قوله تعالى : ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا .
التحقيق : أن الضمير في قوله : ولقد صرفناه ، راجع إلى المذكور في قوله تعالى : ماء المطر وأنزلنا من السماء ماء طهورا ، كما روي عن ، ابن عباس ، وابن مسعود وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة وغير واحد ، خلافا لمن قال : إن الضمير المذكور [ ص: 63 ] راجع إلى القرآن ، كما روي عن وصدر به عطاء الخراساني القرطبي ، وصدر بما يقرب منه . الزمخشري
وإذا علمت أن التحقيق أن الضمير في : صرفناه ، عائد إلى ماء المطر .
فاعلم أن المعنى : ولقد صرفنا ماء المطر بين الناس فأنزلنا مطرا كثيرا في بعض السنين على بعض البلاد ، ومنعنا المطر في بعض السنين عن بعض البلاد ، فيكثر الخصب في بعضها ، والجدب في بعضها الآخر ، وقوله : ليذكروا ، أي : صرفناه بينهم لأجل أن يتذكروا ، أي : يتذكر الذين أخصبت أرضهم لكثرة المطر نعمة الله عليهم ، فيشكروا له ، ويتذكر الذين أجدبت أرضهم ما نزل بهم من البلاء ، فيبادروا بالتوبة إلى الله جل وعلا ليرحمهم ويسقيهم ، وقوله : فأبى أكثر الناس إلا كفورا ، أي : كفرا لنعمة من أنزل عليهم المطر ، وذلك بقولهم : مطرنا بنوء كذا .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، أشار له جل وعلا في سورة " الواقعة " ، في قوله تعالى : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [ 56 \ 82 ] فقوله : رزقكم ، أي : المطر ; كما قال تعالى : وينزل لكم من السماء رزقا [ 40 \ 13 ] وقوله : أنكم تكذبون ، أي : بقولكم : مطرنا بنوء كذا ، ويزيد هذا إيضاحا الحديث الثابت في صحيح مسلم ، وقد قدمناه بسنده ومتنه مستوفى ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوما على أثر سماء أصابتهم من الليل : ، فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " . من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا " أتدرون ماذا قال ربكم " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " قال : أصبح عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب . وأما
وقد قدمنا أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فأبى أكثر الناس إلا كفورا ، يدخل فيه من قال : مطرنا بنوء كذا . ومن قال : مطرنا بالبخار ، يعني أن البحر يتصاعد منه بخار الماء ، ثم يتجمع ثم ينزل على الأرض بمقتضى الطبيعة لا بفعل فاعل ، وأن المطر منه ; كما تقدم إيضاحه فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .