مسألة
اختلف العلماء في ، فقال بعضهم : يلزم الوفاء به مطلقا ، وقال بعضهم : لا يلزم مطلقا ، وقال بعضهم : إن أدخله بالوعد في ورطة لزم الوفاء به ، وإلا فلا ، ومثاله ما لو قال له : تزوج ، فقال له : ليس عندي ما أصدق به الزوجة ، فقال : تزوج والتزم لها الصداق وأنا أدفعه عنك ، فتزوج على هذا الأساس ، فإنه قد أدخله بوعده في ورطة التزام الصداق ، واحتج من قال يلزمه ، بأدلة منها آيات من كتاب الله دلت بظواهر عمومها على ذلك وبأحاديث ، فالآيات كقوله تعالى : لزوم الوفاء بالعهد وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا [ 17 \ 34 ] ، وقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود الآية [ 5 \ 1 ] ، وقوله تعالى : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها الآية [ 16 \ 91 ] ، وقوله هنا : إنه كان صادق الوعد الآية [ 19 \ 54 ] ، ونحو ذلك من الآيات .
والأحاديث كحديث " العدة دين " فجعلها دينا دليل على لزومها ، قال صاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس : " ، رواه العدة دين في الأوسط الطبراني والقضاعي وغيرهما عن بلفظ : قال : لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ابن مسعود " ورواه العدة دين أبو نعيم عنه بلفظ : إذا وعد أحدكم صبيه فلينجز له : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكره بلفظ " عطية " ورواه في الأدب المفرد موقوفا ، ورواه البخاري الطبراني والديلمي عن علي مرفوعا بلفظ : . " ثلاثا ، ورواه العدة دين ، ويل لمن وعد ثم أخلف ، ويل له بلفظ الترجمة فقط ، القضاعي والديلمي أيضا بلفظ : " الواعد بالعدة مثل الدين أو أشد " أي : وعد الواعد ، وفي لفظ له " عدة المؤمن دين ، وعدة المؤمن كالأخذ باليد " ، في الأوسط عن وللطبراني قباث بن أشيم الليثي مرفوعا : " " . العدة عطية
وللخرائطي في المكارم عن مرسلا : الحسن البصري " ، وهو في مراسيل أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فلم تجد عنده ، فقالت : عدني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العدة عطية أبي داود ، وكذا في الصمت عن لابن أبي الدنيا الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " ، وفي رواية لهما عن العدة عطية الحسن أنه قال : قال : في المقاصد بعد ذكر الحديث وطرقه : وقد أفردته مع [ ص: 439 ] ما يلائمه بجزء . انتهى منه ، وقد علم في الجامع الصغير على هذا الحديث من رواية علي عند سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقال : " ما عندي ما أعطيك " الديلمي في مسند الفردوس بالضعف .
وقال شارحه المناوي : وفيه دارم بن قبيصة ، قال الذهبي : لا يعرف . اهـ . ولكن قد مر لك أن طرقه متعددة ، وقد روي عن غير علي من الصحابة كما قدمنا روايته عن ، ابن مسعود وقباث بن أشيم الكناني الليثي رضي الله عنهما ، وسيأتي في هذا المبحث إن شاء الله أحاديث صحيحة ، دالة على الوفاء بالوعد .
واحتج من قال بأن الوعد لا يلزم الوفاء به بالإجماع على أن من وعد رجلا بمال إذا أفلس الواعد لا يضرب للموعود بالوعد مع الغرماء ، ولا يكون مثل ديونهم اللازمة بغير الوعد ، حكى الإجماع على هذا ، كما نقله عنه ابن عبد البر القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ، وفيه مناقشة ، وحجة من فرق بين إدخاله إياه في ورطة بالوعد فيلزم ، وبين عدم إدخاله إياه فيها فلا يلزم ، أنه إذا أدخله في ورطة بالوعد ثم رجع في الوعد وتركه في الورطة التي أدخله فيها ، فقد أضر به ، ، للحديث " وليس للمسلم أن يضر بأخيه " . لا ضرر ولا ضرار
وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : قال مالك : إذا سأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة ، فيقول له نعم ، ثم يبدو له ألا يفعل ، فما أرى يلزمه ، قال مالك : ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه فقال نعم ، وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان .
وقال أبو حنيفة وأصحابه ، ، والأوزاعي وسائر الفقهاء : إن العدة لا يلزم منها شيء ; لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة ، وفي غير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها ، وفي والشافعي : البخاري واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد [ 19 \ 54 ] ، وقضى ابن أشوع بالوعد ، وذكر ذلك عن ، قال سمرة بن جندب : ورأيت البخاري إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن أشوع . انتهى كلام القرطبي ، وكلام الذي ذكر البخاري القرطبي بعضه ، هو قوله في آخر كتاب " الشهادات " : باب من أمر بإنجاز الوعد ، وفعله الحسن واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ، وقضى ابن أشوع بالوعد ، وذكر ذلك عن سمرة وقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر صهرا له ، قال وعدني فوفى لي ، قال المسور بن مخرمة أبو عبد الله : ورأيت إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن أشوع : حدثنا ، حدثنا [ ص: 440 ] إبراهيم بن حمزة إبراهيم بن سعد عن صالح عن ، عن ابن شهاب : أن عبيد الله بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره قال أخبرني عبد الله بن عباس أبو سفيان أن هرقل قال له : سألتك ماذا يأمركم ، فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة ، قال : وهذه صفة نبي .
