مسائل تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المسألة الأولى : اعلم أن كلا من الآمر والمأمور يجب عليه اتباع الحق المأمور به ، وقد دلت السنة الصحيحة على أن من
nindex.php?page=treesubj&link=24661_26527يأمر بالمعروف ولا يفعله ، وينهى عن المنكر ويفعله ، أنه حمار من حمر جهنم يجر أمعاءه فيها .
وقد دل القرآن العظيم على أن
nindex.php?page=treesubj&link=24661المأمور المعرض عن التذكرة حمار أيضا ، أما السنة المذكورة فقوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007536يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتابه ، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار فيقولون : أي فلان ؛ ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ ، فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه " ، أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد - رضي الله عنهما .
ومعنى تندلق أقتابه : تتدلى أمعاؤه ، أعاذنا الله والمسلمين من كل سوء ، وعن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007537رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت ، فقلت لجبريل : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء خطباء من أمتك ، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب ، أفلا يعقلون " ، أخرجه الإمام
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وأبو نعيم في الحلية ،
وابن حيان ،
وابن مردويه ،
والبيهقي ، كما نقله عنهم
الشوكاني وغيره . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما : " أنه جاءه رجل فقال له : يا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أوبلغت ذلك ؟ فقال : أرجو ، قال : فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل ، قال : وما هي ؟ قال : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم الآية [ 2 \ 44 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [ 61 \ 3 ] ، وقوله تعالى عن العبد الصالح
شعيب - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه الآية
[ ص: 463 ] [ 11 \ 88 ] ، أخرجه
البيهقي في " شعب الإيمان " ،
وابن مردويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر ، كما نقله عنهم أيضا
الشوكاني وغيره .
واعلم أن التحقيق أن هذا الوعيد الشديد الذي ذكرنا من اندلاق الأمعاء في النار ، وقرض الشفاه بمقاريض النار ، ليس على الأمر بالمعروف ، وإنما هو على ارتكابه المنكر عالما بذلك ، ينصح الناس عنه ، فالحق أن الأمر بالمعروف غير ساقط عن صالح ولا طالح ، والوعيد على المعصية لا على الأمر بالمعروف ; لأنه في حد ذاته ليس فيه إلا الخير ، ولقد أجاد من قال : [ الكامل ]
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال الآخر : [ الطويل ]
وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو مريض
وقال الآخر : [ الطويل ]
فإنك إذ ما تأت ما أنت آمر به تلف من إياه تأمر آتيا
وأما الآية الدالة على أن المعرض عن التذكير كالحمار أيضا ، فهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=49فما لهم عن التذكرة معرضين nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=50كأنهم حمر مستنفرة nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=51فرت من قسورة [ 74 \ 49 ، 50 ، 51 ] ، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، فيجب على المذكر بالكسر ، والمذكر بالفتح أن يعملا بمقتضى التذكرة ، وأن يتحفظا من عدم المبالاة بها ، لئلا يكونا حمارين من حمر جهنم .
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْحَقِّ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24661_26527يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَفْعَلُهُ ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ ، أَنَّهُ حِمَارٌ مِنْ حُمُرِ جَهَنَّمَ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِيهَا .
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24661الْمَأْمُورَ الْمُعْرِضَ عَنِ التَّذْكِرَةِ حِمَارٌ أَيْضًا ، أَمَّا السُّنَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007536يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ ، فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ : أَيْ فُلَانُ ؛ مَا أَصَابَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ ، فَيَقُولُ : كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ " ، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي " صَحِيحَيْهِمَا " مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَمَعْنَى تَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ : تَتَدَلَّى أَمْعَاؤُهُ ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ ، وَعَنْ
أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007537رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ رَجَعَتْ ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ خُطَبَاءٌ مِنْ أُمَّتِكَ ، كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ " ، أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863وَالْبَزَّارُ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ ،
وَابْنُ حَيَّانَ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
الشَّوْكَانِيُّ وَغَيْرُهُ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَوَبَلَغْتَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَرْجُو ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ تَفْتَضِحَ بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَافْعَلْ ، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [ 2 \ 44 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [ 61 \ 3 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ
شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ الْآيَةَ
[ ص: 463 ] [ 11 \ 88 ] ، أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13359وَابْنُ عَسَاكِرَ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ أَيْضًا
الشَّوْكَانِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ انْدِلَاقِ الْأَمْعَاءِ فِي النَّارِ ، وَقَرْضِ الشِّفَاهِ بِمَقَارِيضِ النَّارِ ، لَيْسَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ عَالِمًا بِذَلِكَ ، يَنْصَحُ النَّاسَ عَنْهُ ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْ صَالِحٍ وَلَا طَالِحٍ ، وَالْوَعِيدُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَا عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْخَيْرُ ، وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ : [ الْكَامِلُ ]
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وَقَالَ الْآخَرُ : [ الطَّوِيلُ ]
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى طَبِيبٌ يُدَاوِي النَّاسَ وَهُوَ مَرِيضُ
وَقَالَ الْآخَرُ : [ الطَّوِيلُ ]
فَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ بِهِ تَلْفَ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا
وَأَمَّا الْآيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُعْرِضَ عَنِ التَّذْكِيرِ كَالْحِمَارِ أَيْضًا ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=49فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=50كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=51فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [ 74 \ 49 ، 50 ، 51 ] ، وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُذَكِّرِ بِالْكَسْرِ ، وَالْمُذَكَّرِ بِالْفَتْحِ أَنْ يَعْمَلَا بِمُقْتَضَى التَّذْكِرَةِ ، وَأَنْ يَتَحَفَّظَا مِنْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهَا ، لِئَلَّا يَكُونَا حِمَارَيْنِ مِنْ حُمُرِ جَهَنَّمَ .