فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بالولي في الآية : الورثة من ذوي الأنساب والأسباب ، والرجال والنساء ، والصغار والكبار ; فإن عفا من له ذلك منهم صح عفوه وسقط به القصاص ، وتعينت الدية لمن لم يعف .
وهذا مذهب الإمام ، والإمام أحمد بن حنبل أبي حنيفة والإمام رحمهم الله تعالى . الشافعي
[ ص: 121 ] وقال في " المغني " : هذا قول أكثر أهل العلم ; منهم ابن قدامة عطاء ، والنخعي ، والحكم ، وحماد ، ، والثوري وأبو حنيفة ، ، وروي معنى ذلك عن والشافعي عمر ، ، وطاوس ، وقال والشعبي الحسن ، وقتادة ، ، والزهري ، وابن شبرمة والليث ، : ليس للنساء عفو ; أي : فهن لا يدخلن عندهم في اسم الولي الذي له السلطان في الآية . والأوزاعي
ثم قال : والمشهور عن ابن قدامة مالك أنه موروث للعصبات خاصة ، وهو وجه لأصحاب . الشافعي
قال مقيده عفا الله عنه : مذهب مالك في هذه المسألة فيه تفصيل : فالولي الذي له السلطان المذكور في الآية الذي هو استيفاء القصاص أو العفو عنده هو أقرب الورثة العصبة الذكور ، والجد والإخوة في ذلك سواء . وهذا هو معنى قول خليل في مختصره :
والاستيفاء للعاصب كالولاء ، إلا الجد والأخوة فسيان
اه .وليس للزوجين عنده حق في القصاص ولا العفو ، وكذلك النساء غير الوارثات : كالعمات ، وبنات الإخوة ، وبنات العم .
أما النساء الوارثات : كالبنات ، والأخوات ، والأمهات فلهن القصاص ، وهذا فيما إذا لم يوجد عاصب مساو لهن في الدرجة ، وهذا هو معنى قول خليل في مختصره :
وللنساء إن ورثن ولم يساوهن عاصب
فمفهوم قوله : " إن ورثن " أن غير الوارثات لا حق لهن ، وهو كذلك .
ومفهوم قوله : " ولم يساوهن عاصب " أنهن إن ساواهن عاصب : كبنين ، وبنات ، وإخوة وأخوات ، فلا كلام للإناث مع الذكور . وأما إن كان معهن عاصب غير مساو لهن : كبنات ، وإخوة ; فثالث الأقوال هو مذهب المدونة : أن لكل منهما القصاص ولا يصح العفو عنه إلا باجتماع الجميع ; أعني ولو عفا بعض هؤلاء ، وبعض هؤلاء . وهذا هو معنى قول خليل في مختصره :
ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم
; يعني : ولو بعض هؤلاء وبعض هؤلاء .قال مقيده عفا الله عنه : الذي يقتضي الدليل رجحانه عندي في هذه المسألة : أن الولي في هذه الآية هم الورثة ذكورا كانوا أو إناثا ، ولا مانع من إطلاق الولي على الأنثى ; لأن المراد جنس الولي الشامل لكل من انعقد بينه وبين غيره سبب يجعل كلا منهما يوالي [ ص: 122 ] الآخر ; كقوله تعالى : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [ 9 \ 71 ] ، وقوله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية [ 8 \ 75 ] .
والدليل على شمول الولي في الآية للوارثات من النساء ولو بالزوجية الحديث الوارد بذلك ، قال أبو داود في سننه : ( باب عفو النساء عن الدم ) : حدثنا ، ثنا داود بن رشيد الوليد عن الأزواعي : أنه سمع حصنا ، أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " . على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول ، وإن كانت امرأة
قال أبو داود : بلغني أن ، وبلغني عن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء أبي عبيدة في قوله : " ينحجزوا " يكفوا عن القود .
وقال رحمه الله في سننه : أخبرنا النسائي إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا الوليد بن الأوزاعي ، قال : حدثني حصن ، قال : حدثني أبو سلمة ( ح ) . وأنبأنا ، قال : حدثنا الحسين بن حريث الوليد ، قال : حدثنا ، قال : حدثني الأوزاعي حصين : أنه سمع أبا سلمة يحدث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " اه . وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول ، وإن كانت امرأة
وهذا الإسناد مقارب ; لأن رجاله صالحون للاحتجاج ، إلا حصنا المذكور فيه ففيه كلام .
فطبقته الأولى عند أبي داود : هي نزيل داود بن رشيد الهاشمي مولاهم الخوارزمي بغداد ، وهو ثقة . وعند النسائي ، حسين بن حريث وإسحاق بن إبراهيم ، ثقة . وحسين بن حريث الخزاعي مولاهم أبو عمار المروزي
والطبقة الثانية عندهما : هي ثقة ، لكنه كثير التدليس والتسوية ، وهو من رجال الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي البخاري ومسلم وباقي الجماعة .
والطبقة الثالثة عندهما : هي الإمام الأوزاعي وهو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو أبو [ عمرو ] الأوزاعي ، وهو الإمام الفقيه المشهور ، ثقة جليل .
والطبقة الرابعة عندهما : هي حصن المذكور وهو ابن عبد الرحمن ، أو ابن محصن التراغمي أبو حذيفة الدمشقي ، قال فيه ابن حجر في " التقريب " : مقبول . وقال فيه في " تهذيب التهذيب " : قال شيخ يعتبر به ، له عند الدارقطني أبي داود حديث [ ص: 123 ] واحد " والنسائي " ، قلت : وذكره على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة في الثقات . وقال ابن حبان : لا يعرف حاله ( ا ه ) وتوثيق ابن القطان له لم يعارضه شيء مانع من قبوله ; لأن من اطلع على أنه ثقة حفظ ما لم يحفظه مدع أنه مجهول لا يعرف حاله . وذكر ابن حبان ابن حجر في " تهذيب التهذيب " عن أبي حاتم أنهما قالا : لا نعلم أحدا روى عنه غير ويعقوب بن سفيان . الأوزاعي
والطبقة الخامسة عندهما : رضي الله عنه ، وهو ثقة مشهور . أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
والطبقة السادسة عندهما : عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد رأيت أن رحمه الله ذكر ابن حبان حصنا المذكور في الثقات ، وأن بقية طبقات السند كلها صالح للاحتجاج ، والعلم عند الله تعالى .