تنبيه
في هذه السورة ، وفي آية : والذين هم على صلواتهم يحافظون [ 23 \ 9 ] ، التي هي من صفات المؤمنين معادلة كبيرة .
إحداهما : في أو مضيعيها . المنافقين تاركي الصلاة
والأخرى في المؤمنين المحافظين عليها ، أي أن الصلاة هي المقياس والحد الفاصل .
وعليه قوله صلى الله عليه وسلم : " " . العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن ترك الصلاة فقد كفر
أما أثر الصلاة في الإسلام ، وعلى الفرد والجماعة ، فهي أعظم من أن تذكر .
وقد وجدنا بعض آثارها وهو المراءاة في العمل ، أي ازدواج الشخصية والانعزال في منع الماعون ، أي لا يمد يد العون ولو باليسير لمجتمعه الذي يعيش فيه ، وقد جاءت نصوص صريحة في مهمة الصلاة عاجله وآجله .
ففي العاجل قوله تعالى : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ 29 \ 45 ] ، ومن الفحشاء : دع اليتيم وعدم إطعام المسكين ، في الدرجة الأولى .
[ ص: 118 ] ومنها : كل رذيلة منكرة ، فهي إذن سياج للإنسان يصونه عن كل رذيلة . وهي عون على كل شديدة ، كما قال تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة [ 2 \ 45 ] فجعلها قرينة الصبر في التغلب على الصعاب ، وهي في الآخرة نور ، كما قال تعالى : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم الآية [ 57 \ 12 ] ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : " " . إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء
وقوله : ويمنعون الماعون ، قيل : في الماعون الزكاة لقلتها ، والماعون : القليل ، والماعون : المال في لغة قريش .
وقيل : هو ما يعين على أي عمل ، ومنه الدلو والفأس والإبرة والقدر ، ونحو ذلك .
وإذا كان السهو عن الصلاة يحمل على منع الماعون ، فإن من يمنع الماعون وهو الآلة أو الإناء يقضي به الحاجة ثم يرد ، كما هو بدون نقصان ، فلأن يمنع الصدقة أو الزكاة من باب أولى .
ومن هنا : لم يكن المنافق ليزكي ماله ولا يتصدق على محتاج ، بل ولا يقرض آخر قرضا حسنا . ولذا نجد تفشي الربا في المنافقين أشد وأكثر .
وهنا يأتي مبحثان : الأول منهما : حكم الرياء وما حده ؟
والثاني : حكم العارية .
أما : فقيل هو مشتق من الرؤية ، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمد عليها ، وقد جاء في الحديث تسميته الشرك الخفي : " الرياء " . إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ، قالوا : وما الشرك الخفي يا رسول الله ؟ قال : الرياء ، فإنه أخفى في نفوسكم من دبيب النمل
وجاء قوله تعالى : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ 18 \ 110 ] .
وبيان الشرك فيه أنه يعمل العمل مما هو أصلا لله ، كالصلاة أو الصدقة أو الحج ، ولكنه يظهره لقصد أن يحمده الناس عليه .
[ ص: 119 ] فكأن هذا الجزء منه مشاركة مع الله ، حيث أصبح من عمله جزء لطلب الثناء من الناس عليه .
وقد جاء حديث عند أبي هريرة مسلم : يقول الله تعالى : " " . أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك معي غيري تركته وشركه
أما في العمل ، ففي هذا النص دلالة على رد العمل على صاحبه ، وتركه له . حكم الرياء
فقيل : إنه يكون لا له فيه ، ولا عليه منه .
فقيل : لا يخلو من ذم ، كما حذر الله تعالى منه بقوله : ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس [ 8 \ 47 ] .
وفي حديث رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن عباس " رواه من راءى راءى الله به ، ومن سمع سمع الله به مسلم .
والتسميع : هو العمل ليسمع الناس به كما في حديث الوليمة " في اليوم الأول والثاني والثالث سمعة . ومن سمع سمع به " .
فالرياء مرجعه إلى الرؤية ، والتسميع مرجعه إلى السماع .
ومعلوم أنها نزلت في قريش يوم بدر ، وقد أحبط الله عملهم ، وردهم على أعقابهم .
وفي حديث ، وقيل : إنه محبط للأعمال لمسمى الشرك لقوله تعالى : أبي هريرة إن الله لا يغفر أن يشرك به [ 4 \ 48 ] .
وأجيب : بأنه يحبط العمل الذي هو فيه فقط ، فإن راءى في الصلاة أحبطها ولا يتعدى إلى الصوم ، وإن راءى في صلاة نافلة لا يتعدى إحباطها إلى صلاة فريضة ، وهكذا ، قد يبدأ عملا خالصا لله ، ثم يطرأ عليه شبح الرياء ، فهل يسلم له عمله أو يحبطه ما طرأ عليه من الرياء ؟
فقالوا : إن كان خاطرا ودفعه عنه فلا يضره ، وإن استرسل معه . فقد رجح أحمد [ ص: 120 ] عدم بطلان العمل نظرا لسلامة القصد ابتداء . وابن جرير
ودليلهم في ذلك : ما روى أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني بني سلمة كلهم يقاتل ، فمنهم من يقاتل للدنيا ، ومنهم من يقاتل نجدة ، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله تعالى قال : " كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا " . أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن
وذكر عن : أن هذا في العمل الذي يرتبط آخره بأوله ، كالصلاة والصيام . ابن جرير
أما ما كان مثل القراءة والعلم . فإنه يلزمه تجديد النية الخالصة لله ، أي لأن كل جزء من القراءة ، وكل جزء من طلب العلم مستقل بنفسه ، فلا يرتبط بما قبله .
وهناك مسألة : وهي أن ، فيحسنون الثناء عليه فيعجبه ذلك . فلا خلاف أنه ليس من الرياء في شيء لما جاء في حديث العبد يعمل العمل لله خالصا ، ثم يطلع عليه بعض الناس أبي ذر رضي الله عنه ، " رواه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يعمل من الخير يحمده الناس عليه ، فقال صلى الله عليه وسلم " عاجل بشرى المسلم مسلم .
وقد ذكر بعض العلماء : أن من كان ، أنه يدخل في الرياء ; لأنه يضعف في نفسه أن يخلص النية لله ، وفي هذا بعد ومشقة . يعمل عملا خفيا ، ثم حضر بعض الناس فتركه من أجلهم خشية الرياء