(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=55nindex.php?page=treesubj&link=29007إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=56هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=57لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا من رب رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59وامتازوا اليوم أيها المجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=62ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=63هذه جهنم التي كنتم توعدون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=64اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=68ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ) .
[ ص: 342 ] لما ذكر تعالى أهوال يوم القيامة ، أعقب ذلك بحال السعداء والأشقياء . والظاهر أنه إخبار لنا بما يكونون فيه إذا صاروا إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب . وقيل : هو حكاية ما يقال في ذلك اليوم ، وفي مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود له في النفوس ، وترغيب إلى الحرص عليه وفيما يثمره ; والظاهر أن الشغل هو النعيم الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال . وقال قريبا منه
مجاهد ، وبعضهم خص هذا الشغل بافتضاض الأبكار ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ; وعنه أيضا : سماع الأوتار . وعن
الحسن : شغلوا عن ما فيه أهل النار . وعن
الكلبي : عن أهاليهم من أهل النار ، لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا . وعن
ابن كيسان : الشغل : التزاور . وقيل : ضيافة الله ، وأفرد الشغل ملحوظا فيه النعيم ، وهو واحد من حيث هو نعيم . وقرأ الحرميان ،
وأبو عمرو : بضم الشين وسكون الغين ; وباقي السبعة بضمها ;
ومجاهد ،
وأبو السمال ،
وابن هبيرة فيما نقل
ابن خالويه عنه : بفتحتين ;
ويزيد النحوي ،
وابن هبيرة ، فيما نقل
أبو الفضل الرازي : بفتح الشين وإسكان الغين . وقرأ الجمهور ( فاكهون ) ، بالألف ;
والحسن ،
وأبو جعفر ،
وقتادة ،
وأبو حيوة ،
ومجاهد ،
وشيبة ،
وأبو رجاء ،
ويحيى بن صبيح ،
ونافع في رواية : بغير ألف ;
وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : فاكهين ، بالألف وبالياء نصبا على الحال ، وفي شغل هو الخبر . فبالألف أصحاب فاكهة ، كما يقال لابن وتامر وشاحم ولاحم ، وبغير ألف معناه : فرحون طربون ، مأخوذ من الفكاهة وهي المزحة ، وقرئ : فكهين ، بغير ألف وبالياء . وقرئ : فكهون ، بضم الكاف . يقال : رجل فكه وفكه ، نحو : يدس ويدس . ويجوز في هم أن يكون مبتدأ ، وخبره في ظلال ، ومتكئون خبر ثان ، أو خبره متكئون ، وفي ظلال متعلق به ، أو يكون تأكيدا للضمير المستكن في فاكهون ، وفي ظلال حال ، ومتكئون خبر ثان لإن ، أو يكون تأكيدا للضمير المستكن في شغل ، المنتقل إليه من العامل فيه .
وعلى هذا الوجه والذي قبله يكون الأزواج قد شاركوهم في التفكه والشغل والاتكاء على الأرائك ، وذلك من جهة المنطوق . وعلى الأول ، شاركوهم في الظلال والاتكاء على الأرائك من حيث المنطوق ، وهن قد شاركنهم في التفكه والشغل من حيث المعنى . وقرأ الجمهور ( في ظلال ) . قال
ابن عطية : وهو جمع ظل ، إذ الجنة لا شمس فيها ، وإنما هواؤها سجسج ، كوقت الأسفار قبل طلوع الشمس . انتهى . وجمع فعل على فعال في الكثرة ، نحو : ذئب وذئاب . وأما أن وقت الجنة كوقت الأسفار قبل طلوع الشمس ، فيحتاج هذا إلى نقل صحيح . وكيف يكون ذلك ؟ وفي الحديث ما يدل على حوراء من حور الجنة ، لو ظهرت لأضاءت منها الدنيا ، أو نحو من هذا ؟ قال : ويحتمل أن يكون جمع ظلة . قال
أبو علي : كبرمة وبرام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17150منذر بن سعيد : جمع ظلة ، بكسر الظاء . قال
ابن عطية : وهي لغة في ظلة . انتهى . فيكون مثل لقحة ولقاح ، وفعال لا ينقاس في فعلة بل يحفظ . وقرأ
عبد الله ،
والسلمي ،
وطلحة ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : ( في ظل ) : جمع ظلة ، وجمع فعلة على فعل مقيس ، وهي عبارة عن الملابس والمراتب من الحجال والستور ونحوها من الأشياء التي تظل . وقرأ
عبد الله : متكئين ، نصبا على الحال ; ويدعون مضارع ادعى ، وهو افتعل من دعا ، ومعناه : ولهم ما يتمنون . قال
أبو عبيدة : العرب تقول ادع علي ما شئت ، بمعنى تمن علي وتقول فلان في خبر ما تمنى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وهو من الدعاء ، أي ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم . وقيل : يدعون به لأنفسهم . وقيل : يتداعونه لقوله
[ ص: 343 ] ارتموه وتراموه .