حدثنا ، حدثنا قتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أبي هريرة " ، حدثنا آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف ، أخبرنا إبراهيم بن موسى هشام عن قال : أخبرني ابن جريج عن عمرو بن دينار محمد بن علي عن رضي الله عنهم قال : لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء جابر بن عبد الله أبا بكر مال من قبل فقال العلاء بن الحضرمي أبو بكر : من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين ، أو كانت له قبله عدة فليأتنا ، قال جابر : فقلت وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا ، فبسط يديه ثلاث مرات ، قال جابر : فعد في يدي خمسمائة ، ثم خمسمائة ، ثم خمسمائة .
حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، أخبرنا ، حدثنا سعيد بن سليمان عن مروان بن شجاع سالم الأفطس عن : قال : سألني يهودي من سعيد بن جبير أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله ، فقدمت فسألت ، قال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله إذا قال فعل . انتهى من صحيح ابن عباس ، وقوله في ترجمة الباب المذكور " وفعله البخاري الحسن " يعني الأمر بإنجاز الوعد ، ووجه احتجاجه بآية : إنه كان صادق الوعد ، أن الثناء عليه بصدق الوعد يفهم منه أن إخلافه مذموم فاعله ، فلا يجوز ، وابن الأشوع المذكور هو سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني الكوفي ، كان قاضي الكوفة في زمان إمارة على خالد القسري العراق ، وقد وقع بيان روايته المذكورة عن في تفسير سمرة بن جندب إسحاق بن راهويه ، وهو إسحاق بن إبراهيم الذي ذكر أنه رآه يحتج بحديث البخاري ابن أشوع ، كما قاله ابن حجر في " الفتح " ، والمراد أنه كان يحتج به في القول بوجوب إنجاز الوعد ، وصهر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أثنى عليه بوفائه له بالوعد هو زوج أبو العاص بن الربيع صلى الله عليه وسلم ، وقد أسره المسلمون يوم زينب بنت رسول الله بدر كافرا ، وقد وعده برد ابنته زينب إليه ، وردها إليه ، خلافا لمن زعم أن الصهر المذكور أبو بكر رضي الله عنه ، وقد ذكر في الباب المذكور أربعة أحاديث في كل واحد منها دليل على البخاري . الوفاء بإنجاز الوعد
الأول : حديث في قصة أبي سفيان بن حرب هرقل وهو طرف من حديث صحيح [ ص: 441 ] مشهور ، ووجه الدلالة منه في قوله : " " فإن جميع المذكورات في هذا الحديث مع الوفاء بالعهد كلها واجبة ، وهي الصلاة والصدق والعفاف وأداء الأمانة ، وقد ذكر بعد ذلك أن هذه الأمور صفة نبي والاقتداء بالأنبياء واجب . فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة
الثاني : حديث في آية المنافق ، ومحل الدليل منه قوله " أبي هريرة " فكون إخلاف الوعد من علامات المنافق يدل على أن المسلم لا يجوز له أن يتسم بسمات المنافقين . وإذا وعد أخلف
الثالث : حديث جابر في قصته مع أبي بكر ، ووجه الدلالة منه أن أبا بكر قال : من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة . . . الحديث ، فجعل العدة كالدين ، وأنجز لجابر ما وعده النبي صلى الله عليه وسلم من المال ، فدل ذلك على الوجوب .
الرابع : حديث في أي الأجلين قضى ابن عباس موسى ، ووجه الدلالة منه أنه قضى أطيبهما وأكثرهما ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل ، فعلى المؤمنين الاقتداء بالرسل ، وأن يفعلوا إذا قالوا ، وفي الاستدلال بهذه الأحاديث مناقشات من المخالفين .
ومن أقوى الأدلة في الوفاء بالعهد قوله تعالى : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [ 61 \ 3 ] ; لأن المقت الكبير من الله على عدم الوفاء بالقول يدل على التحريم الشديد في عدم الوفاء به ، وقال ابن حجر في " الفتح " في الكلام على ترجمة الباب المذكورة : قال المهلب : إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض ؛ لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء . اهـ .
ونقل الإجماع في ذلك مردود ، فإن الخلاف مشهور لكن القائل به قليل . وقال ابن عبد البر وابن العربي : أجل من قال به . انتهى محل الغرض من كلام الحافظ في الفتح ، وقال أيضا : وخرج بعضهم الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في الهبة ، هل تملك بالقبض أو قبله . عمر بن العزيز
فإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة ، وما استدل به كل فريق منهم فاعلم أن الذي يظهر لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم : أن إخلاف الوعد لا يجوز ، لكونه من علامات المنافقين ، ولأن الله يقول : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ، وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد ، ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه به ولا يلزم به جبرا ، بل يؤمر به ولا يجبر عليه ; لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به ; لأنه وعد بمعروف محض ، والعلم عند الله تعالى .