قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : قال اذهب [ 17 \ 63 ] ، هذا أمر إهانة ; أي اجهد جهدك ، فقد أنظرناك فمن تبعك ، أي : أطاعك من ذرية آدم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا [ 17 \ 63 ] أي وافرا . عن مجاهد وغيره . وقال الزمخشري وأبو حيان : اذهب ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيء ، وإنما معناه : امض لشأنك الذي اخترته . وعقبه بذكر ما جره سوء اختياره في قوله : فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا [ 17 \ 63 ] .
[ ص: 168 ] وهذا في هذه الآية الكريمة ، بينه أيضا في مواضع أخر ; كقوله : الوعيد الذي أوعد به إبليس ومن تبعه قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ 38 \ 84 - 85 ] ، وقوله : فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : جزاء مفعول مطلق منصوب بالمصدر قبله ، على حد قول ابن مالك في الخلاصة :
بمثله أو فعل او وصف نصب وكونه أصلا لهذين انتخب
والذي يظهر لي : أن قول من قال : إن " موفورا " بمعنى " وافر " لا داعي له . بل " موفورا " اسم مفعول على بابه ، من قولهم : وفر الشيء يفره ، فالفاعل وافر ، والمفعول موفور ، ومنه قول زهير :
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
وعليه : فالمعنى : جزاء مكملا متمما . وتستعمل هذه المادة لازمة أيضا تقول : وفر ماله فهو وافر ; أي كثير . وقوله : " موفورا " نعت للمصدر قبله كما هو واضح ، والعلم عند الله تعالى .