وقرأ الجمهور : سلام بالرفع . وهو صفة لما ، أي مسلم لهم وخالص . انتهى . ولا يصح إن كان ما بمعنى الذي ; لأنها تكون إذ ذاك معرفة . وسلام نكرة ، ولا تنعت المعرفة بالنكرة . فإن كانت ما نكرة موصوفة جاز ، إلا أنه لا يكون فيه عموم ، كحالها بمعنى الذي . وقيل : سلام مبتدأ ويكون خبره ذلك الفعل الناصب لقوله ( قولا ) ، أي سلام يقال ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=29007قولا من رب رحيم ) ، أو يكون عليكم محذوفا ، أي سلام عليكم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58قولا من رب رحيم ) . وقيل : خبر مبتدأ محذوف ، أي هو سلام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا ) بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=57ما يدعون ) ، كأنه قال : لهم سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم ، والمعنى : أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة ، أو بغير واسطة ، مبالغة في تعظيمهم ، وذلك متمناهم ، ولهم ذلك لا يمنعونه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين . انتهى . وإذا كان سلام بدلا من ما يدعون خصوصا . والظاهر أنه عموم في كل ما يدعون ، وإذا كان عموما ، لم يكن سلام بدلا منه . وقيل : سلام خبر لما يدعون ، وما يدعون مبتدأ ، أي ولهم ما يدعون سلام خالص لا شرب فيه ، وقولا مصدر مؤكد ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=57ولهم ما يدعون سلام ) أي عدة من رحيم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والأوجه أن ينتصب على الاختصاص ، وهو من مجازه . انتهى . ويكون لهم متعلقا على هذا الإعراب بـ ( سلام ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي : سلم ، بكسر السين وسكون اللام ، ومعناه سلام . وقال
أبو الفضل : الرازي : مسالم لهم ، أي ذلك مسالم . وقرأ
أبي ،
وعبد الله ،
وعيسى ،
والقنوي : سلاما ، بالنصب على المصدر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : نصب على الحال ، أي لهم مرادهم خالصا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59nindex.php?page=treesubj&link=29007وامتازوا اليوم ) أي انفردوا عن المؤمنين ; لأن المحشر جمع البر والفاجر ، فأمر المجرمون بأن يكونوا على حدة من المؤمنين . والظاهر أن ثم قولا محذوفا ؛ لما ذكر تعالى ما يقال للمؤمنين في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=29007سلام قولا من رب رحيم ) ، قيل : ويقال للمجرمين ( امتازوا ) . ولما امتثلوا ما أمروا به ، قال لهم على جهة التوبيخ والتقريع (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60ألم أعهد إليكم ) ؟ وقفهم على عهده إليهم ومخالفتهم إياه . وعن
الضحاك : لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى ، فعلى هذا معناه أن بعضهم من بعض . وعن
قتادة : اعتزلوا عن كل خير . والعهد : الوصية ، عهد إليه إذا وصاه . وعهد الله إليهم : ما ركز فيهم من أدلة العقل ، وأنزل إليهم من أدلة السمع . وعبادة الشيطان : طاعته فيما يغويه ويزينه . وقرأ الجمهور : ( أعهد ) ، بفتح الهمزة والهاء . وقرأ
طلحة ،
والهذيل بن شرحبيل الكوفي : بكسر الهمزة ، قاله صاحب اللوامح ، وقال : لغة
تميم ، وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين حروف المضارعة ، يعني : نعهد وتعهد . وقال
ابن خالويه : ألم أعهد ;
nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب : ألم أحد لغة
تميم . وقال
ابن عطية : وقرأ
الهذيل بن وثاب : ألم إعهد ، بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء ، وهي على لغة من كسر أول المضارع سوى الياء . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب : ألم أعهد ، بكسر الهاء ، يقال : عهد يعهد . انتهى . وقوله : بكسر الميم والهمزة يعني أن كسر الميم يدل على كسر الهمزة ; لأن الحركة التي في الميم هي حركة نقل الهمزة المكسورة ، وحذفت الهمزة حين نقلت حركتها إلى الساكن قبلها وهو الميم . أعهد بالهمزة المقطوعة المكسورة لفظا ; لأن هذا لا يجوز . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرئ إعهد بكسر الهمزة ، وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء ; وأعهد بكسر الهاء . وقد جوز
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم ، وضرب يضرب ، وأحهد بالحاء وأحد ، وهي لغة
تميم ، ومنه قولهم : دحا محا . انتهى . وقوله : إلا في الياء ، لغة لبعض كلب أنهم يكسرون أيضا في الياء ، يقولون : هل يعلم ؟ وقوله : دحا محا ، يريدون دعها معها ، أدغموا العين في الحاء ، والإشارة بهذا إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن .
وقرأ
نافع ،
وعاصم ( جبلا ) ، بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وهي قراءة
أبي حيوة ،
وسهيل ،
وأبي جعفر ،
وشيبة ،
وأبي رجاء ;
والحسن :
[ ص: 344 ] بخلاف عنه . وقرأ العربيان ،
والهذيل بن شرحبيل : بضم الجيم وإسكان الباء ; وباقي السبعة : بضمها وتخفيف اللام ;
والحسن بن أبي إسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
وابن هرمز ،
وعبد الله بن عبيد بن عمير ،
وحفص بن حميد : بضمتين وتشديد اللام ;
والأشهب العقيلي ،
واليماني ،
وحماد بن مسلمة عن
عاصم : بكسر الجيم وسكون الباء ;
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : جبلا ، بكسرتين وتخفيف اللام . وقرئ : جبلا بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام ، جمع جبلة ، نحو فطرة وفطر ، فهذه سبع لغات قرئ بها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وبعض الخراسانيين : جيلا ، بكسر الجيم بعدها ياء آخر الحروف ، واحد الأجيال ; والجبل بالباء بواحدة من أسفل الأمة العظيمة . وقال
الضحاك : أقله عشرة آلاف . خاطب تعالى الكفار بما فعل معهم الشيطان تقريعا لهم . وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=62أفلم تكونوا ) بتاء الخطاب ;
وطلحة ،
وعيسى : بياء الغيبة ، عائدا على ( جبلا ) . ويروى أنهم يجحدون ويخاصمون ، فيشهد عليهم جيرانهم وعشائرهم وأهاليهم ، فيحلفون ما كانوا مشركين ، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374819 " يقول العبد يوم القيامة : إني لا أجيز علي شاهدا إلا من نفسي فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقال : بعدا لكن وسحقا ، فعنكن كنت أناضل " .
