اعلم أن التحقيق أنه يجب ، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث تقديم الصلوات الفوائت على الصلاة الحاضرة جابر رضي الله عنه : رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار عمر بن الخطاب قريش ، قال يا رسول الله ، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله ما صليتها " فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها ، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب . اهـ . أن
فهذا الحديث المتفق عليه فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر قضاء بعد غروب الشمس ، وقدمها على المغرب ، وهو نص صحيح صريح في تقديم الفائتة على الحاضرة ، والمقرر في الأصول : أن ، لعموم النصوص الواردة بالتأسي به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ، وللاحتياط في الخروج من عهدة التكليف . أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة من قرينة الوجوب وغيره تحمل على الوجوب
ومن أظهر الأدلة في ذلك أنه لما خلع نعله في الصلاة فخلع أصحابه نعالهم تأسيا به صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلموا أن جبريل أخبره أن بباطنها أذى ، وسألهم صلى الله عليه وسلم لم خلعوا نعالهم ؟ وأجابوا بأنهم رأوه خلع نعله - وهو فعل مجرد من قرائن الوجوب وغيره - أقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم ، فدل ذلك على لزوم التأسي به في أفعاله المجردة من القرائن ، والحديث وإن ضعفه بعضهم بالإرسال فقد رجح بعضهم وصله .
والأدلة الكثيرة الدالة على وجوب في الكتاب والسنة شاهدة له ، وإلى كون أفعاله صلى الله عليه وسلم المجردة من القرائن تحمل على الوجوب أشار في " مراقي السعود " في كتاب السنة بقوله : التأسي به صلى الله عليه وسلم
وكل ما الصفة فيه تجهل فللوجوب في الأصح يجعل
[ ص: 458 ] وفي حمله على الوجوب مناقشات معروفة في الأصول ، انظرها في ) نشر البنود ( وغيره .ويعتضد ما ذكرنا من أن فعله المجرد الذي هو تقديم العصر الفائتة على المغرب الحاضرة يقتضي الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم : " " ، وقال الحافظ في ) فتح الباري ( في استدلال صلوا كما رأيتموني أصلي على تقديم الأولى من الفوائت فالأولى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم المذكور ما نصه : ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بترتيب الفوائت ، إلا إذا قلنا : إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب ، اللهم إلا أن يستدل له بعموم قوله : " البخاري " ، وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذا . انتهى منه . صلوا كما رأيتموني أصلي
ونحن نقول : الأظهر أن الأفعال المجردة تقتضي الوجوب كما جزم به صاحب المراقي في البيت المذكور ، وكذلك عموم حديث : " " يقتضي ذلك أيضا ، والعلم عند الله تعالى . صلوا كما رأيتموني أصلي
واعلم أنه إن تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق ، فقد اختلف العلماء : إلى ثلاثة مذاهب : هل يقدم الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو لا ؟
الأول : أنه يقدم الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة ، هو مذهب مالك وجل أصحابه .
الثاني : أن يبدأ بالحاضرة محافظة على الوقت ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأكثر أصحاب الحديث .
الثالث : أنه يخير في تقديم ما شاء منهما ، وهو قول أشهب من أصحاب مالك ، قال عياض : ومحل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت ، فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة ، واختلفوا في حد القليل في ذلك ، فقيل صلاة يوم ، وقيل أربع صلوات .