وما ذكره هنا من أنهم يلقون في مكان ضيق من النار ، جاء مذكورا أيضا في غير هذا الموضع كقوله تعالى : إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة [ 104 \ 8 - 9 ] وقوله تعالى : والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة [ 90 \ 19 - [ ص: 27 ] 20 ] ومعنى مؤصدة في الموضعين بهمز ، وبغير همز : مطبقة أبوابها ، مغلقة عليهم كما أوضحناه بشواهده العربية في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد [ 18 \ 18 ] ومن كان في مكان مطبق مغلق عليه ، فهو في مكان ضيق ، والعياذ بالله ، وقد ذكر أن الواحد منهم يجعل في محله من النار بشدة كما يدق الوتد في الحائط ، وعن : أن ابن مسعود كتضييق الزج على الرمح . والزج بالضم : الحديدة التي في أسفل الرمح . جهنم تضيق على الكافر
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : مقرنين : أي في الأصفاد بدليل قوله تعالى في سورة إبراهيم : وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد [ 14 \ 49 ] والأصفاد : القيود . والأظهر أن معنى مقرنين : أن الكفار يقرن بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل ، وقال بعض أهل العلم : كل كافر يقرن هو وشيطانه ، وقد قال تعالى : حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [ 43 \ 38 ] .
وهذا أظهر من قول من قال : مقرنين مكتفين ، ومن قول من قال : مقرنين : أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال ، والثبور : الهلاك والويل والخسران .
وقال ابن كثير : والأظهر أن الثبور يجمع الخسار والهلاك والويل والدمار . كما قال موسى لفرعون : وإني لأظنك يافرعون مثبورا [ 17 \ 102 ] أي هالكا ، قال عبد الله بن الزبعرى السهمي :
إذا جارى الشيطان في سنن الغسـ ـى ومن مال ميله مثبور
ا هـ .وقال الجوهري في صحاحه : والثبور الهلاك والخسران أيضا ، قال : الكميت
ورأت قضاعة في الأيا من رأي مثبور وثابر
أي مخسور وخاسر يعني في انتسابها لليمن . ا هـ منه .
وقوله تعالى : دعوا هنالك ثبورا معنى دعائهم الثبور هو قولهم : واثبوراه ، يعنون : يا ويل ، ويا هلاك ، تعال ، فهذا حينك وزمانك .
وقال : ومعنى وادعوا ثبورا كثيرا أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا ، إنما هو ثبور كثير ، إما لأن العذاب أنواع وألوان ، كل نوع منها ثبور ، لشدته [ ص: 28 ] وفظاعته ، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها ، فلا غاية لهلاكهم . ا ه . الزمخشري