وقرئ : يختم مبنيا للمفعول ، وتتكلم أيديهم ، بتاءين . وقرئ : ولتكلمنا أيديهم ، بتاءين . وقرئ : ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الأمر والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة . وروى
عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده
طلحة أنه قرأ : ولتكلمنا أيديهم ولتشهد ، بلام كي والنصب على معنى : وكذلك يختم على أفواههم . والظاهر أن الأعين هي الأعضاء المبصرة ، والمعنى : لأعميناهم فلا يرون كيف يمشون ، قاله
الحسن وقتادة ، ويؤيده مناسبة المسخ ، فهم في قبضة القدرة وبروج العذاب إن شاءه الله لهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أراد عين البصائر ، والمعنى : ولو نشاء لختمت عليهم بالكفر فلا يهتدي منهم أحد أبدا . والطمس : إذهاب الشيء وأثره جملة حتى كأنه لم يوجد . فإن أريد بالأعين الحقيقة ، فالظاهر أنه يطمس بمعنى يمسخ حقيقة ، ويجوز أن يكون الطمس يراد به العمى من غير إذهاب العضو وأثره . وقرأ الجمهور ( فاستبقوا ) ، فعلا ماضيا معطوفا على (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66لطمسنا ) ، وهو على الفرض والتقدير . ( والصراط ) منصوب على تقدير إلى حذفت ووصل الفعل ، والأصل فاستبقوا إلى الصراط ، أو مفعولا به على تضمين ( استبقوا ) معنى ( تبادروا ) ، وجعله مسبوقا إليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أو ينتصب على الظرف ، وهذا لا يجوز ; لأن الصراط هو الطريق ، وهو ظرف مكان مختص . لا يصل إليه الفعل إلا بوساطة ( في ) إلا في شذوذ ، كما أنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه :
لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب
ومذهب
ابن الطراوة أن الصراط والطريق والمخرم ، وما أشبهها من الظروف المكانية ليست مختصة ، فعلى مذهبه يسوغ ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وقرأ
عيسى : فاستبقوا على الأمر ، وهو على إضمار القول ، أي فيقال لهم استبقوا الصراط ، وهذا على سبيل التعجيز ، إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66فأنى يبصرون ) أي كيف يبصر من طمس على عينه ؟ والظاهر أن المسخ حقيقة ، وهو تبديل صورهم بصور شنيعة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67لمسخناهم ) قردة وخنازير ، كما تقدم في بني إسرائيل ; وقيل حجارة . وقال
الحسن ،
وقتادة ، وجماعة : لأقعدناهم وأزمناهم ، فلا يستطيعون تصرفا . والظاهر أن هذا لو كان يكون في الدنيا . وقال
ابن سلام : هذا التوعد كله يوم القيامة . وقرأ
الحسن (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67على مكانتهم ) ، بالإفراد ، وهي المكان ، كالمقامة والمقام . وقرأ الجمهور ،
وأبو بكر : بالجمع . والجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67مضيا ) ، بضم الميم :
وأبو حيوة ،
وأحمد بن جبير الأنطاكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : بكسرها اتباعا لحركة الضاد ، كالعتبي والقتبي ، وزنه فعول .
[ ص: 345 ] التقت واو ساكنة وياء ، فأبدلت الواو ياء ، وأدغمت في الياء ، وكسر ما قبلها لتصح الياء . وقرئ : مضيا ، بفتح الميم ، فيكون من المصادر التي جاءت على فعيل ، كالرسيم والوجيف .
ولما ذكر تعالى الطمس والمسخ على تقدير المشبه ، ذكر تعالى دليلا على باهر قدرته في تنكيس المعمر ، وأن ذلك لا يفعله إلا هو تعالى . وتنكيسه : قلبه وجعله على عكس ما خلقه أولا ، وهو أنه خلقه على ضعف في جسد وخلو من عقل وعلم ، ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال إلى أن يبلغ أشده وتستكمل قوته ، ويعقل ويعلم ما له وما عليه . فإذا انتهى نكسه في الخلق ، فيتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبا في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من الفهم ، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله ، وفي هذا كله دليل على أن من فعل هذه الأفاعيل قادر على أن يطمس وأن يفعل بهم ما أراد . وقرأ الجمهور ( ننكسه ) ، مشددا ;
وعاصم ،
وحمزة : مخففا . وقرأ
نافع ،
وابن ذكوان ،
وأبو عمرو في رواية عباس : تعقلون بتاء الخطاب ; وباقي السبعة : بياء الغيبة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=29007وما علمناه الشعر ) الضمير في علمناه للرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون فيه شاعر . وروي أن القائل
عقبة بن أبي معيط ، فنفى الله ذلك عنه ، وقولهم فيه شاعر . أما من كان في طبعه الشعر ، فقوله مكابرة وإيهام للجاهل بالشعر ; وأما من ليس في طبعه ، فقوله جهل محض . وأين هو من الشعر ؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام ، وغير ذلك مما يتورع المتدين عن إنشاده ، فضلا عن إنشائه : وكان عليه السلام لا يقول الشعر ، وإذا أنشد بيتا أحرز المعنى دون وزنه ، كما أنشد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وقيل : من أشعر الناس ، فقال الذي يقول :
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة
وأنشد يوما :
كفى بالإسلام والشيب ناهيا
فقال
أبو بكر وعمر : نشهد أنك رسول الله ، إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام ، وربما أنشد البيت متزنا في النادر . وروي عنه أنشد بيت
nindex.php?page=showalam&ids=82ابن رواحة :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ولا يدل إجراء البيت على لسانه متزنا أنه يعلم الشعر ، وقد وقع في كلامه عليه السلام ما يدخله الوزن كقوله :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وكذلك قوله :
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وهو كلام من جنس كلامه الذي كان يتكلم به على طبيعته ، من غير صنعة فيه ولا قصد لوزن ولا تكلف . كما يوجد في القرآن شيء موزون ولا يعد شعرا ، كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) . وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) . وفي كثير من النثر الذي تنشئه الفصحاء ، ولا يسمى ذلك شعرا ، ولا يخطر ببال المنشي ولا السامع أنه شعر . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما ينبغي له ) أي ولا يمكن له ولا يصح ولا يناسب ; لأنه عليه السلام في طريق جد محض ، والشعر أكثره في طريق هزل ، وتحسين لما ليس حسنا ، وتقبيح لما ليس قبيحا ومغالاة مفرطة . جعله تعالى لا يقرض الشعر ، كما جعله أميا لا يخط ، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض . وقيل : في هذه الآية دلالة على غضاضة الشعر ، وقد قال عليه السلام : " ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي " . وذهب قوم إلى أنه لا غضاضة فيه ، وإنما منعه الله نبيه عليه الصلاة والسلام . وإن كان حلية جليلة ليجيء القرآن من قبله أغرب ، فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرآن : هذا من تلك
[ ص: 346 ] القوة . قال
ابن عطية : وليس الأمر عندي كذلك ، وقد كان عليه السلام من الفصاحة والبيان في النثر في الرتبة العليا ، ولكن كلام الله يبين بإعجازه ويندر بوصفه ، ويخرجه إحاطة علم الله عن كل كلام ; وإنما منع الله نبيه من الشعر ترفيعا له عن ما في قول الشعراء من التخييل والتزويق للقول . وأما القرآن فهو ذكر بحقائق وبراهين ، فما هو بقول شاعر ، وهذا كان أسلوب كلامه - عليه السلام - وقولا واحدا . انتهى .
والضمير في ( له ) للرسول ، أي وما ينبغي الشعر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبعد من ذهب إلى أنه عائد على القرآن ، أي وما ينبغي الشعر للقرآن ، ولم يجر له ذكر ، لكن له أن يقول : يدل الكلام عليه ، ويبينه عود الضمير عليه في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) أي كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ، وينال بتلاوته والعمل به ما فيه فوز الدارين . فكم بينه وبين الشعر الذي أكثره من همزات الشياطين ؟ وقرأ
نافع ،
وابن عامر : لتنذر بتاء الخطاب للرسول ; وباقي السبعة : بالياء للغيبة ، فاحتمل أن يعود على الرسول ، واحتمل أن يعود على القرآن . وقرأ
اليماني ( لينذر ) ، بالياء مبنيا للمفعول ، ونقلها
ابن خالويه عن
الجحدري . وقال عن
أبي السمال واليماني أنهما قرآ : لينذر ، بفتح الياء والذال مضارع نذر بكسر الذال ، إذا علم بالشيء فاستعد له . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70من كان حيا ) أي غافلا ، قاله
الضحاك ; لأن الغافل كالميت ; ويريد به من ختم عليه بالإيمان ، وكذلك قابله بقوله ( ويحق القول ) أي كلمة العذاب ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70على الكافرين ) المحتوم لهم بالموافاة على الكفر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=55nindex.php?page=treesubj&link=29007إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=56هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=57لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=62وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=63هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=64اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=68وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .
[ ص: 342 ] لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِحَالِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ لَنَا بِمَا يَكُونُونَ فِيهِ إِذَا صَارُوا إِلَى مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ . وَقِيلَ : هُوَ حِكَايَةُ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ زِيَادَةُ تَصْوِيرٍ لِلْمَوْعُودِ لَهُ فِي النُّفُوسِ ، وَتَرْغِيبٌ إِلَى الْحِرْصِ عَلَيْهِ وَفِيمَا يُثْمِرُهُ ; وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشُّغُلَ هُوَ النَّعِيمُ الَّذِي قَدْ شَغَلَهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ . وَقَالَ قَرِيبًا مِنْهُ
مُجَاهِدٌ ، وَبَعْضُهُمْ خَصَّ هَذَا الشُّغُلَ بِافْتِضَاضِ الْأَبْكَارِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ; وَعَنْهُ أَيْضًا : سَمَاعُ الْأَوْتَارِ . وَعَنِ
الْحَسَنِ : شُغِلُوا عَنْ مَا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ . وَعَنِ
الْكَلْبِيِّ : عَنْ أَهَالِيهِمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، لَا يَذْكُرُونَهُمْ لِئَلَّا يَتَنَغَّصُوا . وَعَنِ
ابْنِ كَيْسَانَ : الشُّغُلُ : التَّزَاوُرُ . وَقِيلَ : ضِيَافَةُ اللَّهِ ، وَأُفِرَدَ الشُّغُلُ مَلْحُوظًا فِيهِ النَّعِيمُ ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَعِيمٌ . وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ ،
وَأَبُو عَمْرٍو : بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّهَا ;
وَمُجَاهِدٌ ،
وَأَبُو السَّمَّالِ ،
وَابْنُ هُبَيْرَةَ فِيمَا نَقَلَ
ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنْهُ : بِفَتْحَتَيْنِ ;
وَيَزِيدُ النَّحْوِيُّ ،
وَابْنُ هُبَيْرَةَ ، فِيمَا نَقَلَ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ : بِفَتْحِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( فَاكِهُونَ ) ، بِالْأَلِفِ ;
وَالْحَسَنُ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَشَيْبَةُ ،
وَأَبُو رَجَاءٍ ،
وَيَحْيَى بْنُ صُبَيْحٍ ،
وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ : بِغَيْرِ أَلِفٍ ;
وَطَلْحَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : فَاكِهِينَ ، بِالْأَلِفِ وَبِالْيَاءِ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ ، وَفِي شُغُلٍ هُوَ الْخَبَرُ . فَبِالْأَلِفِ أَصْحَابُ فَاكِهَةٍ ، كَمَا يُقَالُ لَابِنٍ وَتَامِرٍ وَشَاحِمٍ وَلَاحِمٍ ، وَبِغَيْرِ أَلِفٍ مَعْنَاهُ : فَرِحُونَ طَرِبُونَ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْفُكَاهَةِ وَهِيَ الْمُزْحَةُ ، وَقُرِئَ : فَكِهِينَ ، بِغَيْرِ أَلِفٍ وَبِالْيَاءِ . وَقُرِئَ : فَكُهُونَ ، بِضَمِّ الْكَافِ . يُقَالُ : رَجُلٌ فَكُهٌ وَفَكِهٌ ، نَحْوُ : يَدُسٌ وَيَدِسٌ . وَيَجُوزُ فِي هُمْ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً ، وَخَبَرُهُ فِي ظِلَالٍ ، وَمُتَّكِئُونَ خَبَرٌ ثَانٍ ، أَوْ خَبَرُهُ مُتَّكِئُونَ ، وَفِي ظِلَالٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، أَوْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي فَاكِهُونَ ، وَفِي ظِلَالٍ حَالٌ ، وَمُتَّكِئُونَ خَبَرٌ ثَانٍ لِإِنَّ ، أَوْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي شُغُلٍ ، الْمُنْتَقِلِ إِلَيْهِ مِنَ الْعَامِلِ فِيهِ .
