من نفسي ، والله تعالى لا يخفى عليه شيء قال معناه
قطرب وغيره . وقال الشاعر :
أيام تصحبني هند وأخبرها ما كدت أكتمه عني من الخبر
وكيف يكتم من نفسه ومن نحو هذا من المبالغة ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، والضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أخفيها ) عائد على ( الساعة ) و ( الساعة ) يوم القيامة بلا خلاف ، والسعي هنا العمل . والظاهر أن الضمير في ( عنها ) و ( بها ) عائد على الساعة . وقيل : على الصلاة . وقيل ( عنها ) عن الصلاة و ( بها ) ، أي : بالساعة ، وأبعد جدا من ذهب إلى أن الضمير في ( عنها ) يعود على ما تقدم من كلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14لا إله إلا أنا فاعبدني ) .
والظاهر أن الخطاب في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فلا يصدنك )
لموسى - عليه السلام - ولا يلزم من النهي عن الشيء إمكان وقوعه ممن سبقت له العصمة ، فينبغي أن يكون لفظا وللسامع غيره ممن يمكن وقوع ذلك منه ، وأبعد من ذهب إلى أنه خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لفظا ولأمته معنى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : العبارة أنهى من لا يؤمن عن صد
موسى ، والمقصود نهي
موسى عن التكذيب بالبعث أو أمره بالتصديق . قلت : فيه وجهان .
أحدهما : أن صد الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب .
والثاني : أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته ، فذكر المسبب ليدل على السبب كقولهم لا أرينك هاهنا . المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته وذلك سبب رؤيته إياه ، فكان ذكر المسبب دليلا على السبب كأنه قيل : فكن شديد الشكيمة صلب المعجم حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فتردى ) يجوز أن يكون منصوبا على جواز النهي وأن يكون مرفوعا ، أي : فأنت تردى . وقرأ
يحيى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فتردى ) بكسر التاء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك بيمينك يا موسى ) هو تقرير مضمنه التنبيه ، وجمع النفس لما يورد عليها وقد علم تعالى في الأزل ما هي وإنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وجل في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة ، ويتقرر في
[ ص: 234 ] نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه ، وينبهه على قدرته الباهرة و ( ما ) استفهام مبتدأ و ( تلك ) خبره و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بيمينك ) في موضع الحال كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وهذا بعلي شيخا ) والعامل اسم الإشارة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يكون ( تلك ) اسما موصولا صلته بيمينك ، ولم يذكر
ابن عطية غيره ، وليس ذلك مذهبا للبصريين وإنما ذهب إليه الكوفيون ، قالوا : يجوز أن يكون اسم الإشارة موصولا حيث يتقدر بالموصول كأنه قيل : وما التي بيمينك ؟ وعلى هذا فيكون العامل في المجرور محذوفا كأنه قيل : وما التي استقرت بيمينك ؟ وفي هذا السؤال وما قبله من خطابه تعالى
لموسى - عليه السلام - استئناس عظيم وتشريف كريم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18قال هي عصاي ) . وقرأ
ابن أبي إسحاق والجحدري ( عصي ) بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم . وقرأ
الحسن ( عصاي ) بكسر الياء وهي مروية عن
ابن أبي إسحاق أيضا
وأبي عمرو معا ، وهذه الكسرة لالتقاء الساكنين . وعن
أبي إسحاق والجحدري ( عصاي ) بسكون الياء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها ) ، أي : أتحامل عليها في المشي والوقوف ، وهذا زيادة في الجواب كما جاء "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374702هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، في جواب من سأل أنتوضأ بماء البحر ؟ وكما جاء في جواب
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374703ألهذا حج ؟ قال : " نعم ولك أجر " .
وحكمة زيادة
موسى - عليه السلام - رغبته في مطاولة مناجاته لربه تعالى ، وازدياد لذاذته بذلك كما قال الشاعر :
وأملى عتابا يستطاب فليتني أطلت ذنوبا كي يطول عتابه
وتعداده نعمه تعالى عليه بما جعل له فيها من المنافع ، وتضمنت هذه الزيادة تفصيلا في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ) وإجمالا في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18ولي فيها مآرب أخرى ) . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها ) جواب لسؤال آخر وهو أنه لما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18هي عصاي ) قال له تعالى فما تصنع بها ؟ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها ) الآية . وقيل : سأله تعالى عن شيئين عن العصا بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك ) وبقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بيمينك ) عما يملكه ، فأجابه عن (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك ) ؟ بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18هي عصاي ) وعن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بيمينك ) بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها وأهش ) إلى آخره انتهى . وفي التحقيق ليس قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بيمينك ) بسؤال وقدم في الجواب مصلحة نفسه في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها ) ثم ثنى بمصلحة رعيته في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وأهش ) .
وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وأهش ) بضم الهاء والشين المعجمة ،
والنخعي بكسرها كذا ذكر
أبو الفضل الرازي وابن عطية وهي بمعنى المضمومة الهاء ، والمفعول محذوف وهو الورق . قال
أبو الفضل : ويحتمل ذلك أن يكون من هش يهش هشاشة إذا مال ، أي : أميل بها على غنمي بما أصلحها من السوق وتكسير العلف ونحوهما ، يقال منه : هش الورق والكلأ والنبات إذا جف ولان . انتهى . وقرأ
الحسن وعكرمة : وأهس بضم الهاء والسين غير معجمة ، والهس السوق ومن ذلك الهس والهساس غير معجمة في الصفات . ونقل
ابن خالويه عن
النخعي أنه قرأ وأهس بضم الهمزة من أهس رباعيا ، وذكر صاحب اللوامح عن
عكرمة ومجاهد ( وأهش ) بضم الهاء وتخفيف الشين ، قال : ولا أعرف وجهه إلا أن يكون بمعنى العامة ، لكن فر من قراءته من التضعيف ؛ لأن الشين فيه تفش فاستثقل الجمع بين التضعيف والتفشي . فيكون كتخفيف ( ظلت ) ونحوه . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري عن النخعي أنه قرأ ( وأهش ) بضم الهمزة والشين المعجمة من أهش رباعيا قال : وكلاهما من هش الخبز يهش إذا كان يتكسر لهشاشته . ذكر على التفصيل والإجمال المنافع المتعلقة بالعصا كأنه أحس بما يعقب هذا السؤال من أمر عظيم يحدثه الله تعالى ، فقال : ما هي إلا عصا لا تنفع إلا منافع بنات جنسها كما ينفع العيدان ؛ ليكون جوابه مطابقا للغرض الذي فهمه من فحوى كلام ربه ، ويجوز أن يريد عز وجل أن يعدد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة
[ ص: 235 ] كأنه يقول أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى ، المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتد بها وتحتفل بشأنها ، وقالوا اسم العصا نبعة انتهى .
وقرأت فرقة ( غنمي ) بسكون النون وفرقة ( على غنمي ) بإيقاع الفعل على الغنم .
والمآرب ذكر المفسرون أنها كانت ذات شعبتين ومحجن فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين ، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب ، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل ، وإذا قصر رشاؤه وصل بها وكان يقاتل بها السباع عن غنمه .
وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا وتكونان شمعتين بالليل ، وإذا ظهر عدو حاربت عنه ، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت ، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب . وكانت تقيه الهوام ، ويرد بها غنمه ، وإن بعدوا وهذه العصا أخذها من بيت عصي الأنبياء التي كانت عند
شعيب حين اتفقا على الرعية ، هبط بها
آدم من الجنة وطولها عشرة أذرع ، وقيل : اثنتا عشرة بذراع
موسى - عليه السلام - وعامل المآرب وإن كان جمعا معاملة الواحدة المؤنثة فأتبعها صفتها في قوله أخرى ، ولم يقل آخر رعيا للفواصل ، وهي جائز في غير الفواصل . وكان أجود وأحسن في الفواصل .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري وشيبة : ( مارب ) بغير همز كذا قال
الأهوازي في كتاب الإقناع في القراءات ، ويعني - والله أعلم - بغير همز محقق ، وكأنه يعني أنهما سهلاها بين بين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=19قال ألقها ) الظاهر أن القائل هو الله تعالى ، ويبعد قول من قال : يجوز أن يكون القائل الملك بإذن الله ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=19ألقها ) اطرحها على الأرض ومنه قول الشاعر :
فألقت عصاها واستقر بها النوى
وإذا هي التي للمفاجأة ، والحية تنطلق على الصغيرة والكبيرة والذكر والأنثى ، والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم منها ، ولا تنافي بين تشبيهها بالجان في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=10فلما رآها تهتز كأنها جان ) وبين كونها ثعبانا ؛ لأن تشبيهها بالجان هو في أول حالها ثم تزيدت حتى صارت ثعبانا ، أو شبهت بالجان وهي ثعبان في سرعة حركتها واهتزازها مع عظم خلقها . قيل : كان لها عرف كعرف الفرس وصارت شعبتا العصا لها فما وبين لحييها أربعون ذراعا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : انقلبت ثعبانا تبتلع الصخر والشجر ، والمحجن عنقا وعيناها تتقدان ، فلما رأى هذا الأمر العجيب الهائل لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف لا سيما هذا الأمر الذي يذهل العقول . ومعنى ( تسعى ) تنتقل وتمشي بسرعة ، وحكمة انقلابها وقت مناجاته تأنيسه بهذا المعجز الهائل حتى يلقيها
لفرعون فلا يلحقه ذعر منها في ذلك الوقت ، إذ قد جرت له بذلك عادة وتدريبه في تلقي تكاليف النبوة ومشاق الرسالة ، ثم أمره تعالى بالإقدام على أخذها ، ونهاه عن أن يخاف منها وذلك حين ولى مدبرا ولم يعقب . وقيل : إنما خافها لأنه عرف ما لقي
آدم منها . وقيل : لما قال له الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=68لا تخف ) بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيتها ويبعد ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي في تفسيره أنه قيل له : خذ مرة وثانية حتى قيل له (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) فأخذها في الثالثة ؛ لأن منصب النبوة لا يليق أن يأمره ربه مرة وثانية فلا يمتثل ما أمر به ، وحين أخذها بيده صارت عصا والسيرة من السير ، كالركبة والجلسة ، يقال : سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة . وقيل : سير الأولين . وقال الشاعر :
فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها فأول راض سيرة من يسيرها
واختلفوا في إعراب (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سيرتها ) فقال
الحوفي مفعول ثان لسنعيدها على حذف الجار مثل (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155واختار موسى قومه )
[ ص: 236 ] يعني : إلى سيرتها . قال : ويجوز أن يكون بدلا من مفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سنعيدها ) . وقال هذا الثاني
أبو البقاء ، قال : بدل اشتمال ، أي : صفتها وطريقتها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن ينتصب على الظرف ، أي : ( سنعيدها ) في طريقتها الأولى ، أي : في حال ما كانت عصا انتهى . وسيرتها وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى إليه الفعل على طريقة الظرفية إلا بواسطة في ، ولا يجوز الحذف إلا في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يكون مفعولا من عاده بمعنى عاد إليه . ومنه بيت
زهير :
وعادك أن تلاقيها عداء
فيتعدى إلى مفعولين انتهى . وهذا هو الوجه الأول الذي ذكره
الحوفي . قال : ووجه ثالث حسن وهو أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سنعيدها ) مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها ، بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ، ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية ، فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشأناها أولا ، ونصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سيرتها ) بفعل مضمر ، أي : تسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سيرتها الأولى ) يعني ( سنعيدها ) سائرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سيرتها الأولى ) حيث كنت تتوكأ عليها ، ولك فيها المآرب التي عرفتها . انتهى .
والجناح حقيقة في الطائر والملك ، ثم توسع فيه فأطلق على اليد ، وعلى العضد ، وعلى جنب الرجل . وقيل لمجنبتي العسكر جناحان على سبيل الاستعارة ، وسمي جناح الطائر ؛ لأنه يجنح به عند الطيران ، ولما كان المرعوب من ظلمة أو غيرها إذا ضم يده إلى جناحه فتر رعبه وربط جأشه ، أمره تعالى أن يضم يده إلى جناحه ؛ ليقوى جأشه ولتظهر له هذه الآية العظيمة في اليد . والمراد إلى جنبك تحت العضد . ولهذا قال ( تخرج ) فلو لم يكن دخول لم يكن خروج ، كما قال في الآية الأخرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=12وأدخل يدك في جيبك تخرج ) وفي الكلام حذف إذ لا يترتب الخروج على الضم ، وإنما يترتب على الإخراج ، والتقدير (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22واضمم يدك إلى جناحك ) تنضم وأخرجها ( تخرج ) فحذف من الأول وأبقى مقابله ، ومن الثاني وأبقى مقابله وهو ( اضمم ) لأنه بمعنى أدخل كما يبين في الآية الأخرى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22تخرج بيضاء من غير سوء ) قيل خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها شمس ، وكان آدم اللون وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بيضاء ) على الحال ، والسوء الرداءة والقبح في كل شيء فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوءة ، وكما كنوا عن
جذيمة ، وكان أبرص بالأبرص والبرص أبغض شيء إلى العرب وطباعهم تنفر منه وأسماعهم تمج ذكره فكنى عنه . وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22من غير سوء ) متعلق ببيضاء ، كأنه قال ابيضت (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22من غير سوء ) . وقال
الحوفي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22من غير سوء ) في موضع النعت لبيضاء ، والعامل فيه الاستقرار انتهى . ويقال له عند أرباب البيان الاحتراس ؛ لأنه لو اقتصر على قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بيضاء ) لأوهم أن ذلك من برص أو بهق . وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آية ) على الحال ، وهذا على مذهب من يجيز تعداد الحال لذي حال واحد . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن يكون منصوبا على إضمار خذ ودونك وما أشبه ذلك حذف لدلالة الكلام كذا قال ، فأما تقدير خذ فسائغ وأما دونك فلا يسوغ ؛ لأنه اسم فعل من باب الإغراء فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب عنه ، ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه ، وأجاز
أبو البقاء والحوفي أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آية ) بدلا من (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بيضاء ) وأجاز
أبو البقاء أن يكون حالا من الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بيضاء ) ، أي : تبيض (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آية ) . وقيل منصوب بمحذوف تقديره جعلناها (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آية ) أو آتيناك (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آية ) .
واللام في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك ) قال
الحوفي متعلقة باضمم ، ويجوز أن تتعلق بتخرج . وقال
أبو البقاء : تتعلق بهذا المحذوف يعني المقدر جعلناها أو آتيناك ، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آية ) ، أي : دللنا بها (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك ) ، أي : خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23آياتنا الكبرى ) أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك ) بهما (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) من ( آياتنا ) أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك من آياتنا الكبرى ) فعلنا ذلك ، ونعني أنه جاز أن يكون مفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك ) الثاني (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) أو يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23من آياتنا ) في موضع المفعول الثاني . وتكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) صفة لآياتنا على حد (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8الأسماء الحسنى ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18مآرب أخرى ) بجريان مثل هذا
[ ص: 237 ] الجمع مجرى الواحدة المؤنثة ، وأجاز هذين الوجهين من الإعراب
الحوفي وابن عطية وأبو البقاء . والذي نختاره أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23من آياتنا ) في موضع المفعول الثاني ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) صفة لآياتنا ؛ لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته تعالى كلها هي الكبر ؛ لأن ما كان بعض الآيات الكبر صدق عليه أنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) . وإذا جعلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) مفعولا لم تتصف الآيات بالكبر ؛ لأنها هي المتصفة بأفعل التفضيل ، وأيضا إذا جعلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) مفعولا فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معا ؛ لأنهما كان يلزم التثنية في وصفيهما ، فكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما ؛ لأن كلا منهما فيها معنى التفضيل . ويبعد ما قال
الحسن من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا ؛ لأنه ذكر عقيب اليد (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك من آياتنا الكبرى ) لأنه جعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الكبرى ) مفعولا ثانيا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لنريك ) وجعل ذلك راجعا إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء ، وقد ضعف قوله هذا ؛ لأنه ليس في اليد إلا تغيير اللون ، وأما العصا ففيها تغيير اللون ، وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الشجر والحجر ، ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مرارا فكانت أعظم من اليد .
ولما أراه تعالى هاتين المعجزتين العظيمتين في نفسه وفيما يلابسه وهو العصا أمره بالذهاب إلى
فرعون رسولا من عنده تعالى وعلل حكمة الذهاب إليه بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24إنه طغى ) وخص
فرعون وإن كان مبعوثا إليهم كلهم ؛ لأنه رأس الكفر ومدعي الإلهية وقومه تباعه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : قال الله
لموسى - عليه السلام - اسمع كلامي واحفظ وصيتي وانطلق برسالتي أرعاك بعيني وسمعي ، وإن معك يدي ونصري ، وألبسك جنة من سلطاني تستكمل بها العزة في أمري أبعثك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي ، أقسم بعزتي لولا الحجة والقدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار ، ولكن هان علي وسقط من عيني فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي . وقل له قولا لينا فإن ناصيته بيدي لا يطرف ولا يتنفس إلا بعلمي في كلام طويل . قال : فسكت
موسى - عليه السلام - سبعة أيام . وقيل : أكثر ، فجاءه ملك فقال أنفذ ما أمرك ربك .
[ ص: 228 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=19قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=20فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) .
