ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن المؤمنين إذا أدخلهم ربهم جنات عدن التي وعدهم لا يسمعون فيها [ 19 \ 62 ] ، أي : في الجنات المذكورة لغوا ، أي : كلاما تافها ساقطا كما يسمع في الدنيا ، واللغو : هو فضول الكلام ، وما لا طائل تحته ، ويدخل فيه فحش الكلام وباطله ، ومنه قول رؤبة ، وقيل العجاج :
ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم
كما تقدم في سورة " المائدة " .والظاهر أن قوله : إلا سلاما ، استثناء منقطع ، أي : لكن يسمعون فيها سلاما ، لأنهم يسلم بعضهم على بعض ، وتسلم عليهم الملائكة ، كما يدل على ذلك قوله تعالى : تحيتهم فيها سلام الآية [ 14 \ 23 ] ، وقوله : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم الآية [ 13 \ 23 - 24 ] ، كما تقدم مستوفى .
وهذا المعنى الذي أشار له هنا جاء في غير هذا الموضع أيضا كقوله في " الواقعة " : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما [ 56 \ 25 - 26 ] ، وقد جاء الاستثناء المنقطع في آيات أخر من كتاب الله ، كقوله تعالى : ما لهم به من علم إلا اتباع الظن الآية [ 4 \ 157 ] : وقوله : وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [ 92 \ 19 - 20 ] ، وقوله : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى [ 44 \ 56 ] ، وكقوله : ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم الآية [ 4 \ 29 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، فكل الاستثناءات المذكورة في هذه الآيات منقطعة ، ونظير ذلك من كلام العرب في الاستثناء المنقطع قول نابغة ذبيان :
وقفت فيها أصيلانا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
وقول : الفرزدق
[ ص: 467 ]
وبنت كريم قد نكحنا ولم يكن لها خاطب إلا السنان وعامله
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
وقول ضرار بن الأزور :
أجاهد إذ كان الجهاد غنيمة ولله بالعبد المجاهد أعلم
عشية لا تغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرقي المصمم