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ يَكُونُ الْأَزْوَاجُ قَدْ شَارَكُوهُمْ فِي التَّفَكُّهِ وَالشُّغُلِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَى الْأَرَائِكِ ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَنْطُوقِ . وَعَلَى الْأَوَّلِ ، شَارَكُوهُمْ فِي الظِّلَالِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَى الْأَرَائِكِ مِنْ حَيْثُ الْمَنْطُوقُ ، وَهُنَّ قَدْ شَارَكْنَهُمْ فِي التَّفَكُّهِ وَالشُّغُلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( فِي ظِلَالٍ ) . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهُوَ جَمْعُ ظِلٍّ ، إِذِ الْجَنَّةُ لَا شَمْسَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا هَوَاؤُهَا سَجْسَجٌ ، كَوَقْتِ الْأَسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ . انْتَهَى . وَجُمِعَ فِعْلٌ عَلَى فِعَالٍ فِي الْكَثْرَةِ ، نَحْوُ : ذِئْبٌ وَذِئَابٌ . وَأَمَّا أَنَّ وَقْتَ الْجَنَّةِ كَوَقْتِ الْأَسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فَيَحْتَاجُ هَذَا إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ . وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى حَوْرَاءَ مِنْ حُورِ الْجَنَّةِ ، لَوْ ظَهَرَتْ لَأَضَاءَتْ مِنْهَا الدُّنْيَا ، أَوْ نَحْوٌ مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ ظُلَّةٍ . قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : كَبُرْمَةٍ وَبِرَامٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17150مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ : جَمْعُ ظِلَّةٍ ، بِكَسْرِ الظَّاءِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهِيَ لُغَةٌ فِي ظُلَّةٍ . انْتَهَى . فَيَكُونَ مِثْلَ لُقْحَةٍ وَلِقَاحٍ ، وَفِعَالٌ لَا يَنْقَاسُ فِي فُعْلَةٍ بَلْ يُحْفَظُ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ ،
وَالسُّلَمِيُّ ،
وَطَلْحَةُ ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : ( فِي ظِلٍّ ) : جَمْعُ ظِلَّةٍ ، وَجَمْعُ فِعْلَةٍ عَلَى فِعْلٍ مَقِيسٌ ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَلَابِسِ وَالْمَرَاتِبِ مِنَ الْحِجَالِ وَالسُّتُورِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُظِلُّ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ : مُتَّكِئِينَ ، نَصْبًا عَلَى الْحَالِ ; وَيَدَّعُونَ مُضَارِعُ ادَّعَى ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنْ دَعَا ، وَمَعْنَاهُ : وَلَهُمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ . قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : الْعَرَبُ تَقُولُ ادْعُ عَلَيَّ مَا شِئْتَ ، بِمَعْنَى تَمَنَّ عَلَيَّ وَتَقُولُ فُلَانٌ فِي خَبَرٍ مَا تَمَنَّى . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : وَهُوَ مِنَ الدُّعَاءِ ، أَيْ مَا يَدْعُونَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْتِيهِمْ . وَقِيلَ : يَدْعُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ . وَقِيلَ : يَتَدَاعُونَهُ لِقَوْلِهِ
[ ص: 343 ] ارْتَمُوهُ وَتَرَامُوهُ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : سَلَامٌ بِالرَّفْعِ . وَهُوَ صِفَةٌ لِمَا ، أَيْ مُسَلَّمٌ لَهُمْ وَخَالِصٌ . انْتَهَى . وَلَا يَصِحُّ إِنْ كَانَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ; لِأَنَّهَا تَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَعْرِفَةً . وَسَلَامٌ نَكِرَةٌ ، وَلَا تُنْعَتُ الْمَعْرِفَةُ بِالنَّكِرَةِ . فَإِنْ كَانَتْ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً جَازَ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ عُمُومٌ ، كَحَالِهَا بِمَعْنَى الَّذِي . وَقِيلَ : سَلَامٌ مُبْتَدَأٌ وَيَكُونُ خَبَرُهُ ذَلِكَ الْفِعْلَ النَّاصِبَ لِقَوْلِهِ ( قَوْلًا ) ، أَيْ سَلَامٌ يُقَالُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=29007قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) ، أَوْ يَكُونُ عَلَيْكُمْ مَحْذُوفًا ، أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) . وَقِيلَ : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هُوَ سَلَامٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا ) بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=57مَا يَدَّعُونَ ) ، كَأَنَّهُ قَالَ : لَهُمْ سَلَامٌ يُقَالُ لَهُمْ قَوْلًا مِنْ جِهَةِ رَبٍّ رَحِيمٍ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ ، أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ، مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِمْ ، وَذَلِكَ مُتَمَنَّاهُمْ ، وَلَهُمْ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُونَهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ بِالتَّحِيَّةِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . انْتَهَى . وَإِذَا كَانَ سَلَامٌ بَدَلًا مِنْ مَا يَدَّعُونَ خُصُوصًا . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عُمُومٌ فِي كُلِّ مَا يَدَّعُونَ ، وَإِذَا كَانَ عُمُومًا ، لَمْ يَكُنْ سَلَامٌ بَدَلًا مِنْهُ . وَقِيلَ : سَلَامٌ خَبَرٌ لِمَا يَدَّعُونَ ، وَمَا يَدَّعُونَ مُبْتَدَأٌ ، أَيْ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلَامٌ خَالِصٌ لَا شُرْبَ فِيهِ ، وَقَوْلًا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=57وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلَامٌ ) أَيْ عِدَّةٌ مِنْ رَحِيمٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ ، وَهُوَ مِنْ مَجَازِهِ . انْتَهَى . وَيَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا عَلَى هَذَا الْإِعْرَابِ بِـ ( سَلَامٌ ) . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ : سِلْمٌ ، بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ ، وَمَعْنَاهُ سَلَامٌ . وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ : الرَّازِيُّ : مُسَالِمٌ لَهُمْ ، أَيْ ذَلِكَ مُسَالِمٌ . وَقَرَأَ
أُبِيٌّ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ ،
وَعِيسَى ،