[ ص: 229 ] وَلِمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَعْظِيمَ كِتَابِهِ وَتَضَمَّنَ تَعْظِيمَ رَسُولِهِ أَتْبَعَهُ بِقِصَّةِ
مُوسَى لِيُتَأَسَّى بِهِ فِي تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَتَكَالِيفِ الرِّسَالَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=120وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=9وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ) وَهَذَا اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ يَحُثُّ عَلَى الْإِصْغَاءِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ وَعَلَى التَّأَسِّي . وَقِيلَ : ( هَلْ ) بِمَعْنَى قَدْ ، أَيْ : قَدْ ( أَتَاكَ ) ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُ هَذَا ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَطْلَعَهُ عَلَى قِصَّةِ
مُوسَى قَبْلَ هَذَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ النَّفْيُ ، أَيْ : مَا أَخْبَرْنَاكَ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ بِقِصَّةِ
مُوسَى ، وَنَحْنُ الْآنَ قَاصُّونَ قِصَّتَهُ لِتَتَسَلَّى وَتَتَأَسَّى وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَضَى أَكْمَلَ الْأَجَلَيْنِ اسْتَأْذَنَ
شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ مِنْ
مَدْيَنَ إِلَى
مِصْرَ لِزِيَارَةِ وَالِدَتِهِ وَأُخْتِهِ فَأَذِنَ لَهُ ، وَقَدْ طَالَتْ مُدَّةُ جِنَايَتِهِ
بِمِصْرَ وَرَجَا خَفَاءَ أَمْرِهِ ، فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَكَانَ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ وَأَخَذَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخَافَةَ مُلُوكِ
الشَّامِ ، وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ فَلَا يَدْرِي أَلَيْلًا تَضَعُ أَمْ نَهَارًا ، فَسَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ لَا يَعْرِفُ طُرُقَهَا ، فَأَلْجَأَهُ
[ ص: 230 ] الْمَسِيرُ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْغَرْبِيِّ الْأَيْمَنِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُثَلَّجَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ الطَّلْقُ فَقَدَحَ زَنْدَهُ فَلَمْ يُورِ . قِيلَ : كَانَ رَجُلًا غَيُورًا يَصْحَبُ الرُّفْقَةَ لَيْلًا وَيُفَارِقُهُمْ نَهَارًا لِئَلَّا تُرَى امْرَأَتُهُ ، فَأَضَلَّ الطَّرِيقَ .
قَالَ
وَهْبٌ : وُلِدَ لَهُ ابْنٌ فِي الطَّرِيقِ ، وَلَمًّا صَلَدَ زَنْدُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10رَأَى نَارًا ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( إِذْ ) ظَرْفٌ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّهُ حَدَّثَ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِمُضْمَرٍ ، أَيْ : ( نَارًا ) كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، وَأَنْ تَكُونَ مَفْعُولًا لِأَذْكُرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10امْكُثُوا ) ، أَيْ : أَقِيمُوا فِي مَكَانِكُمْ ، وَخَاطَبَ امْرَأَتَهُ وَوَلَدَيْهِ وَالْخَادِمَ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحَمْزَةُ وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَكَذَا فِي الْقَصَصِ ، وَالْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10إِنِّي آنَسْتُ ) ، أَيْ : أَحْسَسْتُ ، وَالنَّارُ عَلَى بُعْدٍ لَا تُحَسُّ إِلَّا بِالْبَصَرِ ، فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِرَأَيْتُ ، وَالْإِينَاسُ أَعَمُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّكَ تَقُولُ : آنَسْتُ مِنْ فُلَانٍ خَيْرًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْإِينَاسُ الْإِبْصَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، وَمِنْهُ إِنْسَانُ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ الشَّيْءُ ، وَالْإِنْسُ لِظُهُورِهِمْ ، كَمَا قِيلَ الْجِنُّ لِاسْتِتَارِهِمْ . وَقِيلَ : هُوَ إِبْصَارُ مَا يُؤْنَسُ بِهِ لِمَا وُجِدَ مِنْهُ الْإِينَاسُ ، فَكَانَ مَقْطُوعًا مُتَيَقَّنًا حَقَّقَهُ لَهُمْ بِكَلِمَةِ إِنَّ لِيُوَطِّنَ أَنْفُسَهُمْ . وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِالْقَبَسِ وَوُجُودُ الْهُدَى مُتَرَقَّبَيْنِ مُتَوَقَّعَيْنِ بَنَى الْأَمْرَ فِيهِمَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ ، وَقَالَ : لَعَلَّ ، وَلَمْ يَقْطَعْ فَيَقُولَ : إِنِّي آتِيكُمْ ، لِئَلَّا يَعِدَ مَا لَيْسَ يَسْتَيْقِنُ الْوَفَاءَ بِهِ انْتَهَى . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَأَى نُورًا حَقِيقَةً .
وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : كَانَتْ عِنْدَ
مُوسَى ( نَارًا ) وَكَانَتْ عِنْدَ اللَّهِ نُورًا . قِيلَ : وَخُيِّلَ لَهُ أَنَّهُ نَارٌ . قِيلَ : وَلَا يَجُوزُ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِغَيْرِ الْمُطَابِقِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَلَفْظَةُ ( عَلَى ) هَاهُنَا عَلَى بَابِهَا مِنَ الِاسْتِعْلَاءِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَسْتَعْلُونَ الْمَكَانَ الْقَرِيبَ مِنْهَا ، أَوْ لِأَنَّ الْمُصْطَلِينَ بِهَا وَالْمُسْتَمْتِعِينَ إِذَا تَكَنَّفُوهَا قِيَامًا وَقُعُودًا كَانُوا مُشْرِفِينَ عَلَيْهَا وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَعْشَى :
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلِّقُ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : عَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ وَبِمَعْنَى مَعَ وَبِمَعْنَى الْبَاءِ ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ أَنَّهُ ضَلَّ عَنِ الْمَاءِ فَتَرَجَّى أَنْ يَلْقَى مَنْ يَهْدِيهِ الطَّرِيقَ أَوْ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَانْتَصَبَ ( هُدًى ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : ذَا ( هُدًى ) أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفٍ لِأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الْهَادِي فَقَدْ وُجِدَ الْهُدَى هُدَى الطَّرِيقِ . وَقِيلَ : ( هُدًى ) فِي الدِّينِ قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ طَلَبَ مَنْ يَهْدِيهِ الطَّرِيقَ فَقَدْ وَجَدَ الْهُدَى عَلَى الْإِطْلَاقِ .
وَالضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11أَتَاهَا ) عَائِدٌ عَلَى النَّارِ ، أَتَاهَا فَإِذَا هِيَ مُضْطَرِمَةٌ فِي شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ يَانِعَةٍ عُنَّابٍ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقِيلَ : سَمُرَةٌ قَالَهُ
عَبْدُ اللَّهِ . وَقِيلَ : عَوْسَجٌ قَالَهُ
وَهْبٌ . وَقِيلَ : عُلَّيْقَةٌ عَنْ
قَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ ، وَكَانَ كُلَّمَا قَرُبَ مِنْهَا تَبَاعَدَتْ فَإِذَا أَدْبَرَ اتَّبَعَتْهُ ، فَأَيْقَنَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ اللَّهِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ ، وَوَقَفَ مُتَحَيِّرًا وَسَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ تَسْبِيحَ الْمَلَائِكَةِ وَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11نُودِيَ ) وَهُوَ تَكْلِيمُ اللَّهِ إِيَّاهُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( إِنِّي ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ، وَعَلَى مُعَامَلَةِ النِّدَاءِ مُعَامَلَةَ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْهُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ . وَ ( أَنَا ) مُبْتَدَأٌ أَوْ فَصْلٌ أَوْ تَوْكِيدٌ لِضَمِيرِ النَّصْبِ ، وَفِي هَذِهِ الْأَعَارِيبِ حَصَلَ التَّرْكِيبُ لِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ وَإِمَاطَةِ الشُّبْهَةِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو : أَنِّي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِأَنِّي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12أَنَا رَبُّكَ ) . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : عَلَى مَعْنَى لِأَجْلِ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11نُودِيَ ) قَدْ تُوصَلُ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَأَنْشَدَ
أَبُو عَلِيٍّ :
نَادَيْتُ بِاسْمِ رَبِيعَةَ بْنِ مُكَدَّمٍ إِنَّ الْمُنَوَّهَ بِاسْمِهِ الْمَوْثُوقُ
انْتَهَى . وَعِلْمُهُ بِأَنَّ الَّذِي نَادَاهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى حَصَلَ لَهُ بِالضَّرُورَةِ خَلْقًا مِنْهُ تَعَالَى فِيهِ أَوْ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْمُعْجِزَةِ ، وَعِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْمُعْجِزِ فَمِنْهُمْ مَنْ عَيَّنَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْرِفَ مَا ذَلِكَ الْمُعْجِزَ ، قَالُوا : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي فِي التَّكْلِيفِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى إِيَّاهُ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ لِعِظَمِ الْحَالِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا كَمَا يُخْلَعُ عِنْدَ الْمُلُوكِ غَايَةً فِي التَّوَاضُعِ . وَقِيلَ : كَانَتَا مِنْ
[ ص: 231 ] جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ فَأُمِرَ بِطَرْحِهِمَا لِنَجَاسَتِهِمَا . وَفِي
التِّرْمِذِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374699 " كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءٌ صُوفٌ وَجُبَّةٌ صُوفٌ وَكُمَّةٌ صُوفٌ وَسَرَاوِيلُ صُوفٌ ، وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ " . قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَالَكُمَّةُ الْقَلَنْسُوَّةُ الصَّغِيرَةُ ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ قَوْلُ
عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ . وَقِيلَ : كَانَتَا مِنْ جِلْدِ بَقَرَةٍ ذَكِيٍّ لَكِنْ أُمِرَ بِخَلْعِهِمَا لِبَيَانِ بَرَكَةِ الْوَادِي الْمُقَدَّسِ ، وَتَمَسُّ قَدَمَاهُ تُرْبَتَهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12الْمُقَدَّسِ ) الْمُطَهَّرِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12طُوًى ) اسْمُ عَلَمٍ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ .
وَقَرَأَ
الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو السَّمَّالِ وَابْنُ مُحَيْصٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ مُنَوَّنًا . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ
وَابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّهَا مُنَوَّنًا . وَقَرَأَ
الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو بِضَمِّهَا غَيْرَ مُنَوَّنٍ . وَقَرَأَ
أَبُو زَيْدٍ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو بِكَسْرِهَا غَيْرَ مُنَوَّنٍ . وَقَرَأَ
عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكُ " طَاوِي اذْهَبْ " فَمَنْ نَوَّنَ فَعَلَى تَأْوِيلِ الْمَكَانِ ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ وَضَمَّ الطَّاءَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْ فِعْلٍ نَحْوِ زُفَرَ وَقُثَمَ ، أَوْ أَعْجَمِيًّا أَوْ عَلَى مَعْنَى الْبُقْعَةِ ، وَمَنْ كَسَرَ وَلَمْ يُنَوِّنْ فَمَنَعَ الصَّرْفَ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12طُوًى ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالتَّنْوِينِ مَصْدَرٌ ثُنِّيَتْ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالتَّقْدِيسُ مَرَّتَيْنِ فَهُوَ بِوَزْنِ الثَّنَاءِ وَبِمَعْنَاهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الثِّنَا بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ الشَّيْءُ الَّذِي تُكَرِّرُهُ ، فَكَذَلِكَ الطُّوَى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ . وَقَالَ
قُطْرُبٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12طُوًى ) مِنَ اللَّيْلِ ، أَيْ : سَاعَةً ، أَيْ : قُدِّسَ لَكَ فِي سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ نُودِيَ بِاللَّيْلِ ، فَلَحِقَ الْوَادِي تَقْدِيسٌ مُحَدَّدٌ ، أَيْ : ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ) لَيْلًا . قَرَأَ
طَلْحَةُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَمْزَةُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ ، وَأَمَّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ النُّونِ اخْتَرْنَاكَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ .
وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ وَابْنُ هُرْمُزَ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ فِي رِوَايَةٍ ( وَإِنَّا ) وَالْأَلِفُ عَطْفًا عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) لِأَنَّهُمْ كَسَرُوا ذَلِكَ أَيْضًا ، وَالْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ) بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُفْرَدِ غَيْرِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ . وَقَرَأَ
أُبَيٌّ ( وَأَنِّي ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13اخْتَرْتُكَ ) بِتَاءٍ عَطْفًا عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) وَمَفْعُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13اخْتَرْتُكَ ) الثَّانِي الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِ بِمِنْ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ قَوْمِكَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13لِمَا يُوحَى ) مِنْ صِلَةِ اسْتَمِعْ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13لِمَا يُوحَى ) لِلَّذِي يُوحَى أَوْ لِلْوَحْيِ ، فَعَلَّقَ اللَّامَ بِاسْتَمِعْ أَوْ بِاخْتَرْتُكَ . انْتَهَى . وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِاخْتَرْتُكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ فَيَجِبُ أَوْ يُخْتَارُ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ مَعَ الثَّانِي ، فَكَانَ يَكُونُ فَاسْتَمِعْ لَهُ لِمَا يُوحَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِعْمَالُ الثَّانِي .
وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيُّ : لَمَّا قِيلَ
لِمُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ : ( اسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) وَقَفَ عَلَى حَجَرٍ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَجَرٍ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَأَلْقَى ذَقْنَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، وَوَقَفَ لِيَسْتَمِعَ وَكَانَ كُلُّ لِبَاسِهِ صُوفًا . وَقَالَ
وَهْبٌ : أَدَبُ الِاسْتِمَاعِ : سُكُونُ الْجَوَارِحِ ، وَغَضُّ الْبَصَرِ ، وَالْإِصْغَاءُ بِالسَّمْعِ ، وَحُضُورُ الْعَقْلِ ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ . وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ لِمَا يُحِبُّ اللَّهُ ، وَحُذِفَ الْفَاعِلُ فِي ( يُوحَى ) لِلْعِلْمِ بِهِ وَيُحَسِّنُهُ كَوْنُهُ فَاصِلَةً ، فَلَوْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لَمْ يَكُنْ فَاصِلَةً ، وَالْمُوحَى قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=30إِنِّي أَنَا اللَّهُ ) إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ وَحِّدْنِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) إِلَى آخِرِ الْجُمَلِ ، جَاءَ ذَلِكَ تَبْيِينًا وَتَفْسِيرًا لِلْإِبْهَامِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13لِمَا يُوحَى ) . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14فَاعْبُدْنِي ) هُنَا وَحِّدْنِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) مَعْنَاهُ لِيُوَحِّدُونِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14فَاعْبُدْنِي ) لَفْظٌ يَتَنَاوَلُ مَا كَلَّفَهُ بِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ مَا هُوَ قَدْ يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ فَبَدَأَ بِالضَّلَالَةِ إِذْ هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَنْفَعُهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَالذِّكْرُ مَصْدَرٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُضَافَ إِلَى الْفَاعِلِ ، أَيْ : لِيَذْكُرَنِي فَإِنَّ ذِكْرِي أَنْ أُعْبَدَ وَيُصَلَّى لِي ، أَوْ لِيَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَذْكَارِ ، أَوْ لِأَنِّي ذَكَرْتُهَا فِي الْكُتُبِ وَأَمَرْتُ بِهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُضَافَ إِلَى الْمَفْعُولِ ، أَيْ لِأَنْ أَذْكُرَكَ بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ
[ ص: 232 ] وَأَجْعَلَ لَكَ لِسَانَ صِدْقٍ أَوْ لِأَنْ تَذْكُرَنِي خَاصَّةً لَا تَشُوبُهُ بِذِكْرِ غَيْرِي أَوْ خَلَاصُ ذِكْرِي وَطَلَبُ وَجْهِي لَا تُرَائِي بِهَا وَلَا تَقْصِدُ بِهَا غَرَضًا آخَرَ ، أَوْ لِتَكُونَ لِي ذَاكِرًا غَيْرَ نَاسٍ فِعْلَ الْمُخْلِصِينَ فِي جَعْلِهِمْ ذِكْرَ رَبِّهِمْ عَلَى بَالٍ مِنْهُمْ وَتَوْكِيلِ هِمَمِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ بِهِ ، كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=37لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) أَوْ لِأَوْقَاتِ ذِكْرِي وَهِيَ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) وَاللَّامُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) وَقَدْ حُمِلَ عَلَى ذِكْرِ الصَّلَاةِ بَعْدَ نِسْيَانِهَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374700 " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَكَانَ حَقُّ الْعِبَادَةِ أَنْ يُقَالَ لِذِكْرِهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِذَا ذَكَرَهَا " . وَمَنْ يَتَمَحَّلُ لَهُ يَقُولُ : إِذَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ ، أَوْ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ ، أَيْ : لِذِكْرِ صَلَاتِي أَوْ لِأَنَّ الذِّكْرَ وَالنِّسْيَانَ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْحَقِيقَةِ . انْتَهَى . وَفِي الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374701فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " قَوْلُهُ " إِذْ لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ " ثُمَّ قَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) . وَقَرَأَ
السُّلَمِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ : ( لِلذِّكْرَى ) بِلَامِ التَّعْرِيفِ وَأَلِفِ التَّأْنِيثِ ، فَالذِّكْرَى بِمَعْنَى التَّذْكِرَةِ ، أَيْ : لِتَذْكِيرِي إِيَّاكَ إِذَا ذَكَّرْتُكَ بَعْدَ نِسْيَانِكَ فَأَقِمْهَا . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ لِذِكْرَى بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ بِغَيْرِ لَامِ التَّعْرِيفِ . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ : لِلذِّكْرِ .
