اعلم أنه يبنى على الخلاف في بعض الفروع الفقهية ، فلو أقر رجل لآخر فقال له : علي ألف دينار إلا ثوبا ، فعلى القول بعدم صحة الاستثناء المنقطع يكون قوله " إلا ثوبا " لغوا وتلزمه الألف كاملة ، وعلى القول بصحة الاستثناء المنقطع لا يلغى قوله " إلا ثوبا " وتسقط قيمة الثوب من الألف ، والذين قالوا تسقط قيمته اختلفوا في توجيهه على قولين : أحدهما : أنه مجاز ، وأنه أطلق الثوب وأراد قيمته ، والثاني : أن فيه إضمارا ، أي : حذف مضاف ، يعني : إلا قيمة ثوب ، فمن قال يقدم المجاز على الإضمار قال " إلا ثوبا " مجاز ، أطلق الثوب وأراد القيمة ، كإطلاق الدم على الدية ، ومن قال يقدم الإضمار على المجاز قال " إلا ثوبا " ، أي : إلا قيمة ثوب ، واعتمد صاحب مراقي السعود تقديم المجاز على الإضمار في قوله : صحة الاستثناء المنقطع
وبعد تخصيص مجاز يلي الإضمار فالنقل على المعول
ومعنى البيت : أن المقدم عندهم التخصيص ، ثم المجاز ، ثم الإضمار ، ثم النقل ، مثال تقديم التخصيص على المجاز إذا احتمل اللفظ كل واحد منهما قوله تعالى : فاقتلوا المشركين [ 9 \ 5 ] ، يحتمل التخصيص ; لأن بعض المشركين كالذميين والمعاهدين أخرجهم دليل مخصص لعموم المشركين ، ويحتمل عند القائلين بالمجاز أنه مجاز مرسل ، أطلق فيه الكل وأراد البعض ، فيقدم التخصيص لأمرين : أحدهما أن اللفظ يبقى حقيقة في ما لم يخرجه المخصص ، والحقيقة مقدمة على المجاز .الثاني أن اللفظ يبقى مستصحبا في الأفراد الباقية بعد التخصيص من غير احتياج إلى قرينة ، ومثال تقديم المجاز على الإضمار عند احتمال اللفظ لكل واحد منهما ، قول السيد لعبده الذي هو أكبر منه سنا : أنت أبي ، يحتمل أنه مجاز مرسل ، من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم ، أي : أنت عتيق ; لأن الأبوة يلزمها العتق ، ويحتمل الإضمار ، أي : أنت مثل أبي في الشفقة والتعظيم ، فعلى الأول يعتق ، وعلى الثاني : لا يعتق ، ومن أمثلته المسألة التي [ ص: 469 ] نحن بصددها ، ومثال تقديم الإضمار على النقل عند احتمال اللفظ لكل واحد منهما : قوله تعالى : وحرم الربا [ 2 \ 275 ] ، يحتمل الإضمار ، أي : أخذ الربا وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين مثلا ، وعلى هذا لو حذف الدرهم الزائد لصح البيع في الدرهم بالدرهم ، ويحتمل نقل الربا إلى معنى العقد ، فيمتنع عقد بيع الدرهم بالدرهمين ، ولو حذف الزائد فلا بد من عقد جديد مطلقا .
قال مقيده عفا الله عنه : وعلى هذين الوجهين اللذين ذكروهما في : " له علي ألف دينار إلا ثوبا " ، وهما الإضمار والنقل يرجع الاستثناء إلى كونه متصلا ; لأن قيمة الثوب من جنس الألف التي أقر بها ، سواء قلنا إن القيمة مضمرة ، أو قلنا إنها معبر عنها بلفظ الثوب .