وَالْقَنَوِيُّ : سَلَامًا ، بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، أَيْ لَهُمْ مُرَادُهُمْ خَالِصًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59nindex.php?page=treesubj&link=29007وَامْتَازُوا الْيَوْمَ ) أَيِ انْفَرَدُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ الْمَحْشَرَ جَمَعَ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ ، فَأُمِرَ الْمُجْرِمُونَ بِأَنْ يَكُونُوا عَلَى حِدَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا مَحْذُوفًا ؛ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=29007سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) ، قِيلَ : وَيُقَالُ لِلْمُجْرِمِينَ ( امْتَازُوا ) . وَلَمَّا امْتَثَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ ، قَالَ لَهُمْ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ) ؟ وَقَّفَهُمْ عَلَى عَهْدِهِ إِلَيْهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّاهُ . وَعَنِ
الضَّحَّاكِ : لِكُلِّ كَافِرٍ بَيْتٌ مِنَ النَّارِ يَكُونُ فِيهِ لَا يَرَى وَلَا يُرَى ، فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ . وَعَنْ
قَتَادَةَ : اعْتَزَلُوا عَنْ كُلِّ خَيْرٍ . وَالْعَهْدُ : الْوَصِيَّةُ ، عَهِدَ إِلَيْهِ إِذَا وَصَّاهُ . وَعَهْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ : مَا رَكَّزَ فِيهِمْ مِنْ أَدِلَّةِ الْعَقْلِ ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَدِلَّةِ السَّمْعِ . وَعِبَادَةُ الشَّيْطَانِ : طَاعَتُهُ فِيمَا يُغْوِيهِ وَيُزَيِّنُهُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( أَعْهَدْ ) ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ . وَقَرَأَ
طَلْحَةُ ،
وَالْهُذَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْكُوفِيُّ : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، قَالَهُ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ ، وَقَالَ : لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَهَذَا الْكَسْرُ فِي النُّونِ وَالتَّاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَيْنِ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ ، يَعْنِي : نِعْهَدْ وَتِعْهَدْ . وَقَالَ
ابْنُ خَالَوَيْهِ : أَلَمْ أَعْهَدْ ;
nindex.php?page=showalam&ids=17340يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ : أَلَمْ أَحَدْ لُغَةُ
تَمِيمٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَرَأَ
الْهُذَيْلُ بْنُ وَثَّابٍ : أَلَمِ إِعْهَدْ ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ ، وَهِيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ كَسَرَ أَوَّلَ الْمُضَارِعِ سِوَى الْيَاءِ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنِ وَثَّابٍ : أَلَمْ أَعْهِدْ ، بِكَسْرِ الْهَاءِ ، يُقَالُ : عَهِدَ يَعْهِدُ . انْتَهَى . وَقَوْلُهُ : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ يَعْنِي أَنَّ كَسْرَ الْمِيمِ يَدُلُّ عَلَى كَسْرِ الْهَمْزَةِ ; لِأَنَّ الْحَرَكَةَ الَّتِي فِي الْمِيمِ هِيَ حَرَكَةُ نَقْلِ الْهَمْزَةِ الْمَكْسُورَةِ ، وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ حِينَ نُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا وَهُوَ الْمِيمُ . أَعْهَدْ بِالْهَمْزَةِ الْمَقْطُوعَةِ الْمَكْسُورَةِ لَفْظًا ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقُرِئَ إِعْهَدْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، وَبَابُ فَعِلَ كُلُّهُ يَجُوزُ فِي حُرُوفِ مُضَارَعَتِهِ الْكَسْرُ إِلَّا فِي الْيَاءِ ; وَأَعْهِدُ بِكَسْرِ الْهَاءِ . وَقَدْ جَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ نَعَمَ يَنْعِمُ ، وَضَرَبَ يَضْرِبُ ، وَأَحْهَدُ بِالْحَاءِ وَأَحَدُ ، وَهِيَ لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : دَحَّا مَحَّا . انْتَهَى . وَقَوْلُهُ : إِلَّا فِي الْيَاءِ ، لُغَةٌ لِبَعْضِ كَلْبٍ أَنَّهُمْ يَكْسِرُونَ أَيْضًا فِي الْيَاءِ ، يَقُولُونَ : هَلْ يِعْلَمُ ؟ وَقَوْلُهُ : دَحَّا مَحَّا ، يُرِيدُونَ دَعْهَا مَعَهَا ، أَدْغَمُوا الْعَيْنَ فِي الْحَاءِ ، وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مَا عَهِدَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَعْصِيَةِ الشَّيْطَانِ وَطَاعَةِ الرَّحْمَنِ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَعَاصِمٌ ( جِبِلًّا ) ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْبَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
أَبِي حَيْوَةَ ،
وَسُهَيْلٍ ،
وَأَبِي جَعْفَرٍ ،
وَشَيْبَةَ ،
وَأَبِي رَجَاءٍ ;
وَالْحَسَنِ :
[ ص: 344 ] بِخِلَافٍ عَنْهُ . وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ ،
وَالْهُذَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ : بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِضَمِّهَا وَتَخْفِيفِ اللَّامِ ;
وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
وَابْنُ هُرْمُزَ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ،
وَحَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ : بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ;
وَالْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ ،
وَالْيَمَانِيُّ ،
وَحَمَّادُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
عَاصِمٍ : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : جِبِلًا ، بِكَسْرَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ . وَقُرِئَ : جِبَلًا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ ، جَمْعُ جِبْلَةٍ ، نَحْوُ فِطْرَةٍ وَفِطَرٍ ، فَهَذِهِ سَبْعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهَا . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ : جِيلًا ، بِكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا يَاءُ آخِرِ الْحُرُوفِ ، وَاحِدُ الْأَجْيَالِ ; وَالْجِبْلُ بِالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ أَسْفَلَ الْأُمَّةُ الْعَظِيمَةُ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : أَقَلُّهُ عَشَرَةُ آلَافٍ . خَاطَبَ تَعَالَى الْكُفَّارَ بِمَا فَعَلَ مَعَهُمُ الشَّيْطَانُ تَقْرِيعًا لَهُمْ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=62أَفَلَمْ تَكُونُوا ) بِتَاءِ الْخِطَابِ ;
وَطَلْحَةُ ،
وَعِيسَى : بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، عَائِدًا عَلَى ( جِبِلًّا ) . وَيُرْوَى أَنَّهُمْ يَجْحَدُونَ وَيُخَاصِمُونَ ، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمْ جِيرَانُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ وَأَهَالِيهِمْ ، فَيَحْلِفُونَ مَا كَانُوا مُشْرِكِينَ ، فَحِينَئِذٍ يُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374819 " يَقُولُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَيَّ شَاهِدًا إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ : انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيُقَالُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " .
وَقُرِئَ : يُخْتَمُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَتَتَكَلَّمُ أَيْدِيهِمْ ، بِتَاءَيْنِ . وَقُرِئَ : وَلِتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ، بِتَاءَيْنِ . وَقُرِئَ : وَلْتُكَلِّمْنَا أَيْدِيهِمْ وَلْتَشْهَدْ بِلَامِ الْأَمْرِ وَالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْأَعْضَاءَ بِالْكَلَامِ وَالشَّهَادَةِ . وَرَوَى
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
طَلْحَةَ أَنَّهُ قَرَأَ : وَلِتُكَلِّمَنَا أَيْدِيهِمْ وَلِتَشْهَدَ ، بِلَامِ كَيْ وَالنَّصْبُ عَلَى مَعْنَى : وَكَذَلِكَ يُخْتَمُ عَلَى أَفَوَاهِهِمْ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَعْيُنَ هِيَ الْأَعْضَاءُ الْمُبْصِرَةُ ، وَالْمَعْنَى : لَأَعْمَيْنَاهُمْ فَلَا يَرَوْنَ كَيْفَ يَمْشُونَ ، قَالَهُ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ، وَيُؤَيِّدُهُ مُنَاسَبَةُ الْمَسْخِ ، فَهُمْ فِي قَبْضَةِ الْقُدْرَةِ وَبُرُوجِ الْعَذَابِ إِنْ شَاءَهُ اللَّهُ لَهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَرَادَ عَيْنَ الْبَصَائِرِ ، وَالْمَعْنَى : وَلَوْ نَشَاءُ لَخَتَمْتُ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ فَلَا يَهْتَدِي مِنْهُمْ أَحَدٌ أَبَدًا . وَالطَّمْسُ : إِذْهَابُ الشَّيْءِ وَأَثَرِهِ جُمْلَةً حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ . فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَعْيُنِ الْحَقِيقَةُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَطْمِسُ بِمَعْنَى يَمْسَخُ حَقِيقَةً ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّمْسُ يُرَادُ بِهِ الْعَمَى مِنْ غَيْرِ إِذْهَابِ الْعُضْوِ وَأَثَرِهِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( فَاسْتَبَقُوا ) ، فِعْلًا مَاضِيًا مَعْطُوفًا عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66لَطَمَسْنَا ) ، وَهُوَ عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ . ( وَالصِّرَاطَ ) مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ إِلَى حُذِفَتْ وَوُصِلَ الْفِعْلُ ، وَالْأَصْلُ فَاسْتَبَقُوا إِلَى الصِّرَاطِ ، أَوْ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى تَضْمِينِ ( اسْتَبَقُوا ) مَعْنَى ( تَبَادَرُوا ) ، وَجَعْلِهِ مَسْبُوقًا إِلَيْهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَوْ يَنْتَصِبُ عَلَى الظَّرْفِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ الصِّرَاطَ هُوَ الطَّرِيقُ ، وَهُوَ ظَرْفُ مَكَانٍ مُخْتَصٌّ . لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ إِلَّا بِوَسَاطَةِ ( فِي ) إِلَّا فِي شُذُوذٍ ، كَمَا أَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ :
لَدْنٌ بِهَزُّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
وَمَذْهَبُ
ابْنِ الطَّرَاوَةِ أَنَّ الصِّرَاطَ وَالطَّرِيقَ وَالْمَخْرِمَ ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الظُّرُوفِ الْمَكَانِيَّةِ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً ، فَعَلَى مَذْهَبِهِ يَسُوغُ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَقَرَأَ
عِيسَى : فَاسْتَبِقُوا عَلَى الْأَمْرِ ، وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ ، أَيْ فَيُقَالُ لَهُمُ اسْتَبِقُوا الصِّرَاطَ ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْجِيزِ ، إِذْ لَا يُمْكِنُهُمُ الِاسْتِبَاقُ مَعَ طَمْسِ الْأَعْيُنِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) أَيْ كَيْفَ يُبْصِرُ مَنْ طُمِسَ عَلَى عَيْنِهِ ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْخَ حَقِيقَةٌ ، وَهُوَ تَبْدِيلُ صِوَرِهِمْ بِصُوَرٍ شَنِيعَةٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67لَمَسَخْنَاهُمْ ) قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ; وَقِيلَ حِجَارَةً . وَقَالَ
الْحَسَنُ ،
وَقَتَادَةُ ، وَجَمَاعَةٌ : لَأَقْعَدْنَاهُمْ وَأَزَمْنَاهُمْ ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَصَرُّفًا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ
ابْنُ سَلَّامٍ : هَذَا التَّوَعُّدُ كُلُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67عَلَى مَكَانَتِهِمْ ) ، بِالْإِفْرَادِ ، وَهِيَ الْمَكَانُ ، كَالْمَقَامَةِ وَالْمَقَامِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ،
وَأَبُو بَكْرٍ : بِالْجَمْعِ . وَالْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=67مُضِيًّا ) ، بِضَمِّ الْمِيمِ :
وَأَبُو حَيْوَةَ ،
وَأَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ : بِكَسْرِهَا اتِّبَاعًا لِحَرَكَةِ الضَّادِ ، كَالْعِتِبِيِّ وَالْقِتِبِيِّ ، وَزْنُهُ فَعُولٌ .
[ ص: 345 ] الْتَقَتْ وَاوٌ سَاكِنَةٌ وَيَاءٌ ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً ، وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ ، وَكُسِرَ مَا قَبْلَهَا لِتَصِحَّ الْيَاءُ . وَقُرِئَ : مَضِيًّا ، بِفَتْحِ الْمِيمِ ، فَيَكُونُ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فَعِيلٍ ، كَالرَّسِيمِ وَالْوَجِيفِ .
وَلِمَا ذَكَرَ تَعَالَى الطَّمْسَ وَالْمَسْخَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُشَبَّهِ ، ذَكَرَ تَعَالَى دَلِيلًا عَلَى بَاهِرِ قُدْرَتِهِ فِي تَنْكِيسِ الْمُعَمَّرِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا هُوَ تَعَالَى . وَتَنْكِيسُهُ : قَلَبَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى عَكْسِ مَا خَلَقَهُ أَوَّلًا ، وَهُوَ أَنَّهُ خَلَقَهُ عَلَى ضَعْفٍ فِي جَسَدٍ وَخُلُوٍّ مِنْ عَقْلٍ وَعِلْمٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ يَتَزَايَدُ وَيَنْتَقِلُ مَنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَتُسْتَكْمَلَ قُوَّتُهُ ، وَيَعْقِلَ وَيَعْلَمَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ . فَإِذَا انْتَهَى نَكَّسَهُ فِي الْخَلْقِ ، فَيَتَنَاقَصُ حَتَّى يَرْجِعَ فِي حَالٍ شَبِيهَةٍ بِحَالِ الصِّبَا فِي ضَعْفِ جَسَدِهِ وَقِلَّةِ عَقْلِهِ وَخُلُوِّهِ مِنَ الْفَهْمِ ، كَمَا يُنَكَّسُ السَّهْمُ فَيُجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَطْمِسَ وَأَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا أَرَادَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( نُنَكِّسْهُ ) ، مُشَدَّدًا ;
وَعَاصِمٌ ،
وَحَمْزَةُ : مُخَفَّفًا . وَقَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَابْنُ ذَكْوَانَ ،
وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ عَبَّاسٍ : تَعْقِلُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِيَاءِ الْغَيْبَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=29007وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ) الضَّمِيرُ فِي عَلَّمْنَاهُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ شَاعِرٌ . وَرُوِيَ أَنَّ الْقَائِلَ
عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَقَوْلُهُمْ فِيهِ شَاعِرٌ . أَمَّا مَنْ كَانَ فِي طَبْعِهِ الشِّعْرُ ، فَقَوْلُهُ مُكَابَرَةٌ وَإِيهَامٌ لِلْجَاهِلِ بِالشِّعْرِ ; وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي طَبْعِهِ ، فَقَوْلُهُ جَهْلٌ مَحْضٌ . وَأَيْنَ هُوَ مِنَ الشِّعْرِ ؟ وَالشِّعْرُ إِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى تَنْتَخِبُهُ الشُّعَرَاءُ مِنْ كَثْرَةِ التَّخْيِيلِ وَتَزْوِيقِ الْكَلَامِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَرَّعُ الْمُتَدَيِّنُ عَنْ إِنْشَادِهِ ، فَضْلًا عَنْ إِنْشَائِهِ : وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَقُولُ الشِّعْرَ ، وَإِذَا أَنْشَدَ بَيْتًا أَحْرَزَ الْمَعْنَى دُونَ وَزْنِهِ ، كَمَا أَنْشَدَ :
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوَّدْ بِالْأَخْبَارِ
وَقِيلَ : مِنْ أَشْعَرِ النَّاسِ ، فَقَالَ الَّذِي يَقُولُ :
أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا وَجَدْتُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تُطَيَّبْ طِيبَا
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْ دِ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ
وَأَنْشَدَ يَوْمًا :
كَفَى بِالْإِسْلَامِ وَالشَّيْبِ نَاهِيَا
فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ : نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، إِنَّمَا قَالَ الشَّاعِرُ : كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ ، وَرُبَّمَا أَنْشَدَ الْبَيْتَ مُتَّزِنًا فِي النَّادِرِ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنْشَدَ بَيْتَ
nindex.php?page=showalam&ids=82ابْنِ رَوَاحَةَ :
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتُثْقِلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
وَلَا يَدُلُّ إِجْرَاءُ الْبَيْتِ عَلَى لِسَانِهِ مُتَّزِنًا أَنَّهُ يَعْلَمُ الشِّعْرَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا يَدْخُلُهُ الْوَزْنُ كَقَوْلِهِ :
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
هَلْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
وَهُوَ كَلَامٌ مَنْ جِنْسِ كَلَامِهِ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ عَلَى طَبِيعَتِهِ ، مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ فِيهِ وَلَا قَصْدٍ لِوَزْنٍ وَلَا تَكَلُّفٍ . كَمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مَوْزُونٌ وَلَا يُعَدُّ شِعْرًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) . وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) . وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النَّثْرِ الَّذِي تُنْشِئُهُ الْفُصَحَاءُ ، وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ شِعْرًا ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُنْشِي وَلَا السَّامِعِ أَنَّهُ شِعْرٌ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ لَهُ وَلَا يَصِحُّ وَلَا يُنَاسَبُ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَرِيقِ جِدٍّ مَحْضٍ ، وَالشِّعْرُ أَكْثَرُهُ فِي طَرِيقِ هَزْلٍ ، وَتَحْسِينٌ لِمَا لَيْسَ حَسَنًا ، وَتَقْبِيحٌ لِمَا لَيْسَ قَبِيحًا وَمُغَالَاةٌ مُفْرِطَةٌ . جَعَلَهُ تَعَالَى لَا يَقْرِضُ الشِّعْرَ ، كَمَا جَعَلَهُ أُمِّيًّا لَا يَخُطُّ ، لِتَكُونَ الْحُجَّةُ أَثْبَتَ وَالشُّبْهَةُ أَدْحَضَ . وَقِيلَ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى غَضَاضَةِ الشِّعْرِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " مَا أَنَا بِشَاعِرٍ وَلَا يَنْبَغِي لِي " . وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَإِنْ كَانَ حِلْيَةً جَلِيلَةً لِيَجِيءَ الْقُرْآنُ مِنْ قِبَلِهِ أَغْرَبَ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ إِدْرَاكُ الشِّعْرِ لَقِيلَ فِي الْقُرْآنِ : هَذَا مِنْ تِلْكَ
[ ص: 346 ] الْقُوَّةِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي كَذَلِكَ ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ فِي النَّثْرِ فِي الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا ، وَلَكِنَّ كَلَامَ اللَّهِ يُبِينُ بِإِعْجَازِهِ وَيَنْدُرُ بِوَصْفِهِ ، وَيُخْرِجُهُ إِحَاطَةُ عِلْمِ اللَّهِ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ ; وَإِنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنَ الشِّعْرِ تَرْفِيعًا لَهُ عَنْ مَا فِي قَوْلِ الشُّعَرَاءِ مِنَ التَّخْيِيلِ وَالتَّزْوِيقِ لِلْقَوْلِ . وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ ذِكْرٌ بِحَقَائِقَ وَبَرَاهِينَ ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ، وَهَذَا كَانَ أُسْلُوبُ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلًا وَاحِدًا . انْتَهَى .
وَالضَّمِيرُ فِي ( لَهُ ) لِلرَّسُولِ ، أَيْ وَمَا يَنْبَغِي الشِّعْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ ، أَيْ وَمَا يَنْبَغِي الشِّعْرُ لِلْقُرْآنِ ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ : يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ، وَيُبَيِّنُهُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) أَيْ كِتَابٌ سَمَاوِيٌّ يُقْرَأُ فِي الْمَحَارِيبِ ، وَيُنَالُ بِتِلَاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ مَا فِيهِ فَوْزُ الدَّارَيْنِ . فَكَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّعْرِ الَّذِي أَكْثَرُهُ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ؟ وَقَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَابْنُ عَامِرٍ : لِتُنْذِرَ بِتَاءِ الْخِطَابِ لِلرَّسُولِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ : بِالْيَاءِ لِلْغَيْبَةِ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ عَلَى الرَّسُولِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْقُرْآنِ . وَقَرَأَ
الْيَمَانِيُّ ( لِيُنْذَرَ ) ، بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَنَقَلَهَا
ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنِ
الْجَحْدَرِيِّ . وَقَالَ عَنْ
أَبِي السَّمَّالِ وَالْيَمَانِيِّ أَنَّهُمَا قَرَآ : لِيَنْذَرَ ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالذَّالِ مُضَارِعَ نَذِرَ بِكَسْرِ الذَّالِ ، إِذَا عَلِمَ بِالشَّيْءِ فَاسْتَعَدَّ لَهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70مَنْ كَانَ حَيًّا ) أَيْ غَافِلًا ، قَالَهُ
الضَّحَّاكُ ; لِأَنَّ الْغَافِلَ كَالْمَيِّتِ ; وَيُرِيدُ بِهِ مَنْ خَتَمَ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ ، وَكَذَلِكَ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيَحِقَّ الْقَوْلُ ) أَيْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70عَلَى الْكَافِرِينَ ) الْمَحْتُومِ لَهُمْ بِالْمُوَافَاةِ عَلَى الْكُفْرِ .