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ذَكَرَ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْبَعْثُ وَالْمَعَادُ لِلْجَزَاءِ ، فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ) وَهِيَ الَّتِي يَظْهَرُ عِنْدَهَا مَا عَمِلَهُ الْإِنْسَانُ وَجَزَاءُ ذَلِكَ إِمَّا ثَوَابًا وَإِمَّا عِقَابًا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ ( أَخْفِيهَا ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَرُوِيَتْ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ وَعَاصِمٍ بِمَعْنَى أُظْهِرُهَا ، أَيْ : إِنَّهَا مِنْ صِحَّةِ وُقُوعِهَا وَتَيَقُّنِ كَوْنِهَا تَكَادُ تَظْهَرُ ، وَلَكِنْ تَأَخَّرَتْ إِلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ : خَفَيْتُ الشَّيْءَ ، أَيْ : أَظْهَرْتُهُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
خَفَاهُنَّ مِنْ إِيقَانِهِنَّ كَأَنَّمَا خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلَّبِ
وَقَالَ آخَرُ :
فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لَا نُخْفِهِ وَإِنْ تُوقِدُوا الْحَرْبَ لَا نَقْعُدِ
وَلَامُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15لِتُجْزَى ) عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِأُخْفِيهَا ، أَيْ : أُظْهِرُهَا ( لِتُجْزَى ) كُلُّ نَفْسٍ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أُخْفِيهَا ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مُضَارِعُ أَخْفَى بِمَعْنَى سَتَرَ ، وَالْهَمْزَةُ هُنَا لِلْإِزَالَةِ ، أَيْ : أَزَلْتُ الْخَفَاءَ وَهُوَ الظُّهُورُ ، وَإِذَا أَزَلْتَ الظُّهُورَ صَارَ لِلسِّتْرِ ، كَقَوْلِكَ : أَعْجَمْتُ الْكِتَابَ أَزَلْتُ عَنْهُ الْعُجْمَةَ . وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : هَذَا مِنْ بَابِ السَّلْبِ وَمَعْنَاهُ ، أُزِيلُ عَنْهَا خَفَاءَهَا وَهُوَ سِتْرُهَا ، وَاللَّامُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ . قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ مُتَعَلِّقَةٌ بِآتِيَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ) لِتُجْزَى . انْتَهَى ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا قَدَّرْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) جُمْلَةً اعْتِرَاضِيَّةً ، فَإِنْ جَعَلْتَهَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15آتِيَةٌ ) فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَعْمَلُ إِذَا وُصِفَ قَبْلَ أَخْذِ مَعْمُولِهِ . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أُخْفِيهَا ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أُظْهِرُهَا فَتَتَّحِدُ الْقِرَاءَتَانِ ، وَأَخْفَى مِنَ الْأَضْدَادِ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ وَبِمَعْنَى السِّتْرِ . قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : خَفِيَتْ وَأُخْفِيَتْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَقَدْ حَكَاهُ
أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ لَا شَكَّ فِي صِدْقِهِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ ) مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ لَكِنَّهَا مَجَازٌ هُنَا ، وَلَمَّا كَانَتِ الْآيَةُ عِبَارَةً عَنْ شِدَّةِ إِخْفَاءِ أَمْرِ الْقِيَامَةِ وَوَقْتِهَا ، وَكَانَ الْقَطْعُ بِإِتْيَانِهَا مَعَ جَهْلِ الْوَقْتِ أَهْيَبَ عَلَى النُّفُوسِ ، بَالَغَ فِي إِبْهَامِ وَقْتِهَا ، فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) حَتَّى لَا تَظْهَرَ أَلْبَتَّةَ ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ ) بِمَعْنَى أُرِيدُ ، فَالْمَعْنَى أُرِيدُ إِخْفَاءَهَا ، وَقَالَهُ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=12590وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبُو مُسْلِمٍ . قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ : لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَلَا أَكَادُ ، أَيْ : لَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : خَبَرُ كَادَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ( أَكَادُ ) أَتَى بِهَا لِقُرْبِهَا وَصِحَّةِ وُقُوعِهَا كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِ
صَابِئٍ الْبُرْجُمِيِّ :
[ ص: 233 ] هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهُ
أَيْ وَكِدْتُ أَفْعَلُ . وَتَمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ يُخْفِيهَا وَاخْتَارَهُ
النَّحَّاسُ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : مَعْنَاهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) مِنْ نَفْسِي إِشَارَةً إِلَى شِدَّةِ غُمُوضِهَا عَنِ الْمَخْلُوقِينَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلَمَّا رَأَى بَعْضُهُمْ قَلَقَ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَعْنًى مِنْ نَفْسِي : مِنْ تِلْقَائِي وَمِنْ عِنْدِي . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ ) زَائِدَةٌ لَا دُخُولَ لَهَا فِي الْمَعْنَى بَلِ الْإِخْبَارُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ يُخْفِي وَقْتَ إِتْيَانِهَا ، وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ
ابْنِ جُبَيْرٍ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى زِيَادَةِ كَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) وَبِقَوْلِ الشَّاعِرِ وَهُوَ
زَيْدُ الْخَيْلِ :
سَرِيعٌ إِلَى الْهَيْجَاءِ شَاكِ سِلَاحِهِ فَمَا أَنْ يَكَادُ قَرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
وَبِقَوْلِ الْآخَرِ :
وَأَنْ لَا أَلُومَ النَّفْسَ مِمَّا أَصَابَنِي وَأَنْ لَا أَكَادَ بِالَّذِي نِلْتُ أَنْجَحُ
وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) فَلَا أَقُولُ هِيَ آتِيَةٌ لِفَرْطِ إِرَادَتِي إِخْفَاءَهَا ، وَلَوْلَا مَا فِي الْإِخْبَارِ بِإِتْيَانِهَا مَعَ تَعْمِيَةِ وَقْتِهَا مِنَ اللُّطْفِ لَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) مِنْ نَفْسِي وَلَا دَلِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ ، وَمَحْذُوفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مُطْرَحٌ . وَالَّذِي غَرَّهُمْ مِنْهُ أَنَّ فِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) مِنْ نَفْسِي وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُظْهِرُكُمْ عَلَيْهَا . انْتَهَى . وَرُوِيَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا عَنْ
أُبَيٍّ ، ذَكَرَ ذَلِكَ
ابْنُ خَالَوَيْهِ . وَفِي مُصْحَفِ
عَبْدِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا ) مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ يَعْلَمُهَا مَخْلُوقٌ . وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَكَيْفَ أُظْهِرُهَا لَكُمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا بَالَغَ فِي كِتْمَانِ الشَّيْءِ قَالَ : كِدْتُ أُخْفِيهِ مِنْ نَفْسِي ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ مَعْنَاهُ
قُطْرُبٌ وَغَيْرُهُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
أَيَّامَ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وَأُخْبِرُهَا مَا كِدْتُ أَكْتُمُهُ عَنِّي مِنَ الْخَبَرِ
وَكَيْفَ يَكْتُمُ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ نَحْوِ هَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شَمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَالضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أُخْفِيهَا ) عَائِدٌ عَلَى ( السَّاعَةِ ) وَ ( السَّاعَةَ ) يَوْمُ الْقِيَامَةِ بِلَا خِلَافٍ ، وَالسَّعْيُ هُنَا الْعَمَلُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( عَنْهَا ) وَ ( بِهَا ) عَائِدٌ عَلَى السَّاعَةِ . وَقِيلَ : عَلَى الصَّلَاةِ . وَقِيلَ ( عَنْهَا ) عَنِ الصَّلَاةِ وَ ( بِهَا ) ، أَيْ : بِالسَّاعَةِ ، وَأَبْعَدَ جِدًّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( عَنْهَا ) يَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلِمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فَلَا يَصُدَّنَّكَ )
لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَلْزَمُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ إِمْكَانُ وُقُوعِهِ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَلِلسَّامِعِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظًا وَلِأُمَّتِهِ مَعْنًى .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : الْعِبَارَةُ أَنْهَى مَنْ لَا يُؤْمِنُ عَنْ صَدِّ
مُوسَى ، وَالْمَقْصُودُ نَهْيُ
مُوسَى عَنِ التَّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ أَوْ أَمْرِهِ بِالتَّصْدِيقِ . قُلْتُ : فِيهِ وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّ صَدَّ الْكَافِرِ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَا سَبَبٌ لِلتَّكْذِيبِ ، فَذَكَرَ السَّبَبَ لِيَدُلَّ عَلَى الْمُسَبَّبِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ صَدَّ الْكَافِرِ مُسَبَّبٌ عَنْ رَخَاوَةِ الرَّجُلِ فِي الدِّينِ وَلِينِ شَكِيمَتِهِ ، فَذَكَرَ الْمُسَبَّبَ لِيَدُلَّ عَلَى السَّبَبِ كَقَوْلِهِمْ لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا . الْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ وَالْكَوْنُ بِحَضْرَتِهِ وَذَلِكَ سَبَبُ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ ، فَكَانَ ذِكْرُ الْمُسَبَّبِ دَلِيلًا عَلَى السَّبَبِ كَأَنَّهُ قِيلَ : فَكُنْ شَدِيدَ الشَّكِيمَةِ صَلْبَ الْمُعْجَمِ حَتَّى لَا يَتَلَوَّحَ مِنْكَ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالْبَعْثِ أَنَّهُ يَطْمَعُ فِي صَدِّكَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فَتَرَدَّى ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى جَوَازِ النَّهْيِ وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا ، أَيْ : فَأَنْتَ تَرَدَّى . وَقَرَأَ
يَحْيَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=16فَتِرْدَى ) بِكَسْرِ التَّاءِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ) هُوَ تَقْرِيرٌ مُضَمَّنُهُ التَّنْبِيهُ ، وَجَمَعَ النَّفْسَ لِمَا يُورَدُ عَلَيْهَا وَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مَا هِيَ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ لِيُرِيَهُ عِظَمَ مَا يَخْتَرِعُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْخَشَبَةِ الْيَابِسَةِ مِنْ قَلْبِهَا حَيَّةً نَضْنَاضَةً ، وَيَتَقَرَّرُ فِي
[ ص: 234 ] نَفْسِهِ الْمُبَايَنَةُ الْبَعِيدَةُ بَيْنَ الْمَقْلُوبِ عَنْهُ وَالْمَقْلُوبِ إِلَيْهِ ، وَيُنَبِّهُهُ عَلَى قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ وَ ( مَا ) اسْتِفْهَامُ مُبْتَدَأٍ وَ ( تِلْكَ ) خَبَرُهُ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بِيَمِينِكَ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ) وَالْعَامِلُ اسْمُ الْإِشَارَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( تِلْكَ ) اسْمًا مَوْصُولًا صِلَتُهُ بِيَمِينِكَ ، وَلَمْ يَذْكُرِ
ابْنُ عَطِيَّةَ غَيْرَهُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلْبَصْرِيِّينَ وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ ، قَالُوا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مَوْصُولًا حَيْثُ يَتَقَدَّرُ بِالْمَوْصُولِ كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا الَّتِي بِيَمِينِكَ ؟ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي الْمَجْرُورِ مَحْذُوفًا كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا الَّتِي اسْتَقَرَّتْ بِيَمِينِكَ ؟ وَفِي هَذَا السُّؤَالِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ خِطَابِهِ تَعَالَى
لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتِئْنَاسٌ عَظِيمٌ وَتَشْرِيفٌ كَرِيمٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18قَالَ هِيَ عَصَايَ ) . وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْجَحْدَرِيُّ ( عَصَيَّ ) بِقَلْبِ الْأَلِفِ يَاءً وَإِدْغَامِهَا فِي يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ( عَصَايِ ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنِ
ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا
وَأَبِي عَمْرٍو مَعًا ، وَهَذِهِ الْكَسْرَةُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَعَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ وَالْجَحْدَرِيِّ ( عَصَايْ ) بِسُكُونِ الْيَاءِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ) ، أَيْ : أَتَحَامَلُ عَلَيْهَا فِي الْمَشْيِ وَالْوُقُوفِ ، وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ كَمَا جَاءَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374702هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " ، فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ وَكَمَا جَاءَ فِي جَوَابِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374703أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ وَلَكَ أَجْرٌ " .
وَحِكْمَةُ زِيَادَةِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَغْبَتُهُ فِي مُطَاوَلَةِ مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ تَعَالَى ، وَازْدِيَادُ لَذَاذَتِهِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
وَأَمْلَى عِتَابًا يُسْتَطَابُ فَلَيْتَنِي أَطَلْتُ ذُنُوبًا كَيْ يَطُولَ عِتَابُهُ
وَتَعْدَادُهُ نِعَمَهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِمَا جَعَلَ لَهُ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَفْصِيلًا فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ) وَإِجْمَالًا فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ) . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ) جَوَابٌ لِسُؤَالٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18هِيَ عَصَايَ ) قَالَ لَهُ تَعَالَى فَمَا تَصْنَعُ بِهَا ؟ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ) الْآيَةَ . وَقِيلَ : سَأَلَهُ تَعَالَى عَنْ شَيْئَيْنِ عَنِ الْعَصَا بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ ) وَبِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بِيَمِينِكَ ) عَمَّا يَمْلِكُهُ ، فَأَجَابَهُ عَنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ ) ؟ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18هِيَ عَصَايَ ) وَعَنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بِيَمِينِكَ ) بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ ) إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى . وَفِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17بِيَمِينِكَ ) بِسُؤَالٍ وَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ) ثُمَّ ثَنَّى بِمَصْلَحَةِ رَعِيَّتِهِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وَأَهُشُّ ) .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وَأَهُشُّ ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ،
وَالنَّخَعِيُّ بِكَسْرِهَا كَذَا ذَكَرَ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَهِيَ بِمَعْنَى الْمَضْمُومَةِ الْهَاءِ ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْوَرِقُ . قَالَ
أَبُو الْفَضْلِ : وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَشَّ يَهُشُّ هَشَاشَةً إِذَا مَالَ ، أَيْ : أَمِيلُ بِهَا عَلَى غَنَمِي بِمَا أُصْلِحُهَا مِنَ السَّوْقِ وَتَكْسِيرِ الْعَلَفِ وَنَحْوِهِمَا ، يُقَالُ مِنْهُ : هَشَّ الْوَرَقُ وَالْكَلَأُ وَالنَّبَاتُ إِذَا جَفَّ وَلَانَ . انْتَهَى . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ : وَأَهُسُّ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالسِّينِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ ، وَالْهَسُّ السَّوْقُ وَمِنْ ذَلِكَ الْهَسُّ وَالْهَسَّاسُ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ فِي الصِّفَاتِ . وَنَقَلَ
ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنِ
النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ وَأَهُسُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مِنْ أَهَسَّ رُبَاعِيًّا ، وَذَكَرَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ عَنْ
عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ ( وَأَهُشُّ ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ ، قَالَ : وَلَا أَعْرِفُ وَجْهَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعَامَّةِ ، لَكِنْ فَرَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ مِنَ التَّضْعِيفِ ؛ لِأَنَّ الشِّينَ فِيهِ تَفَشٍّ فَاسْتَثْقَلَ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّضْعِيفِ وَالتَّفَشِّي . فَيَكُونُ كَتَخْفِيفِ ( ظَلْتَ ) وَنَحْوِهِ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ( وَأَهُشُّ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَهَشَّ رُبَاعِيًّا قَالَ : وَكِلَاهُمَا مِنْ هَشَّ الْخُبْزُ يَهِشُّ إِذَا كَانَ يَتَكَسَّرُ لِهَشَاشَتِهِ . ذَكَرَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ الْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعَصَا كَأَنَّهُ أَحَسَّ بِمَا يَعْقُبُ هَذَا السُّؤَالَ مِنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَقَالَ : مَا هِيَ إِلَّا عَصًا لَا تَنْفَعُ إِلَّا مَنَافِعَ بَنَاتِ جِنْسِهَا كَمَا يَنْفَعُ الْعِيدَانُ ؛ لِيَكُونَ جَوَابُهُ مُطَابِقًا لِلْغَرَضِ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ فَحْوَى كَلَامِ رَبِّهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَدِّدَ الْمَرَافِقَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي عَلَّقَهَا بِالْعَصَا وَيَسْتَكْثِرُهَا وَيَسْتَعْظِمُهَا ثُمَّ يُرِيَهُ عَلَى عَقِبِ ذَلِكَ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ
[ ص: 235 ] كَأَنَّهُ يَقُولُ أَيْنَ أَنْتَ عَنْ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ الْعُظْمَى وَالْمَأْرَبَةِ الْكُبْرَى ، الْمَنْسِيَّةُ عِنْدَهَا كُلُّ مَنْفَعَةٍ وَمَأْرَبَةٍ كُنْتَ تَعْتَدُّ بِهَا وَتَحْتَفِلُ بِشَأْنِهَا ، وَقَالُوا اسْمُ الْعَصَا نَبْعَةٌ انْتَهَى .
وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ ( غَنْمِي ) بِسُكُونِ النُّونِ وَفِرْقَةٌ ( عَلَى غَنَمِي ) بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ عَلَى الْغَنَمِ .
وَالْمَآرِبُ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ شُعْبَتَيْنِ وَمِحْجَنٍ فَإِذَا طَالَ الْغُصْنُ حَنَاهُ بِالْمِحْجَنِ ، وَإِذَا طَلَبَ كَسْرَهُ لَوَاهُ بِالشُّعْبَتَيْنِ ، وَإِذَا سَارَ أَلْقَاهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَعَلَّقَ بِهَا أَدَوَاتِهِ مِنَ الْقَوْسِ وَالْكِنَانَةِ وَالْحِلَابِ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْبَرِّيَّةِ رَكَّزَهَا وَعَرَّضَ الزَّنْدَيْنِ عَلَى شُعْبَتَيْهَا وَأَلْقَى عَلَيْهَا الْكِسَاءَ وَاسْتَظَلَّ ، وَإِذَا قَصُرَ رِشَاؤُهُ وَصَلَ بِهَا وَكَانَ يُقَاتِلُ بِهَا السِّبَاعَ عَنْ غَنَمِهِ .
وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقِي بِهَا فَتَطُولُ بِطُولِ الْبِئْرِ وَتَصِيرُ شُعْبَتَاهَا دَلْوًا وَتَكُونَانِ شَمْعَتَيْنِ بِاللَّيْلِ ، وَإِذَا ظَهَرَ عَدُوٌّ حَارَبَتْ عَنْهُ ، وَإِذَا اشْتَهَى ثَمَرَةً رَكَّزَهَا فَأَوْرَقَتْ وَأَثْمَرَتْ ، وَكَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا زَادَهُ وَسِقَاءَهُ فَجَعَلَتْ تُمَاشِيهِ وَيُرَكِّزُهَا فَيَنْبُعُ الْمَاءُ فَإِذَا رَفَعَهَا نَضَبَ . وَكَانَتْ تَقِيهِ الْهَوَامَّ ، وَيَرُدُّ بِهَا غَنَمَهُ ، وَإِنْ بَعَدُوا وَهَذِهِ الْعَصَا أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ عِصِيِّ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ
شُعَيْبٍ حِينَ اتَّفَقَا عَلَى الرَّعِيَّةِ ، هَبَطَ بِهَا
آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَطُولُهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ ، وَقِيلَ : اثْنَتَا عَشْرَةَ بِذِرَاعِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَامَلَ الْمَآرِبَ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا مُعَامَلَةَ الْوَاحِدَةِ الْمُؤَنَّثَةِ فَأَتْبَعَهَا صِفَتَهَا فِي قَوْلِهِ أُخْرَى ، وَلَمْ يَقُلْ آخَرُ رَعْيًا لِلْفَوَاصِلِ ، وَهِيَ جَائِزٌ فِي غَيْرِ الْفَوَاصِلِ . وَكَانَ أَجْوَدَ وَأَحْسَنَ فِي الْفَوَاصِلِ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ وَشَيْبَةُ : ( مَارِبُ ) بِغَيْرِ هَمْزٍ كَذَا قَالَ
الْأَهْوَازِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْنَاعِ فِي الْقِرَاءَاتِ ، وَيَعْنِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - بِغَيْرِ هَمْزٍ مُحَقَّقٍ ، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُمَا سَهَّلَاهَا بَيْنَ بَيْنَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=19قَالَ أَلْقِهَا ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَائِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَيَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ الْمَلَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=19أَلْقِهَا ) اطْرَحْهَا عَلَى الْأَرْضِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى
وَإِذَا هِيَ الَّتِي لِلْمُفَاجَأَةِ ، وَالْحَيَّةُ تَنْطَلِقُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالْجَانِّ الرَّقِيقِ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالثُّعْبَانِ الْعَظِيمِ مِنْهَا ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ تَشْبِيهِهَا بِالْجَانِّ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=10فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ) وَبَيْنَ كَوْنِهَا ثُعْبَانًا ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِالْجَانِّ هُوَ فِي أَوَّلِ حَالِهَا ثُمَّ تَزَيَّدَتْ حَتَّى صَارَتْ ثُعْبَانًا ، أَوْ شُبِّهَتْ بِالْجَانِّ وَهِيَ ثُعْبَانٌ فِي سُرْعَةِ حَرَكَتِهَا وَاهْتِزَازِهَا مَعَ عِظَمِ خَلْقِهَا . قِيلَ : كَانَ لَهَا عُرْفٌ كَعُرْفِ الْفَرَسِ وَصَارَتْ شُعْبَتَا الْعَصَا لَهَا فَمًا وَبَيْنَ لِحْيَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : انْقَلَبَتْ ثُعْبَانًا تَبْتَلِعُ الصَّخْرَ وَالشَّجَرَ ، وَالْمِحْجَنُ عُنُقًا وَعَيْنَاهَا تَتَّقِدَانِ ، فَلَمَّا رَأَى هَذَا الْأَمْرَ الْعَجِيبَ الْهَائِلَ لَحِقَهُ مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَهْوَالِ وَالْمَخَاوِفِ لَا سِيَّمَا هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يُذْهِلُ الْعُقُولَ . وَمَعْنَى ( تَسْعَى ) تَنْتَقِلُ وَتَمْشِي بِسُرْعَةٍ ، وَحِكْمَةُ انْقِلَابِهَا وَقْتَ مُنَاجَاتِهِ تَأْنِيسُهُ بِهَذَا الْمُعْجِزِ الْهَائِلِ حَتَّى يُلْقِيَهَا
لِفِرْعَوْنَ فَلَا يَلْحَقُهُ ذُعْرٌ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، إِذْ قَدْ جَرَتْ لَهُ بِذَلِكَ عَادَةٌ وَتَدْرِيبُهُ فِي تَلَقِّي تَكَالِيفِ النُّبُوَّةِ وَمَشَاقِّ الرِّسَالَةِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى أَخْذِهَا ، وَنَهَاهُ عَنْ أَنْ يَخَافَ مِنْهَا وَذَلِكَ حِينَ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ . وَقِيلَ : إِنَّمَا خَافَهَا لِأَنَّهُ عَرَفَ مَا لَقِيَ
آدَمُ مِنْهَا . وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ لَهُ اللَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=68لَا تَخَفْ ) بَلَغَ مِنْ ذَهَابِ خَوْفِهِ وَطَمَأْنِينَةِ نَفْسِهِ أَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَمِهَا وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهَا وَيَبْعُدُ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17140مَكِّيٌّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : خُذْ مَرَّةً وَثَانِيَةً حَتَّى قِيلَ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ) فَأَخَذَهَا فِي الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ لَا يَلِيقُ أَنْ يَأْمُرَهُ رَبُّهُ مَرَّةً وَثَانِيَةً فَلَا يَمْتَثِلُ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَحِينَ أَخَذَهَا بِيَدِهِ صَارَتْ عَصًا وَالسِّيرَةُ مِنَ السَّيْرِ ، كَالرِّكْبَةِ وَالْجِلْسَةِ ، يُقَالُ : سَارَ فُلَانٌ سِيرَةً حَسَنَةً ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهَا فَنُقِلَتْ إِلَى مَعْنَى الْمَذْهَبِ وَالطَّرِيقَةِ . وَقِيلَ : سَيْرُ الْأَوَّلِينَ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَا تَغْضَبَنْ مِنْ سِيرَةٍ أَنْتَ سِرْتَهَا فَأَوَّلُ رَاضٍ سِيرَةً مَنْ يَسِيرُهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سِيرَتَهَا ) فَقَالَ
الْحَوْفِيُّ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِسَنُعِيدُهَا عَلَى حَذْفِ الْجَارِّ مِثْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ )
[ ص: 236 ] يَعْنِي : إِلَى سِيرَتِهَا . قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَفْعُولِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سَنُعِيدُهَا ) . وَقَالَ هَذَا الثَّانِي
أَبُو الْبَقَاءِ ، قَالَ : بَدَلُ اشْتِمَالٍ ، أَيْ : صِفَتُهَا وَطَرِيقَتُهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الظَّرْفِ ، أَيْ : ( سَنُعِيدُهَا ) فِي طَرِيقَتِهَا الْأُولَى ، أَيْ : فِي حَالِ مَا كَانَتْ عَصًا انْتَهَى . وَسِيرَتُهَا وَطَرِيقَتُهَا ظَرْفٌ مُخْتَصٌّ فَلَا يَتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ عَلَى طَرِيقَةِ الظَّرْفِيَّةِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ فِي ، وَلَا يَجُوزُ الْحَذْفُ إِلَّا فِي ضَرُورَةٍ أَوْ فِيمَا شَذَّتْ فِيهِ الْعَرَبُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ عَادَهُ بِمَعْنَى عَادَ إِلَيْهِ . وَمِنْهُ بَيْتُ
زُهَيْرٍ :
وَعَادَكَ أَنْ تَلَاقِيَهَا عَدَاءٌ
فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ انْتَهَى . وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْحَوْفِيُّ . قَالَ : وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سَنُعِيدُهَا ) مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِسِيرَتِهَا ، بِمَعْنَى أَنَّهَا أُنْشِئَتْ أَوَّلَ مَا أُنْشِئَتْ عَصًا ، ثُمَّ ذَهَبَتْ وَبَطَلَتْ بِالْقَلْبِ حَيَّةً ، فَسَنُعِيدُهَا بَعْدَ الذَّهَابِ كَمَا أَنْشَأْنَاهَا أَوَّلًا ، وَنَصْبُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سِيرَتَهَا ) بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ ، أَيْ : تَسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سِيرَتَهَا الْأُولَى ) يَعْنِي ( سَنُعِيدُهَا ) سَائِرَةً (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=21سِيرَتَهَا الْأُولَى ) حَيْثُ كُنْتَ تَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ، وَلَكَ فِيهَا الْمَآرِبُ الَّتِي عَرَفْتَهَا . انْتَهَى .
