قوله تعالى : ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا .
[ ص: 64 ] المعنى : لو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة ، وبعثنا في كل قرية نذيرا يتولى مشقة إنذارها عنك ، أي : ولكننا اصطفيناك ، وخصصناك بعموم الرسالة لجميع الناس تعظيما لشأنك ، ورفعا من منزلتك ، فقابل ذلك بالاجتهاد والتشدد التام في إبلاغ الرسالة ، و لا تطع الكافرين الآية .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من اصطفائه - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة لجميع الناس ، جاء موضحا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ 7 \ 158 ] وقوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ 34 \ 28 ] وقوله : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ 6 \ 19 ] وقوله : ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده الآية [ 11 \ 17 ] .
وقد قدمنا إيضاح هذا في أول هذه السورة الكريمة ، في الكلام على قوله تعالى : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا [ 25 \ 1 ] وقوله : فلا تطع الكافرين ، ذكره أيضا في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى : ولا تطع الكافرين والمنافقين الآية [ 33 \ 48 ] وقوله : ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ 76 \ 24 ] وقوله تعالى : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه الآية [ 18 \ 28 ] وقوله تعالى : ولا تطع كل حلاف مهين [ 68 \ 10 ] .
وقوله في هذه الآية الكريمة : وجاهدهم به ، أي : بالقرآن ، كما روي عن . ابن عباس
والجهاد الكبير المذكور في هذه الآية هو المصحوب بالغلظة عليهم ; كما قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة الآية [ 9 \ 123 ] وقال تعالى : ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [ 9 \ 73 ] وقوله تعالى : فلا تطع الكافرين ، من المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يطيع الكافرين ، ولكنه يأمر وينهى ليشرع لأمته على لسانه ، كما أوضحناه في سورة " بني إسرائيل " .