وَالْجَنَاحُ حَقِيقَةً فِي الطَّائِرِ وَالْمَلَكِ ، ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْيَدِ ، وَعَلَى الْعَضُدِ ، وَعَلَى جَنْبِ الرَّجُلِ . وَقِيلَ لِمَجْنَبَتَيِ الْعَسْكَرِ جَنَاحَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ ، وَسُمِّيَ جَنَاحُ الطَّائِرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجْنَحُ بِهِ عِنْدَ الطَّيَرَانِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمَرْعُوبُ مِنْ ظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إِذَا ضَمَّ يَدَهُ إِلَى جَنَاحِهِ فَتَرَ رُعْبُهُ وَرَبَطَ جَأْشُهُ ، أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَضُمَّ يَدَهُ إِلَى جَنَاحِهِ ؛ لِيَقْوَى جَأْشُهُ وَلِتَظْهَرَ لَهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ فِي الْيَدِ . وَالْمُرَادُ إِلَى جَنْبِكَ تَحْتَ الْعَضُدِ . وَلِهَذَا قَالَ ( تَخْرُجُ ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ لَمْ يَكُنْ خُرُوجٌ ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=12وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ ) وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ إِذْ لَا يَتَرَتَّبُ الْخُرُوجُ عَلَى الضَّمِّ ، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِخْرَاجِ ، وَالتَّقْدِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ) تَنْضَمَّ وَأَخْرِجْهَا ( تَخْرُجْ ) فَحَذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ وَأَبْقَى مُقَابِلَهُ ، وَمِنَ الثَّانِي وَأَبْقَى مُقَابِلَهُ وَهُوَ ( اضْمُمْ ) لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَدْخِلْ كَمَا يُبَيَّنُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قِيلَ خَرَجَتْ بَيْضَاءَ تَشِفُّ وَتُضِيءُ كَأَنَّهَا شَمْسٌ ، وَكَانَ آدَمَ اللَّوْنِ وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بَيْضَاءَ ) عَلَى الْحَالِ ، وَالسُّوءُ الرَّدَاءَةُ وَالْقُبْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَكَنَّى بِهِ عَنِ الْبَرَصِ كَمَا كَنَّى عَنِ الْعَوْرَةِ بِالسَّوْءَةِ ، وَكَمَا كَنَّوْا عَنْ
جَذِيمَةَ ، وَكَانَ أَبْرَصَ بِالْأَبْرَصِ وَالْبَرَصُ أَبْغَضُ شَيْءٍ إِلَى الْعَرَبِ وَطِبَاعُهُمْ تَنْفِرُ مِنْهُ وَأَسْمَاعُهُمْ تَمُجُّ ذِكْرَهُ فَكَنَّى عَنْهُ . وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِبَيْضَاءَ ، كَأَنَّهُ قَالَ ابْيَضَّتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ لِبَيْضَاءَ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ انْتَهَى . وَيُقَالُ لَهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ الِاحْتِرَاسُ ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بَيْضَاءَ ) لَأَوْهَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَرَصٍ أَوْ بَهَقٍ . وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آيَةً ) عَلَى الْحَالِ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْحَالِ لِذِي حَالٍ وَاحِدٍ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى إِضْمَارِ خُذْ وَدُونَكَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ كَذَا قَالَ ، فَأَمَّا تَقْدِيرُ خُذْ فَسَائِغٌ وَأَمَّا دُونَكَ فَلَا يَسُوغُ ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ مِنْ بَابِ الْإِغْرَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْذَفَ النَّائِبُ وَالْمَنُوبُ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ مَجْرَاهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ ، وَأَجَازَ
أَبُو الْبَقَاءِ وَالْحَوْفِيُّ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آيَةً ) بَدَلًا مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بَيْضَاءَ ) وَأَجَازَ
أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22بَيْضَاءَ ) ، أَيْ : تَبْيَضُّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آيَةً ) . وَقِيلَ مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ جَعَلْنَاهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آيَةً ) أَوْ آتَيْنَاكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آيَةً ) .
وَاللَّامُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ ) قَالَ
الْحَوْفِيُّ مُتَعَلِّقَةٌ بِاضْمُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِتَخْرُجْ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَحْذُوفِ يَعْنِي الْمُقَدَّرَ جَعَلْنَاهَا أَوْ آتَيْنَاكَ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=22آيَةً ) ، أَيْ : دَلَّلْنَا بِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ ) ، أَيْ : خُذْ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا بَعْدَ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِنُرِيَكَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بَعْضَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23آيَاتِنَا الْكُبْرَى ) أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ ) بِهِمَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) مِنْ ( آيَاتِنَا ) أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ) فَعَلْنَا ذَلِكَ ، وَنَعْنِي أَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ ) الثَّانِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) أَوْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23مِنْ آيَاتِنَا ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي . وَتَكُونُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) صِفَةً لِآيَاتِنَا عَلَى حَدِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18مَآرِبُ أُخْرَى ) بِجَرَيَانِ مِثْلِ هَذَا
[ ص: 237 ] الْجَمْعِ مَجْرَى الْوَاحِدَةِ الْمُؤَنَّثَةِ ، وَأَجَازَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مِنَ الْإِعْرَابِ
الْحَوْفِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ . وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23مِنْ آيَاتِنَا ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) صِفَةً لِآيَاتِنَا ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ آيَاتُهُ تَعَالَى كُلُّهَا هِيَ الْكُبَرَ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ بَعْضَ الْآيَاتِ الْكُبَرِ صَدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) . وَإِذَا جَعَلْتَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) مَفْعُولًا لَمْ تَتَّصِفِ الْآيَاتُ بِالْكُبَرِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَّصِفَةُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ ، وَأَيْضًا إِذَا جَعَلْتَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) مَفْعُولًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْعَصَا وَالْيَدِ مَعًا ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَ يَلْزَمُ التَّثْنِيَةُ فِي وَصْفَيْهِمَا ، فَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ الْكُبْرَيَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهَا مَعْنَى التَّفْضِيلِ . وَيَبْعُدُ مَا قَالَ
الْحَسَنُ مِنْ أَنَّ الْيَدَ أَعْظَمُ فِي الْإِعْجَازِ مِنَ الْعَصَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَقِيبَ الْيَدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ) لِأَنَّهُ جَعَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23الْكُبْرَى ) مَفْعُولًا ثَانِيًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=23لِنُرِيَكَ ) وَجَعَلَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى الْآيَةِ الْقَرِيبَةِ وَهِيَ إِخْرَاجُ الْيَدِ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ، وَقَدْ ضَعُفَ قَوْلُهُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْيَدِ إِلَّا تَغْيِيرُ اللَّوْنِ ، وَأَمَّا الْعَصَا فَفِيهَا تَغْيِيرُ اللَّوْنِ ، وَخَلْقُ الزِّيَادَةِ فِي الْجِسْمِ وَخَلْقُ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْأَعْضَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَابْتِلَاعِ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ ، ثُمَّ عَادَتْ عَصًا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ التَّغْيِيرُ مِرَارًا فَكَانَتْ أَعْظَمَ مِنَ الْيَدِ .
وَلَمَّا أَرَاهُ تَعَالَى هَاتَيْنِ الْمُعْجِزَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ فِي نَفْسِهِ وَفِيمَا يُلَابِسُهُ وَهُوَ الْعَصَا أَمَرَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى
فِرْعَوْنَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى وَعَلَّلَ حِكْمَةَ الذَّهَابِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24إِنَّهُ طَغَى ) وَخَصَّ
فِرْعَوْنَ وَإِنْ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ كُلِّهِمْ ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ الْكُفْرِ وَمُدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَقَوْمُهُ تُبَّاعُهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : قَالَ اللَّهُ
لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْمَعْ كَلَامِي وَاحْفَظْ وَصِيَّتِي وَانْطَلِقْ بِرِسَالَتِي أَرْعَاكَ بِعَيْنِي وَسَمْعِي ، وَإِنَّ مَعَكَ يَدِي وَنَصْرِي ، وَأُلْبِسُكَ جُنَّةً مِنْ سُلْطَانِي تَسْتَكْمِلُ بِهَا الْعِزَّةَ فِي أَمْرِي أَبْعَثُكَ إِلَى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِي بَطَرَ نِعْمَتِي وَأَمِنَ مَكْرِي وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى جَحَدَ حَقِّي وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي ، أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلَا الْحُجَّةُ وَالْقَدَرُ الَّذِي وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي لَبَطَشْتُ بِهِ بَطْشَةَ جَبَّارٍ ، وَلَكِنْ هَانَ عَلَيَّ وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِي فَبَلِّغْهُ رِسَالَتِي وَادْعُهُ إِلَى عِبَادَتِي وَحَذِّرْهُ نِقْمَتِي . وَقُلْ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي لَا يَطْرِفُ وَلَا يَتَنَفَّسُ إِلَّا بِعِلْمِي فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ . قَالَ : فَسَكَتَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَبْعَةَ أَيَّامٍ . وَقِيلَ : أَكْثَرَ ، فَجَاءَهُ مَلَكٌ فَقَالَ أَنْفِذْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ .